هل وصل قطاع التوصيل للعميل النهائي إلى نقطة التشبع؟ (الجزء الثاني)
نشرنا في الجزء الأول من هذا التحقيق الصحفي مخطط يوضح النمو الذي يشهده قطاع التوصيل للعميل النهائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أما في الجزء الثاني ، فننظر في تأثير هذا النمو الهائل على القطاع.
منذ عام 2019، ظهرت 45 شركة ناشئة جديدة تركز على قطاع التوصيل للعميل النهائي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وقد حدث هذا النمو السريع نتيجة لزيادة التسوق عبر الإنترنت، حيث يطالب المستهلكون اليوم باستلام طلباتهم في وقت أقل وأكثر ملاءمة مع توفير إمكانية تتبع الطلبات.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الشركات الجديدة تعمل في مجال خدمات الشحن، فقد ارتفع أيضًا عدد الشركات الناشئة التي تقدم برمجيات التسليم أو إدارة خدمات الشحن إضافةً إلى نماذج التسليم البديلة مثل الاستلام والتسليم والخزائن الذكية.
إن النمو السريع الذي شهده قطاع التوصيل للعميل النهائي دفع العديد من الحكومات في جميع أنحاء المنطقة إلى اتخاذ خطوات لتنظيم هذا القطاع. في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، حيث تضاعف عدد الشركات الناشئة التي تقدم خدمات التوصيل للعميل النهائي ثلاث مرات خلال العام الماضي، تشترط هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية (CITC) الآن على جميع الشركات العاملة في مجال التوصيل للعميل النهائي وشركات التوصيل التي تعتمد على التقنية الحصول على ترخيص للعمل في البلاد.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا، أصدرت هيئة الطرق والمواصلات (RTA) مؤخرًا دليل عمليات لشركات التوصيل للعميل النهائي، والذي يهدف في المقام الأول إلى مساعدة الجهات التنظيمية في فهم المشهد فهمًا أفضل وحماية حقوق شركات الشحن والتأكد من حصولها على التدريب المناسب وتراخيص سارية المفعول. في الكويت، أصدر اتحاد شركات التوصيل لائحة جديدة تحدد رواتب السائقين بقيمة تتراوح ما بين 160 و200 دينار كويتي في الساعة بهدف توحيد الرواتب؛ وهي خطوة قوبلت بمزيج من الانتقادات والدعم.
أما الشركات، فقد أدت المنافسة المتزايدة إلى إجراءات تسليم أسرع وأرخص وتغطية أفضل، وقد أصبحت الأدوات والتقنيات الجديدة مثل روبوتات المحادثة وتحسين المسار شائعة الاستخدام.
يقول ربيع علاف، المدير الدولي في أرامكس: "أدى دخول كل هذه الشركات الجديدة إلى رفع مستوى الأداء. لقد أصبح السوق... ليس بالضرورة مشبعًا، ولكنه مزدحم بالتأكيد."
وعلى الرغم من دخول هذه الشركات الجديدة، فلا يزال قطاع التوصيل للعميل النهائي في المنطقة تهيمن عليه الشركات الحالية مثل أرامكس.
يضيف علاف: "دخلت شركات ناشئة ممولة من شركات رأس المال المخاطر إلى السوق وحصلت على جزء من الحصة السوقية. لذلك، لدينا شركات متعددة تمكنت من الدخول إلى السوق ونجحت إما بسبب تركيزها على منطقة واحدة ذات كثافة عالية، حيث يمكنها تقديم أنواع مختلفة من خدمات التسليم، أو بسبب تميزها في الأدوات التقنية [واستحداث] قدر كبير من الأتمتة والتركيز على التجربة".
المناطق عالية الكثافة تتيح لشركات الشحن الجمع بين أكثر من عملية تسليم ومن ثم رفع مستوى الكفاءة وخفض تكلفة الطلب، كما أنه يسمح بتسريع مدة التسليم، وقد تزايد الآن عدد تجار التجزئة ممن لديهم القدرة على توصيل الطلبات في اليوم التالي أو في نفس اليوم في مقابل أسعار أعلى. يتزايد عدد الشركات التي تحاول تقديم ما هو أفضل في هذا الصدد؛ وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية ارتفع عدد الشركات الناشئة في مجال التجارة السريعة والتي تنخفض فيها مدة التسليم لتصل إلى 15 دقيقة في بعض الحالات.
"السرعة هي أحد الاتجاهات الرئيسية المطلوبة والتي نركز عليها الآن. أصبح العميل اليوم غير صبور للغاية، فهو في واقع الأمر يريد الحصول كل شيء الآن. يقول أيوش خاطري، مدير النمو والاستراتيجية السابق في شركة Lyve الإماراتية: "لكن العامل الرئيسي الذي يميز بين الشركات الموجودة حاليًا هو أولاً وقبل أي شيء حجم أسطولك، خاصةً في توصيل الطعام أو التجارة السريعة جدًا".
ومع ذلك، فإن عامل التميز الرئيسي الذي تعتمد عليه هذه الشركات الجديدة هو التكلفة الأقل.
يضيف علاف: "لديك دائمًا [الشركة الناشئة] التي تأتي وتحاول شراء السوق من حيث التكلفة، وبالتالي ستبيع بسعر أقل من سعر معين. لنفترض أن متوسط سعر البيع هو 15 درهمًا في الإمارات، سوف تأتي الشركة وتبيع بسعر 10 دراهم أو 8 دراهم وتتكبد الخسارة لثلاثة أو أربعة أو خمسة أشهر بحسب الأموال المتاحة في حسابها البنكي لاختراق السوق، والفكرة هي البناء من هذه النقطة بمجرد تحقيق وفورات الحجم ".
هل يمكن أن يكون التوصيل للعميل النهائي مربحًا؟
يقول علاف: "يصعب تحقيق وفورات الحجم في هذا القطاع، خصوصًا إذا ما نظرنا إلى مستوى المنافسة وارتفاع معدل حرق النقد".
"أعتقد أن أغلب الأشخاص يقللون من قيمة الأموال اللازمة للتوسع أو النمو. أرى الأمر بمثابة سباق إلى الأسفل في قطاع التوصيل للعميل النهائي؛ لقد رأيت بطاقات أسعار مخيفة في بعض هذه الشركات الجديدة. من الصعب أيضًا كسب المال في قطاع التوصيل للعميل النهائي؛ قد تكون لديك فرصة في مصر أو السعودية بسبب عدم وجود شركات كثيرة، ولكن في الإمارات العربية المتحدة فالسوق متشبع جدًا."
باستثناء بعض اللوائح الخاصة برواتب العاملين في مجال الشحن، فإن أسعار التوصيل في المنطقة غير مقننة.
يضيف علاف: "إحدى وجهات النظر الموجودة تؤيد السماح لهذه الشركات بحرق أموالها ليستفيد النظام الريادي منها، لكن ما يحدث هو أن ذلك يؤثر على الجميع، مما ينتج عنه تأثير شبكي. لتتمكن من جني الأرباح في السوق اليوم، أنت تحتاج إلى استنفاذ جميع أصولك والاستفادة من أدواتك للتأكد من أنك تتمتع بأكبر قدر ممكن من الكفاءة داخل شبكتك ".
وعلى غرار ما قاله علاف، يرى خاطري إن الشركات التي تريد التوسع بكفاءة يتعين عليها تجاوز نموذج السائق الواحد والتوسع إلى قطاعات رأسية متعددة لضمان الاستفادة من أسطول السائقين على النحو الأمثل.
"[أنا] أعتقد أن الشركات التي ستفوز في هذا السوق هي التي تركز على القطاعات الرأسية المتعددة. لذا فإن الشركات التي تركز على الطعام والبقالة والتجارة الإلكترونية والأدوية وأي شيء يتطلب التوصيل إلى العميل النهائي تتيح لك إمكانية تحسين تكاليف وحدتك، ويضيف: "تعدد القطاعات الرأسية لا غنى عنه للبقاء في السوق".
أصبحت الحاجة إلى الاستفادة المثلى من عمل السائقين أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، لا سيما في ظل قلة عدد السائقين الذي تعاني منه الشركات في الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي حيث تعتمد هذه الدول اعتمادًا كبيرًا على العمالة الوافدة في مجال الشحن.
إلى أين يتجه المستقبل؟
مع زيادة عادات التسوق عبر الإنترنت فيما بين المستهلكين، سيشهد قطاع التوصيل للعميل النهائي مشاركين جدد وأطراف معنية متعددة. ومن هذا المنطلق ، من الضروري أن تستمر الشركات الحالية في مواءمة استراتيجيات أعمالها وفقًا للاحتياجات المتغيرة لتجارة التجزئة ومواكبة توقعات العملاء المتطورة للحفاظ على المرونة وتقليل مخاطر التعرض للمنافسة الشديدة.
ومن الأمثلة الموجودة على ذلك شركة Fetchr الإماراتية والتي كانت تعتبر في يوم من الأيام قصة نجاح إقليمية بعد أن تمكنت من الحصول على تمويل يتعدى 77 مليون دولار. أما الآن، فالشركة في طور التصفية بسبب استحقاق فواتير ضريبية عليها بقيمة 100 مليون دولار في المملكة العربية السعودية. لم تستطع فتشر مواكبة النمو الهائل في التجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة، وبدأ انهيار الشركة عندما لم تتمكن من مواكبة ارتفاع الطلب خلال موسم مبيعات الجمعة البيضاء في عام 2018، وهو أحد أكبر مواسم التسوق في العام؛ تعطل نظام خدمة العملاء في الشركة فجأة مما أدى إلى تأخير التوصيل وإلغاء المشترين للطلبات.
فإذا ما نظرنا إلى مدى تعقيد الإجراءات وتشابكها في التوصيل للعميل النهائي، فمن المرجح ظهور المزيد من اتفاقات التعاون والشراكات والاستحواذ في المستقبل. إن وجود بيئة حاضنة متجاوبة ومتعاونة حيث يمكن الاستفادة من الأصول الموجودة والحلول التي تقدمها الشركات الناشئة المختلفة استفادة أكبر سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين مرونة القطاع وزيادة جاذبيته.
يقول علاف: "[أعتقد] هذا هو التغيير الجذري الطبيعي الذي ستشهده المنطقة. لديك الكثير من هذه الشركات الناشئة التي تدخل السوق وهدفها هو أن تستحوذ عليها شركة أكبر، ومن ثم سترى الكثير من عمليات الاندماج".
أما حسن جبرتي، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لمنصة Diggiepacks للشحن ومقرها المملكة العربية السعودية، فيرى إن القطاع كبير بما يكفي لاستيعاب المزيد من الشركات.
"توجد الكثير من الفرص، ليس فقط في مجال التوصيل للعميل النهائي لامتلاك قطاعات التوصيل، وليس فقط في التخزين والتجهيز والتعبئة ولكن في قطاعات أخرى. نحن نتحدث عن التخليص الجمركي ووكلاء الشحن والتخزين بين المدن والتوصيل للعميل النهائي وتوصيل الميل الأول والتسليم عند الطلب والتسليم السريع، وما إلى ذلك. وأضاف: "توجد الكثير من الشركات في السوق، لكن لا أحد يعرف شيئًا عن معظمها."
للاطلاع على خرائط الشركات الناشئة في قطاع التوصيل للعميل النهائي في دول مجلس التعاون الخليجي، يرجى النقر هنا.
للاطلاع على خرائط الشركات الناشئة في قطاع التوصيل للعميل النهائي في شمال إفريقيا والمشرق العربي، يرجى النقر هنا.
للحصول على تفاصيل حول الأنواع المختلفة من الشركات الناشئة التي تقدم خدمات التوصيل للعميل النهائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يرجى النقر هنا.