كيف يمكن للتقنية أن تنقذ اللاجئين السوريين؟
يُعَدّ السوريّون، بغضّ النظر عن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية أو وضعهم كلاجئين، متأخّرين عن نظرائهم في المنطقة والعالم أجمع من حيث الدراية التقنية. ففيما كان سائر العالم يواكب الابتكارات الجديدة ويسير قُدُماً، بقي السوريون منعزلين جرّاء الأوضاع السياسية وبفعل العقوبات المفروضة على البلاد. والآن، نظراً إلى عدد السوريين الهائل الذين يعانون من ظروفٍ قاسيةٍ في مخيّمات اللاجئين وفي عدّة مدن من أنحاء المنطقة، من واجبنا نحن السوريين المقيمين في الشرق الأوسط والمحترفين في المجالات التقنية أن نشارك معرفتنا ونمدّ يد العون إلى السوريين الذين يعيشون على هامش الحياة للفرار من هذه الأوضاع. فبفضل المهارات التقنية الملائمة، يمكن للسوريين أن يخلّصوا أنفسهم من كابوس السنوات القليلة الماضية.
عندما تلقيتُ رسالةً من صديقتي لينا للذهاب إلى تركيا مع منظّمتها "مؤسَّسة كرم" Karam Foundation بهدف المشاركة في برنامجٍ حول ريادة الأعمال موجّهٍ إلى أطفال اللاجئين السوريين المقيمين في بلدة ريحانلي (الواقعة على الحدود مع سوريا)، شعرتُ بفرحةٍ عارمة. ورحتُ أفكّر في أنّني سأتمكّن، وأخيراً، من ردّ الجميل إلى مجتمعي الذي واجه الكثير من الضائقات في السنوات الأخيرة.
أنا لستُ لاجئاً مثل الكثير من السوريين الذين يعيشون في ريحانلي، لكنّني تركتُ موطني ورائي أيضاً. غادرتُ سوريا منذ ثلاث سنواتٍ بعدما أدركتُ أنّني سأتمكن من النجاح في مؤسَّستي أكثر بكثيرٍ إذا كانَت في الأردن. لقد كان ترك كلّ شيءٍ أعرفه ورائي، من أصعب الأمور التي قمتُ بها في حياتي. ففي ظلّ الأوضاع السياسية التي كانَت سائدةً في سوريا، كنّا منعزلين تماماً من مجتمع الشركات الناشئة الإقليميّ. لم يكن هناك ما يُعرف بجمع الأموال fundraising! لذا اضطررتُ إلى أن أمحو من ذهني كلّ الأفكار القديمة وأن أبدأ من الصفر. كان عليّ أن أمحو من ذهني كلّ ما أعرفه عن الشركات الناشئة والبيئة الحاضنة الريادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعن جمع الأموال والأسواق الأخرى والإرشاد وكثير غيرها من الأمور. غير أنّ المرور في هذه المرحلة كان نعمةً في ثوب نقمة، لأنّني في هذه المسيرة وجدتُ نفسي من جديد.
عندما أخبرَتني لينا عن الأطفال في مخيّم اللاجئين في جنوب تركيا، فكّرتُ في أنّني قد أتمكن من زيادة إمكاناتهم كما فعلتُ في الماضي بمساعدة الرئيس التنفيذي لـ"أويسس500" Oasis500، أسامة فيّار، بجعل السوريين يعملون في البيئة الحاضنة التقنية في الأردن. هكذا ونظراً إلى سنّهم الصغيرة ووضعهم كلاجئين الذي خلّفهم بلا أيّ موارد، أعدَّت زميلتي إيمي وصديقتُنا ديا برنامجاً يسعى إلى تعليم الأطفال الأسسَ التي تجعلهم روّاد أعمال جيّدين: توليد الأفكار وتقديم أنفسهم وإعداد خطط استراتيجية بدائية.
فيما اقتربت الحافلة من المخيم، سمعنا هتافات الأطفال تعلو أكثر فأكثر: "كرم، كرم، كرم، كرم، كرم!" كان هؤلاء الأطفال صورةً مناقضةً للاجئين العاجزين والمكتئبين الذين نراهم في الأخبار، إذ بدوا أطفالاً سعداء يهتفون ويغنّون. لم أعرف ماذا أفعل. كنتُ سعيداً وأردتُ البكاء في الوقت عينه. هؤلاء هم أطفال وطني وقد أرغموا على مغادرة منازلهم. وفيما كنتُ أنا حزيناً، لم يبدُ ذلك عليهم بتاتاً.
وبعدما تقدّمنا في البرنامج، بدأ الأطفال يثبِتون أنفسَهم أكثر ويذكّروننا بوضعهم. وفي أحد هذه الأيام، تحدّانا طفلٌ مباشرةً، قائلاً: "لِمَ تعلّموننا هذا؟ عندما ستغادرون، سنبقى نحن هنا." بقي ذلك في ذهني لمدّةٍ طويلةٍ بعد أن انتهى البرنامج. وأقسمتُ أنّني سأجد طريقةً لأوجد قيمةً وأثراً يبقى مع الأطفال بعد أن أغادر ريحانلى لأعود إلى حياتي الطبيعية. وافقَت زمليتاي بالتشاور مع كِندا ولينا، على أنّه علينا بناء علاقةٍ مستمرّةٍ مع الطلاب، وهو أمرٌ كان يتطلّب أكثر من مجرّد بضعة أيّام عمل.
بعد بضعة أسابيع، كنتُ في طريقي إلى وادي السليكون لألتقي بشركات
تقنيةٍ محلّيةٍ من هناك، وطوال هذا الوقت لم تفارق رحلة ريحانلى ذهني؛
أثناء رحلتي في الطائرة إلى الولايات المتحدة، أدركتُ أنّ هؤلاء
اللاجئين يحتاجون إلينا، نحن الذين أثبتنا أنفسنا في المنطقة وخارجها،
لبناء جسور لهم من خلال التكنولوجيا. لا يحتاج هؤلاء الطلّاب في
ريحانلى إلى تأسيس شركات، ولن يتمكّنوا في الواقع من فعل ذلك الآن.
ولكن إذا علّمناهم استخدام التكنولوجيا، يمكنهم تعلّم مهاراتٍ والعمل
بها بشكلٍ مستقلّ عبر الإنترنت freelance. وبهذه الطريقة لا يحدّهم
مكانهم الجغرافيّ، ويكون ذلك حلّاً بديلاً لهم في حال لم يتمكّنوا من
متابعة دراستهم.
هذه هي الخطة الآن. سوف أعود مع مجموعةٍ متحمّسةٍ أكبر من المحترفين في نيسان/أبريل لمساعدة الطلّاب على تعلّم مهاراتٍ تقنيةٍ جديدة. وحلمي الآن هو رؤية بعضٍ من هؤلاء الطلاب يوماً ما – والفتيات منهم بشكلٍ خاصّ – يتلقّون راتبهم الأوّل مقابل عملهم الخارجيّ في المجالات التقنية.
لا أطيق عندما يشفق الناس على اللاجئين، ولا أطيق أن أذهب إلى هناك لأقوم بدوري فحسب لفترةٍ مؤقّتةٍ ثم أعود إلى حياتي العادية. لقد حالفني الحظّ أنّ حصلتُ على فرصةٍ للعمل خارج سوريا، وأريد مساعدة الآخرين ليتعرّفوا إلى العالم خارج نطاق القيود والقهر الذي اعتادوا عليه، خارج العالم البغيض الذي يعيشون فيه منذ فترة؛ إلى عالمٍ مليءٍ بالفرص والأمل.
لن نتمكّن من تغيير الوضع على الفور، ولكن ربّما إذا مكّنّا هذا الجيل وزوّدناه بالمعرفة والخبرة، سوف يكسر يوماً ما الحواجز ويتحرّر من واقعه المرير.