العمالة المهاجرة والثمن الحقيقي التحويلات
مارك رودن هو مؤسس شركة "دينج" ومديرها التنفيذي
تثير وتيرة تطور مجلس التعاون الخليجي انبهار العالم، وقد كان للتدفق الكبير للعمالة الوافدة دور مساعد في هذا التطور، فقد ساهمت في بناء ركائز اقتصادات المجلس.
ومع ذلك، فقد غادر المنطقة خلال الشهور القليلة الماضية الآلاف ممن استطاعوا تحمل تكلفة تذاكر السفر من هؤلاء المغتربين والعمال المهاجرين، إذ عادوا إلى بلادهم لمواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي التي أحدثتها جائحة كورونا.
ففي ظل الإغلاق العام، انخفضت القدرة على العمل وكسب العيش، في حين شهدت حالات العدوى زيادة كبيرة خلال ذروة الجائحة، وكانت المناطق التي يشكل العمال المهاجرون غالبية سكانها الأكثر تأثرًا. ففي دبي، أُغلقت مناطق كاملة لاحتواء الفيروس، مما قلل فرص العمل وكسب العيش المتاحة للعاملين.
ولم يكن ذلك حالَ العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي وحدهم، فقد شهدت بلدان ثرية أخرى مثل سنغافورة اتجاهًا مماثلا.
ثمة درس ينبغي أن تتعلمه الدول الثرية التي تحاول أن تستجير من رمضاء المرض بنار الانهيار الاقتصادي؛ وهو أن النجاح مُحال بدون شمول جميع أفراد المجتمع، وخاصة الأكثر هشاشة منهم، مثل العاملين الأجانب الذين يُستغلون في حفر الأنفاق وتشييد ناطحات السحاب التي تخط سماء المدينة، وزراعة الخضر والفاكهة وطهي الوجبات ورعاية المسنين والعمل في المستشفيات.
يتسم العاملون الأجانب بمرونة عز نظيرها في مجتمعنا، فظروفهم ليست سواءً، وتختلف بين بلد وآخر، ولكنهم مجتمعين أرسلوا إلى أسرهم في بلادهم الأصلية 554 مليار دولار أمريكي عام 2019. وهذه التدفقات النقدية – التي تزيد عن ثلاثة أمثال المساعدات الإنمائية كلها وفقًا للبنك الدولي – تمثل شريان حياة لمليار شخص في البلدان الفقيرة.
اقتطع الإغلاق العام من هذه التدفقات النقدية جزءًا كبيرًا، ويقدر البنك الدولي أن التحويلات ستتراجع بنسبة 20 في المائة هذا العام. معظم هؤلاء العاملين ليس لديهم حساب بنكي، ويعتمد بعضهم على شركات تحويل الأموال العالمية مثل ويسترن يونيون، ولكن معظمهم يحولون إلى بلادهم الأموال أو يرسلون القيمة في صور أخرى مثل دفع الفواتير أو إرسال رصيد الهواتف المحمولة من متاجر صغيرة مثل 7-11 التي تجري التحويلات بمختلف أنواعها.
تغير مفهوم الأعمال "الأساسية"
في أوقات الرخاء، تتقاضى متاجر تحويلات الأموال هذه رسومًا باهظة، وقد يستغرق تحويل الأموال إلى أسر مرسليها في بلادهم الأصلية وقتًا طويلاً. وبعد الإغلاق العام في العديد من الدول الثرية، تعذر وصول العاملين إلى هذه المتاجر، فيما سمحت العديد من البلدان باستمرار عمل الأعمال "الأساسية" مثل البنوك. ولكنها لم تعتبر خدمات تحويلات الأموال أعمالاً أساسية، وفي هذا مثال آخر لتفاقم تأثير كوفيد-19 نتيجة تجاهلنا للعاملين الأجانب الذين يشكلون جزءًا من نسيج مجتمعنا.
ولما تعذر الوصول إلى المتاجر، لجأ العاملون إلى الحلول الرقمية. فالخدمات التي تجري من خلال الإنترنت تكلف رسومًا أقل، وتتسم بأمان أكبر، نظرًا لتجنيبها المستخدمين ملامسة الأوراق النقدية التي يخشى الكثيرون تكون حاملةً للفيروس.
تأخذ العديد من حلول تحويل الأموال في الانتشار، فبجانب تحويلات الأموال المعروفة، يمكن للعاملين استخدام هواتفهم أيضًا في إرسال المحتوى الصوتي والبيانات، وهي ميزة مهمة تسمح لهم بالحديث إلى أسرهم، وهذا في حد ذاته نعمةٌ في هذه الأوقات العصيبة. وتزاول شركات المحمول وما يُسمى "التطبيقات الخارقة" القائمة على التجارة الإلكترونية في آسيا عملها بنقل المزيد من التحويلات والبيانات عبر شبكاتها.
وبالاتصال بمنصات التسوق على الإنترنت يمكن للعامل المهاجر شراء السلع بالنيابة عن أسرته في بلده الأصلي وإرسالها إليهم. وفي هذه الإمكانات الرقمية مثال آخر يبرز اعتماد الدول الثرية على العمال المهاجرين. تقول إحدى شركات التقنية المالية المختصة في التحويلات في هونج كونج إن جزءًا كبيرًا من أعمالها في مارس كان ناتجًا عن طلب أسر ثرية من العاملين في الخدمة المنزلية لديهم استخدام محافظهم الإلكترونية في شراء أقنعة طبية في مسقط رأسهم، مثل مانيلا أو جاكرتا، ثم جعل أحد أفراد الأسرة يرسلها إلى الأسرة في هونج كونج بالبريد.
يسهل الترابط بين المنصات الرقمية على المهاجرين وأسرهم الوصول إلى الطعام والدواء والمؤن. فرغم تراجع إجمالي التحويلات، فقد أصبحت أهم من أي وقت مضى.
لا يمكن لمعظم البلدان الفقيرة فرض الإغلاق العام لفترات أطول. ففي بنغلاديش، يعمل 80% من السكان في أعمال يومية، ولا يجدون الطعام إن لم يُدفع لهم في اليوم ذاته لدفع عربة أو تخييط قطعة ملابس. وقد يسبب توقف التحويلات والوظائف انتشار المجاعات في العديد من الدول النامية.
يجب السماح للخدمات الرقمية بالقيام بدور أكبر، فقد ينقذ النفاذ إليها حياة الأشخاص. ولسوء الحظ أن معظم الخدمات الرقمية تتطلب حسابًا بنكيًا، فالسلطات تنشغل بكشف غسيل الأموال، وعادة ما تدق تحويلات المبالغ المالية الصغيرة التي يجريها المهاجرون هي الأخرى جرس الإنذار في إدارات الامتثال في البنوك.
ويتنافى هذا مع الإنصاف حتى في أوقات الرخاء، إذ يؤدي إلى تهميش المهاجرين في مجتمعات منعزلة تعتمد على الأوراق النقدية فقط. يجب أن يتغير الهدف من تنظيم التحويلات النقدية، فبدلاً من التركيز على مكافحة غسيل الأموال، ينبغي أن يكون هدفه دعم الشمول المالي، وأن تتولى الحلول الرقمية التحقق من الهوية عن بعد وعلى نحو آمن.
سيفعل العمال المهاجرون كل ما في وسعهم لمواصلة إرسال النقود إلى بلدهم الأصلي. وقد شهد عدد قنوات التحويلات المالية الرقمية زيادةً كبيرة في فبراير ومارس عندما هرع الناس لإرسال ما ادخروه من مبالغ إلى بلادهم. ولكن لا يمكنهم إرسال المبالغ إلا إذا تمكنوا من جنيها أولاً، وقد حرم الإغلاق العام الشامل الكثير من الأشخاص من وظائفهم بالفعل، وباتوا يكافحون للعودة إلى بلادهم.
تولي جميع الدول الثرية اهتمامًا كبيرًا للعمال المهاجرين، وتستفيد من كدهم استفادةً مباشرةً، وحتى المستهلكون فيها يستفيدون من انخفاض أسعار الخدمات بفضلهم.
لقد وضعنا كوفيد-19 أمام اختيار: فإما أن نواصل معاملة المهاجرين على نحو يضر بسبل عيشهم وصحتهم، وإما أن نمنحهم الحقوق التي يستحقونها. ويبدأ هذا بالسماح لهم بالمشاركة في الاقتصاد على نحو عادل.