المستقبل يكمن في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولكن وحدهم الرجال يستطيعون الاستفادة منه
شارلوت كرم هي المديرة المؤسسة في مركز الأعمال والقيادة الشاملة للمرأة
بناءً على النتائج المستخلصة من مؤشر "المعرفة قوة" الذي يشمل 100 بلد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العربية، مع استطلاعات رأي لأكثر من ألف وسبعمئة صاحب عمل رسمي وأكثر من خمسمئة وعشرين مقابلة مع نساء، يحتلّ قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات المرتبة الأدنى على الإطلاق من حيث توظيف المرأة واستبقائها وترقيتها.
وكان الهدف من مؤشّر "المعرفة قوة"، الذي أعدّه مركز الأعمال والقيادة الشاملة للمرأة في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، سدّ الفجوة في البيانات في المنطقة ورسم خارطة طريق قابلة للتنفيذ للسياسات الشاملة للجنسين في التوظيف. واستناداً إلى البيانات التي تمّ جمعها وتحليلها، يتجلّى الواقع المقلق في أنّ أغلبية الوظائف في المستقبل ستكون معروضة في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في حين أنّ العنصر النسائي غائبٌ في الغالب عن هذا القطاع. فكيف ستتمكّن المنظّمات، والشركات الناشئة، ورواد الأعمال المبتكرين من جذب مزيدٍ من النساء إلى هذا المجال؟
إن الإجابة بكلّ بساطة هي من خلال توفير أماكن عمل أكثر شموليّة.
أما الحقيقة الصعبة فهي أنّ الحاجة تدعو إلى تصميم ممارسات وسياسات لضمان توظيف النساء بدون تمييز، واستبقائهنّ في منظّماتهنّ من خلال التخطيط الوظيفي، والإرشاد وتوفير فرص التواصل وبناء الشبكات بشكلٍ ملائم، وترقيتهنّ عبر مسارات وظيفيّة تصاعديّة، بناءً على الجدارة. ولا بدّ أيضاً من معالجة التباين المتنامي على مستوى تخصيص التمويل، متى تعلّق الأمر بالمشاريع المملوكة من النساء.
لنلقِ نظرة على الوقائع أوّلاً
-
تشير الدرجات الإقليمية من مؤشر "المعرفة قوة" إلى أنّ قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يحتلّ المرتبة الأدنى من بين مجمل القطاعات، كما أنّه دون متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العربية من حيث مختلف الأبعاد.
-
احتلّ بُعد الاستبقاء المرتبة الأدنى لهذا القطاع (31.59 من أصل درجة 100)، ما يُظهر حاجة ماسة إلى تنفيذ استراتيجيات قد تساعد على استبقاء الموظفات. ويُعدّ هذا الأمر مقلقاً بالنظر إلى أنّ أغلبية الوظائف في المستقبل ستنطوي على مستوى عالٍ من تكنولوجيا المعلومات كما أنّها ستتوفّر في مجالات أخرى متعلقة بقطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. في المقابل، يحتلّ قطاع الرعاية الصحية المرتبة الأعلى من حيث بُعد الاستبقاء، حيث يسجّل درجة 42.77.
-
يأتي قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في مرتبة دون المتوسّط بكثير فيما يتعلق بالترقية (35.30 من أصل درجة 100). ويفسّر هذا الرقم سبب غياب العنصر النسائي تقريباً عن المناصب القيادية. وقد حقّق على سبيل المثال قطاع الرعاية الصحيّة، الذي يحتلّ المرتبة الأعلى من حيث الترقية، درجة تساوي 47.55.
-
أما من حيث التوظيف، فتشير نتائج مؤشر "المعرفة قوة" إلى أنّ قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يأتي أيضاً في المرتبة الأدنى (40.02 من أصل درجة 100). ومن جديد، يحتلّ قطاع الرعاية الصحيّة المرتبة الأعلى عن هذا البُعد، مُسجّلاً درجة 45.00.
-
استناداً إلى ما تقدّم، سيكون من الأفضل أن يستمرّ مديرو الموارد البشريّة بإتاحة المناصب القيادية للنساء في الأعوام القادمة، وأن يواصلوا توفير الفرص التطويرية لهنّ من أجل زيادة تمثيل المرأة في المناصب القيادية في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المستقبل.
من أين تنشأ هذه المشاكل؟
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العربية من فجوةٍ متناميةٍ في البيانات، والتي تعمل منظّمات ومراكز متعددة على سدّها. فانطلاقاً من مؤشر "المعرفة قوة"، عَمِل مركز الأعمال والقيادة الشاملة للمرأة على مدار أكثر من عامين إلى جانب 11 شريكاً قُطرياً من أجل توليد البيانات من المنطقة لأجل المنطقة. ولكن، ما زالت الحاجة تدعو إلى جمع بيانات مصنّفة بحسب الجنس وتحليلها فيما يتعلّق بأبعاد التوظيف، والاستبقاء والترقية جميعها. وبهذا الخصوص، بإمكان أصحاب شركات الأعمال وروّاد الأعمال العمل باتّجاه سدّ فجوة البيانات، سواء ضمن منظماتهم، أو مع منظّمات متخصصة في جمع البيانات وتحليلها.
غالباً ما تعاني أصوات النساء من سوء التمثيل على مختلف المستويات في المنظّمات، ولا سيّما في المناصب القياديّة، كما هي الحال في المجالس الإقليمية. على الرغم من ذلك، بيّنت الدراسات أنّه كلما ازدادت المجالس تنوّعاً، تضاعفت المنافع من حيث توليد الأفكار الإبداعية المبتكرة والعوائد المالية. علاوةً على ذلك، تفوّت الشركات التي تبيع منتجات وخدمات مصمّمة للنساء الفرصة بالفعل. فلمَ لا يتم إشراك النساء في المناقشة لجذب العميلات الإناث اللواتي يشكّلن 50% من القوة الشرائية في المنطقة؟ من هنا، يمكن من خلال تنظيم مجموعات بؤريّة مع المتقدّمين المحتملين للوظائف، والموظّفين السابقين والعملاء، الوصول إلى فهمٍ أفضل لهذه الفجوات، ومعالجتها في نهاية المطاف.
هذا، وتُعدّ آليات الإبلاغ الداخليّة عنصراً أساسياً وحيوياً بالنسبة إلى المنظّمات كي تُصبح أكثر شموليّة، إلّا أنّها غائبة بشكلٍ سائدٍ في مختلف أنحاء المنطقة. من هنا، يتوجب على الشركات العمل من أجل بناء القدرة الداخلية على الاعتراف بالتحيّز، والتمييز، والعنف في مكان العمل. كما يستتبع ذلك تطبيق هيكليات للإبلاغ عن التمييز ومراجعة مجمل أدبيات الشركة ومنشوراتها لإزالة المصطلحات التي تشير إلى التحيّز الجنساني. وبما أنّ عدداً من الشركات الناشئة والمتوسعة أكثر مرونةً بهذا الخصوص، فيجب أن يكون من الأسهل تطبيق هذه الآليات.
من جهةٍ أخرى، يمكن أن تدعم برامج الإرشاد أصحاب المواهب المؤهلين تأهيلاً عالي المستوى للارتقاء إلى القمة. بناءً على ذلك، تدعو الحاجة إلى تطوير برامج الإرشاد وفرص التواصل وبناء الشبكات في سياق أجندات المؤسسات والشركات الناشئة والمتوسعة، وذلك من أجل زيادة نسبة استبقاء النساء وترقيتهنّ في مكان العمل.
أين هنّ رائدات الأعمال النساء من قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؟
لا يتوقّف التمييز في مكان العمل داخل المنظّمات فحسب، وإنّما يتخطاها ليتسلّل إلى فرص التمويل، متى تعلّق الأمر بشركات أعمال بقيادة نسائية. في الواقع، تحصل رائدات الأعمال النساء على نسبة مئوية هامشيّة من التمويل، بالمقارنة مع نظرائهن الرجال. وفي حين لا تتوفّر لنا هذه البيانات (حتى الآن) بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يبيّن مثلاً البحث الذي أجراه يو.بي.أس (UBS) في الولايات المتحدة أنّه تم عام 2018 تخصيص أقلّ من 3% من تمويل رأس مال المخاطرة للشركات التي تترأسها مديرات تنفيذيات نساء، في حين أنّ 86% من إجمالي شركات الأعمال الممولَّة لا تضمّ أي امرأة في المنصاب الإدارية.
بناءً على ما تقدّم، ما يمكن استخلاصه من هذه البيانات هو وجود تباين متنامٍ في التمويل، الأمر الذي قد يعيق توقعات أن تصبح رائدات الأعمال النساء اللامعات أصحاب شركات أعمال في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
بالنسبة إلى رواد الأعمال والشركات الناشئة، كما أيضاً المنظّمات الأكبر حجماً التي تعمل في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كيف يمكن أن يصبح القطاع أكثر شمولاً في أقرب وقتٍ ممكن؟
فيما يتعلّق بالتوظيف
يتوجّب على مديري الموارد البشرية جمع البيانات من أجل فهم سبب عدم تقدُم عددٍ كافٍ من النساء للوظائف في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. فمع نمو عدد الخريجات الإناث في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لمَ لا يتقدّمن للعمل في الشركات بحسب تخصصهن؟
بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد التشارك مع الجامعات، والمنظمات غير الحكومية، وأصحاب العمل الآخرين على توسيع مجموعة المتقدّمين للوظائف لتشمل مزيداً من المواطنات النساء، من أجل تحديد فرص العمل المحتملة في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والتمكن من بدء تذليل العقبات التي تعترض دخولهنّ هذا المجال.
هذا، ويوصى بأن يكون هناك مزيدٌ من القدوات الناجحة التي تحتذي بهذا النساء في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، واللواتي قد يلهمن مزيداً من النساء وتشجّعهن على التقدّم للوظائف.
ما أن تنضمّ النساء إلى القوة العاملة، كيف نستبقيهنّ؟
متى تعلّق الأمر بالاستبقاء، فإنّ البيانات تفسّر كل شيء وهي غاية في التعبير. من هنا، يتوجّب على مديري الموارد البشرية جمع بيانات حول العوامل التي قد تدفع بالنساء للخروج من هذا القطاع وتحليلها. فهل يتعلّق الأمر بعدم المساواة في الأجور؟ أو بانعدام التوازن بين العمل والحياة؟ أم بفرص التعليم المستمر والإرشاد التي تشتدّ الحاجة إليها؟
بالنسبة إلى النساء اللواتي يتولين الوظائف لسنوات طويلة (أي اللواتي أمضين سنوات متعددة في شركة ما)، يتوجب على مديري الموارد البشرية جمع البيانات لفهم ما إذا كانت هذه الفترة مرتبطة بجودة التجربة. وهل من أمر آخر يمكن تحسينه في مكان العمل ويتم حالياً التغاضي عنه؟
لضمان تولي النساء المنصاب القيادية في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المستقبل، لا بدّ من ترقيتهنّ
من هنا، يجب أن ترتكز الترقية على الجدارة والعمل الدؤوب. وبهذا الخصوص، يتوجب على مديري الموارد البشرية أن يوفّروا دعماً أفضل للنساء اللواتي يتولين مناصب عليا في هذا القطاع، وذلك من خلال وضع سياسات وتقديم منافع فضلى.
ويتوجّب على مديري الموارد البشرية الإقرار بدور النساء اللواتي يتولين مناصب صنع القرارات العليا في إلهام نساء أخريات في هذا القطاع ودعمهنّ. هذا، ولا بدّ أيضاً من تمكين مديري الموارد البشرية للبحث عن النساء المؤهلات واستهدافهنّ لتولي المناصب العليا في هذا القطاع.
وبالطبع، لا بدّ من ربط فرص التدريب والتطوير مباشرةً بالفرص والمتطلبات من حيث الترقية وتوقعات التنقّل في المناصب بشكلٍ تصاعديّ.
لكي يكون قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أكثر شمولاً، نحن بحاجة إلى خارطة طريق
يمكن للمنظمات المتعددة الجنسيات والشركات الناشئة ورائدات الأعمال النساء ومديري الموارد البشريّة الناشطين في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية، قيادة خارطة الطريق للتغيير. على الرغم من ذلك، لا بدّ من أن تبدأ المحادثة حول زيادة مستوى شمولية قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في وقتٍ مبكر. فإن لم تشارك الشابات والنساء الموجودات في مكان العمل في هذه المناقشة، سيبقى العنصر الذكوري يهيمن على القطاع وستصبح حتّى الفرص المتوفرة للنساء في هذا القطاع في المستقبل أكثر ندرة.
لقد بدأنا نشهد بعض التغييرات في الأوساط الأكاديمية، حيث يتم دمج برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الكليات في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنّ هذا الأمر ليس كافياً. يتوجب على صانعي السياسات اتّخاذ خيارٍ تداوليّ لاعتماد سياسات التوظيف، والاستبقاء والترقية الشاملة للجنسين وتنفيذها. ويجب أن تعالج حزم العمل مسائل مختلفة على غرار التوازن بين العمل والحياة، مع تحديد معايير واضحة للتنقل عبر الوظائف بشكلٍ تصاعدي. من ناحية أخرى، من شأن ازدياد عدد النساء اللواتي يتولين مناطب عليا في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أن يلهم نساء أخريات ويدعمهنّ للانضمام إلى منظّمات عاملة في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. هذا، ويجب بذل مزيدٍ من الجهود لتطوير مجموعات المهارات المطلوبة في عالمٍ تدفعه التكنولوجيا. ويمكن لأصحاب العمل أيضاً التشارك مع الجامعات لجذب النساء الشابات في سياق اختيارهن مساراتهن المهنية. فعند هذه المرحلة، قد تستفيد النساء من دورات إرشاديّة، لتوسيع آفاق توقعاتهن الوظيفية وصقل مهاراتهن المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. على الرغم من ذلك، تكمن النقطة الرئيسية التي يمكن أن يتحقق عندها أغلبية التغيير منذ اليوم، في منظّمات أصحاب العمل الرسميين عبر المنطقة. فنحن لن نتمكّن من أن نشهد ازديادًا في عدد النساء في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلا من خلال اعتماد استراتيجيات أكثر شمولاً للتوظيف، والاستبقاء، والترقية والتي تكون مصمّمة للنساء خصيصاً.