كيفية اختيار المرشد المناسب لريادة الأعمال
نادر صبري هو رائد أعمال ومبتكر وخبير استراتيجي معتمد في برنامج تكنولوجيا الفضاء من ناسا، ولدى الجهات الحكومية وفي قطاع الصحة والعافية. كما أنه مؤلف كتاب "تجهّز، استعد، وانطلق للنمو: الدليل الشامل حول كيفية تحقيق النجاح السريع للمبتدئين"، الذي يقدم خططاً متكاملة تتيح للمنظمات تسريع نموها بمعدل عشرة أضعاف.
تحتاج الشركات الناشئة عدداً من العوامل الأساسية اللازمة للعمل بنجاح، بما في ذلك توفر الاستثمارات والكفاءات واللوائح التنظيمية الداعمة، مع وجود العملاء في الدرجة الأولى.
ويتمثل أحد أهم هذه العوامل في الإرشاد، الذي لا يحظى عادةً باهتمامٍ كافٍ. وينبغي لمن يسعى إلى تأسيس شركة ناشئة أن يبذل كامل وقته وجهده في هذه العملية، مما يجعل تحقيق التوازن بين حياته الشخصية والمهنية في المراحل الأولى للشركة أمراً بعيد المنال. وفي حال وجود شريك، فيمكن للمؤسسين العمل على مواجهة التحديات والاستفادة من الفرص معاً، لكن مؤسس الشركة الوحيد قد يعاني من حالات الاكتئاب والإرهاق والقلق.
ويتوقف نجاح خدمات الإرشاد على نقل المعرفة المكتسبة من الخبرة والتجارب إلى الآخرين، حيث يواجه مؤسسو الشركات الناشئة العديد من حالات انعدام اليقين والتحديات والقرارات العصيبة خلال رحلتهم، لا سيما أولئك الذين يعملون في مجالات وجوانب عمل غير مسبوقة بالنسبة إليهم. ويأتي هنا دور المرشد الخبير في توجيه رواد الأعمال خلال تأسيس شركاتهم، مستفيداً من خبراته وتجاربه لمساعدتهم على تجاوز التحديات والعوائق بثقةٍ أكبر، وتجنب الوقوع في الأخطاء الشائعة. كما يساهم الإرشاد في تعزيز الترابط المجتمعي والعلاقات الوثيقة لدى رواد الأعمال، الذين قد يعانون أحياناً من الوحدة والانعزال، وخاصةً عند تأسيس مشروعهم الأول. وتجعل هذه العلاقات من المرشد الناجح شخصاً موثوقاً ومقرّباً من عملائه، مما يدفعهم إلى اللجوء إليه وطلب المشورة والتشجيع منه خلال أوقات الشدة التي لا بد أن تواجههم، وقد يسهم هذا الدعم المعنوي في إحداث نقلةٍ نوعية في حياة رائد الأعمال ومسيرته.
ومع ذلك، يتمثل الدافع الأكبر للعمل مع المرشدين الناجحين في إمكانية الوصول إلى شبكة علاقاتهم، التي حرصوا على تكوينها طوال سنوات عملهم في القطاع. ولذا، تترافق خدمات الإرشاد مع إمكانية لقاء المستثمرين والشركاء والعملاء المحتملين، ما يتيح لمؤسسي الشركات الوصول إلى موارد قيّمة ما كانوا ليحصلوا عليها في حالاتٍ أخرى.
ويصعب اليوم إيجاد مرشد يتمتع بالكفاءة المطلوبة في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لقلة عددهم وتراجع مفهوم رد العطاء والجميل فيها عن غيرها من المنظومات الحيوية في باقي أنحاء العالم.
ويستلزم الحصول على خدمات إرشاد فعالة كل مما يلي:
-
الأجر: يقدم المرشدون الناجحون جزءاً كبيراً من وقتهم وخبرتهم للعملاء، وبالتالي يجب منحهم أجراً مجزياً. وقد تتباين كمية هذا الأجر بين شخصٍ وآخر، إلا أن وجود أجرٍ عالٍ يشجع المرشدين على السعي لضمان نجاح رائد الأعمال الذي يتعامل معهم. ولا يقتصر الأجر على الجانب المالي، بل قد يتضمن منح المرشدين أسهماً في الشركة. كما يضمن تقديم الأجر المالي تحفيز المرشدين لتكريس وقتهم وجهدهم كاملاً في عملهم، وبالتالي الارتقاء بجودة خدماتهم. وبدورها، يستلزم نمو الشركات الناشئة ونجاحها الحصول على الإرشاد الفعّال باستمرار، لكن المرشدين لن يضعوا كامل عزيمتهم وطاقتهم في هذا العمل إن لم يحمل في نهايته أجراً كافياً.
-
الاستمرارية: لا تستطيع جلسة إرشادية واحدة تقديم التوجيه والرؤية اللازمين لإحداث تأثيرٍ ملموس أو معالجة مشكلة ما. وتشكّل الجلسات الأولى في طبيعتها مساحةً للتعارف بين المرشد ورائد الأعمال، في حين تتضمن الجلسة الثانية دراسة المشكلات بشكلٍ معمّق وضمن سياق الشركة الناشئة، لتركز الجلسات التالية بعدها على استكشاف الخيارات والآفاق. أما الجلسات الأخيرة، فتتمحور حول تحليل نتائج وتبعات الخيارات التي تم اعتمادها. وتحتاج جميع هذه الجوانب جهداً كبيراً لا يمكن اختصاره في جلسة واحدة أملاً في تحقيق قيمة فعلية.
أما كيفية اختيار المرشد المناسب، فتتطلب ما يلي:
-
التواصل مع الأفراد المناسبين: يصعب على رائد الأعمال معرفة الخطوة الأولى لتأسيس مشروعه في حال كان يفتقر إلى العلاقات والصلات الكافية. وبهذا السياق، يتطلب منك إيجاد المرشد المناسب التواصل مع شخص لديه تجارب سابقة في مجال عملك ويفهم طبيعة العمل في هذا القطاع، ثم إطلاعه على المشكلة التي تواجهك والخطوات التي اتخذتها لمعالجتها، وتطلب بعدها لقاء هذا الخبير لمعرفة آرائه والأخذ بمشورته حول المشكلة.
-
تنويع المرشدين: يميل رواد الأعمال إلى اختيار المرشدين الذين يعرفونهم أو يريحهم العمل معهم، لكن التوجه الصحيح يتمثل في إيجاد مرشدين يتمتعون بخبراتٍ متنوعة، ويمكنهم تقديم المشورة حول الجوانب التي يعاني منها رائد الأعمال. لذا، يتوجب على مؤسسي الشركات العمل مع عدد من المرشدين بحيث يساعد كلّ منهم في جانبٍ خاص من عمل الشركة، بما في ذلك كيفية التعامل مع الفريق، ووضع الاستراتيجية، وإدارة الشؤون المالية.
-
تقديم الإرشاد المخصص: يدرك المرشدون أن النجاح لا يتحقق دائماً عبر الخطة نفسها، بل يجب أن يتعرفوا إلى رائد الأعمال ويطوروا طريقةً لتقديم التوجيه المناسب إليه، بدلاً من التركيز على معالجة المشكلة، إذ يتركز عمل المرشد في تقديم الأفكار لرواد الأعمال استناداً إلى خبراته الخاصة. وثمة العديد من موظفي الشركات الذين يقررون العمل في الإرشاد هرباً من الروتين الممل، غير أن عملهم يتعارض مع أهداف رواد الأعمال وسياق عملهم، إذ تنحصر خبرة هؤلاء الموظفين في سياق عمل الشركات الكبرى، والتي تعتبر أصولاً قيّمة في مجالهم الخاص، لكنها نائية في الوقت نفسه عن ريادة الأعمال. ولذا، يتوجب على المرشدين من الخلفيات المؤسسية التعرف أكثر على مشهد ريادة الأعمال قبل البدء بتقديم خدماتهم.
وينمي الإرشاد ثقافة التعلم المستمر لكل من المرشد ورائد الأعمال، حيث يقوم على مزيجٍ من التوجيه العملي والدعم العاطفي والرؤى الاستراتيجية. ولذا، تحتاج منطقة الشرق الأوسط لإطلاق برامج إرشادية أكثر تنظيماً لريادة الأعمال، والتي من شأنها إرساء منظومة أجور متنوعة لخدمات الإرشاد، لتمكين مؤسسي الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة من الاستفادة من هذه الخدمات في حال افتقارهم للموارد المالية الكافية. ولكن سواء كان الإرشاد مجانياً أم مأجوراً، يجب أن يتمحور تركيزه حول مستوى جودة التوجيه، و قدرة المرشد على تقديم رؤى فعالة ذات صلة، ومدى استعداد رائد الأعمال للتعلم والنمو.