كوفيد-19 حافز يعزز جهود التعلم عبر الإنترنت في دولة الإمارات
بقلم: أنتوني تاترسال، نائب الرئيس لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة "كورسيرا"
اتسمت الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها تتم وجهاً لوجه بشكل تقليدي، وينطبق الأمر نفسه على التدريب والتعلم المؤسسي. ويرى الكثيرون أن تعزيز العلاقات يتحقق من خلال التعلم الشخصي، وأن المشاركين هم أكثر تفاعلًا مع مواد الدورات التدريبية إذا كانوا في جلسات واقعية. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر التدريب ميزة للوقوف على نجاح الموظفين المجتهدين.
ومع ذلك، بدّدت جائحة "كوفيد -19" فرصة التعلم وجهاً لوجه بشكل كامل تقريباً. ووفقًا لتقرير "مستقبل الوظائف" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن ما يقرب من 80 بالمئة من الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة بادرت بتسريع رقمنة أعمالها نتيجة الوباء، حيث تجلى جانب كبير من هذه الجهود في التعلم الافتراضي لضمان استمرار مهارات واعتمادات موظفيها.
لكن تحوّل التعلم والتطوير إلى منصات الإنترنت لم يكن بالمهمة السهلة. فقد تطلب الأمر سعي الشركات إلى استكشاف شركاء في مجالي المحتوى والتكنولوجيا لتقديم التعلم على نطاق واسع ليلائم الاحتياجات سريعة التغير للأعمال. وكان عليها العمل بوتيرة متسارعة للتأكد من أن الموظفين يمكنهم الوصول إلى المواد، والأهم من ذلك إدراك الموظفين أن التحوّل إلى الإنترنت لا يعني المساس بجودة الخدمة المقدّمة. والأمر الإيجابي في ذلك هو أن ثقافة الانفتاح والرغبة في التنويع قد أدت دائماً إلى أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة تبني ونشر الابتكارات الرائدة وأفضل الممارسات. ولا شك أن تبني هذا النهج يساعد الشركات في الدولة على مواجهة التحدي الجديد اعتماداً على منصة "كورسيرا".
إذن، كيف تنتقل الشركات في دولة الإمارات إلى التعلم عبر الإنترنت، وما هي المميزات التي تعود على من يُجيد استخدامها؟
تحقيق أهداف العمل
سيكون التحول إلى التعلم الافتراضي على الأرجح هو النهج الجديد للعديد من الشركات، وقد يستغرق الأمر وقتاً لتحديد أفضل السبل. وعلى الرغم من أن الأشهر القليلة الماضية اتسمت بسرعة التطورات، فلا يتعين أن يكون هذا على حساب التأني والقياس المستمر. وفي ظل طرح البرامج، فمن المهم الاستمرار في مراجعتها وصقلها وتحسينها لإدراك النجاح بشكل أفضل، ولتأمين الدعم من المتدربين وأصحاب المصلحة.
وتواجه بعض الشركات هذا التحدي من خلال استكمال الدورات الجاهزة من معلمي الصناعة والجامعات بمحتوى أنشأته مؤسساتهم. ويتسنى ذلك من خلال استخدام أدوات التأليف الخاصة، والتي تتيح للشركات إنشاء مشاريعها ودوراتها التدريبية وتقييماتها. وفي الواقع، تستخدم شركات مثل Hertz هذا بالفعل لتطوير دورات في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات وإدارة SaaS وتصور البيانات وإعداد البرامج.
وتعد أفضل الشركات لتحقيق النجاح هي التي تمتلك رؤية واضحة لأهداف التعلم الخاصة بها. ويتباين ذلك من الحاجة إلى جذب الموظفين والاحتفاظ بهم، إلى مساعدتهم على إعادة التدريب وصقل المهارات لتناسب احتياجات العمل المتغيرة. ومهما كانت هذه الاحتياجات، فمن المرجح أن تُطبّق استراتيجيات التعلم في أي مؤسسة إذا اعتبرت أنها ضرورة عمل استراتيجية مرتبطة بنتائج أعمال محددة، وليست "مجرد" مهمة لأقسام الموارد البشرية.
تحفيز استيعاب الموظفين يضمن عائدات متميزة للأعمال
الشركات الذكية في المنطقة لا تتطلع إلى إتاحة الوصول إلى موارد التعلم فحسب. وبالنسبة لها، تعتبر مسألة استيعاب الموظف مقياساً مهماً للنجاح. وتتحقق فعالية الموارد الرقمية أياً كان نوعها فقط إذا تمكّن الموظفون من استيعابها. وفي حين أن التغيير في الممارسات التنظيمية يمكن أن يكون مقلقاً، إلا أن الفوائد تفوق بكثير أية مخاوف. وفي الوقت الذي يهتم القادة بالنتيجة النهائية، فإن الترويج لجني مميزات فورية أكثر من شأنه أن يحدث تأثيراً أكبر لدى الموظفين.
وقد يشمل ذلك تقليل وقت السفر، ومعدل استجابة أسرع لاحتياجات التدريب وإمكانية وصول أكثر ملاءمة لجمهور عالمي.
وفي الوقت الحالي، قد يعني ذلك أيضاً القدرة على العمل عن بُعد بشكل أفضل، وتعزيز التعاون عبر الوسائل الافتراضية من خلال تجارب الدورة التدريبية المشتركة والتفاعلات. ويتعلق الأمر أيضاً بالرفاهية العاطفية، إذ تُظهر نتائج الأبحاث أن ممارسة التعلم تساعد في التغلب على التوتر، ويمكن للتعلم عبر الإنترنت أن يمكّن الموظفين من مواصلة الاستثمار في مستقبلهم، وهو أمر بالغ الأهمية في مثل هذه الفترة المتسمة بعدم الاستقرار. وعلى سبيل المثال، أصبحت دورة The Science of Wellbeing من جامعة Yale هي الدورة الأكثر شعبية على منصتنا هذا العام، حيث استقطبت أكثر من 2.5 مليون مسجل.
والأمر المثير للانتباه أنه في حين أن الشركات في المنطقة ربما كانت تفضل في السابق التدريب وجهاً لوجه، يجب أن تُظهر للموظفين الآن كيف يمكن للتعلم الافتراضي أن يقدم جودة محسنة، من خلال تجارب تعليمية متسقة وقابلة للقياس بدلاً من بيئة الفصل الدراسي الشخصية الأكثر حرية.
زيادة التركيز على المهارات اللازمة لمواجهة تحديات الأعمال الجديدة
من المرجح أن يشجع انتشار الوباء الشركات على إعادة تقييم المهارات التي تحتاجها ومن ثم نقلها إلى كوادرها. وبينما تنعقد الآمال في المنطقة على مرحلة التعافي من الوباء، فإن وجود بنية تحتية افتراضية قوية وقابلة للتطوير هو أمر ضروري لضمان قدرة المؤسسات على سرعة الاستجابة. فعلى سبيل المثال، تساعد "لوحة معلومات تطوير المهارات" من "كورسيرا" الشركات على قياس سبل مساعدة برنامج التعلم الخاص بهم للموظفين، مما يضمن تحقيقهم للتقدم والأهداف.
وبدلاً من تشجيع تطوير مجموعات المهارات المحدودة، تتطلع العديد من المؤسسات حالياً إلى تعزيز عقلية مرنة. وفي الواقع، فقد أشار أحدث تقرير لشركة الأبحاث "ماكنزي" إلى "القدرة على التكيف" كمهارات أساسية للموظفين في عالم ما بعد "كوفيد-19". ومن خلال إعطاء الأولوية لتبني هذه العقلية، يمكن للشركات صقل مهارات الموظفين الذين ينتقلون من مهارة إلى أخرى بسلاسة كافية لتقلد أدوار جديدة وتطويرها للاستفادة من الفرص المتباينة.
ويعد هذا جزئياً السبب الذي جعلنا نرى تركيزًا أكبر على المهارات الشخصية من الشركات في جميع أنحاء العالم. ففي "كورسيرا"، ازدادت طلبات التسجيل على أساس سنوي في دورات التطوير الشخصي بنسبة 500 بالمئة هذا العام. ومن أبرزها دورة "تعلم كيفية تتعلم" من جامعة كاليفورنيا، و"كيفية فهم الحجج" من جامعة ديوك" و"التواصل الفعال ضمن مجموعات" من جامعة كولورادو. وبينما تتطلع الشركات إلى الخروج من هذا الوضع المجهول، فإن تطوير هذه المهارات الشخصية سيصبح أكثر أهمية.
ومن أهم أولويات العمل للشركات في الوقت الحالي الحرص على مشاركة الموظفين ودعمهم. ويشير تقديم فرص التعلم إلى الاستثمار المستمر في تطويرهم المهني، حتى مع مواجهة الشركات لمناخ اقتصادي صعب. وبالطبع، ففي الحالات التي لا يستطيع فيها الموظفون القيام ببعض أو كل عملهم أثناء الوباء، يمكن أن يساعدهم التعلم على تطوير مهاراتهم ما يعزز جاهزيتهم بشكل أفضل عند استئناف العمل.
كلمة أخيرة
ندرك أن الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة تشهد تحوّلاً متسارعاً نحو التعلم عبر الإنترنت، وتحفزها الحاجة إلى مواصلة التكيف في ظل انتشار جائحة "كوفيد-19". ويدرك أكثر هذه الشركات نجاحاً أن تطبيق استراتيجية تعلّم مؤسسية قوية من حيث التصميم ليس من باب "الرفاهية"، ولكنه ضرورة مطلقة تؤثر على أداء الأعمال. وترى التعلُّم والتطوير بشكل جادّ على أنه قضية رفيعة المستوى، تحدد الربحية والمرونة وقدرتها على النمو.
وعلى نحو متزايد، تتمتع الشركات في المنطقة بإمكانية أكبر للوصول إلى مجموعة متنوعة من الدورات التدريبية، وتجربة تعليمية فائقة، والقدرة على قياس التقدم بشكل أفضل. وعلى الرغم من أن الضرورة قصيرة المدى قد ساهمت في تسريع الانتقال إلى التعلم عبر الإنترنت، إلا أن النجاح الذي تشهده الشركات يعني أنها تستهدف البقاء، ولفترة طويلة بعد زوال الوباء.