ثلاث استراتيجيات أساسية لإطلاق شركة ناشئة بنجاح
تتسم الكثير من النصائح الموجهة إلى الشركات بطابعها التكتيكي وبالتالي تختلف من سياقٍ إلى آخر، في حين أن أكثر النصائح التحوّلية الفعّالة تستند إلى مبدأ معيّن وتعدّ ضروريةً لنهج شركتك الناشئة أو لأسلوبك العام بالعمل.
سأشارك في هذه المقالة الدروس التي تعلمتها من عملي ومتابعتي وتواصلي ومقابلتي لروّاد أعمال بارزين في الوطن العربي لكتابي الجديد الذي يحمل اسم «ستارت أب عربية: قصص ونصائح أفضل رواد الأعمال التقنية في العالم العربي» (Startup Arabia: Stories and Advice from Top Tech Entrepreneurs in the Arab).
شغلت منصب مدير السوق في موقع «سوق.كوم» (Souq.com) قبل أن أصبح كاتباً، وبعد عملي في هذا القطاع لأكثر من 15 عاماً وتعاوني مع العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف المجالات، أدركت أن عامل الاختلاف الرئيسي الذي يحدد مستوى نجاح أي شركة ناشئة يكمن في مدى جودة وسرعة التنفيذ فيها، إذ يفوق هذا العامل بأهميته عن ألمعية الفكرة المبدئية.
إليك ثلاث ممارسات مستوحاة من روّاد أعمال ناجحين في هذه المنطقة والتي قد تمكّن أي مؤسسة تجارية من الازدهار والنمو.
١- اصنع مطرقة لا سكينة سويسرية
خلال مقابلة أجراها مع «ستارت أب أريبيا» (Startup Arabia)، قال مدثر شيخة، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «كريم» (Careem): «في عام 2013، وبعد مرور تسعة أشهر على تشغيل شركتنا، أرسل لي شخصٌ وصفاً وظيفياً من شركة «أوبر» (UBER) يبحثون فيه عن مدير عام للشركة في دبي.»
وأضاف قائلًا: «كانت أجواء شركتنا مشحونة بالتوتر والضغط في تلك الفترة، لكن لا يوجد شيء يضاهي المنافسة لتدفعك إلى العمل بسرعة كبيرة، فعوضاً عن النوم لست ساعات يومياً بتنا ننام ثلاث ساعات فقط. وقلنا إننا يجب أن نطلق تطبيقاً ونبدأ بتشغيله قبل أن يدخلوا إلى السوق، وقمنا بذلك فعلاً، فأطلقنا التطبيق على «آب ستور» (app store) بغضون أسابيع قليلة قبل قدوم «أوبر» إلى المدينة. كان تطبيقاً بسيطاً للغاية إلا أننا كنا مستعدين للعمل.»
تمكن مدثر وفريقه في «كريم» من إطلاق تطبيق قادر على منافسة خصم من مستوى عالمي مثل «أوبر» بغضون أسابيع قليلة، ما يدل على قوة تجريد منتجك إلى وظائفه الأساسية والتركيز على بناء منتج بسيط سهل الاستخدام وقادر على أداء مهمته على أكمل وجه.
فكّر في صنع مطرقة عوضاً عن سكين سويسرية، إذ بإمكانك دائماً إضافة مزايا أخرى لاحقاً ما إن اتضحت رؤيتك حول المكان الذي يناسبها فتتناغم مع المنتج بوجهٍ عام. بعبارة أخرى، يُمكنك أن تختار ما تريد أن تضيفه على الهيكل فيما بعد، لكن هدفك الأساسي في هذه المرحلة هو بناء «هيكل المنتج» بأسرع وقت ممكن.
ومثل المطرقة تماماً، يجب أن يملك منتجك الأولي أو المنتج في صورته الأساسية (minimum viable product) هدفاً واحداً وأن يكون بسيطاً ويعوّل عليه. ليس من الضروري أن يكون جذاباً أو متعدد الاستعمالات، ويجب ألّا يتطلب وقتاً لتعلم طريقة استخدامه. بل أرى أنه من الأفضل دائماً أن نعوّل على طريقة استخدام المستهلك الحالية وسلوك الشراء السائد بدلاً من محاولة ابتكار سلوك جديد، فمن الأفضل أن يتطلب المنتج أقل قدر من التعلم على طريقة استخدامه، لأنك لا تريد من المستخدمين أن «يفكروا» بل أن يختاروا منتجك وأن يعرفوا طريقة استخدامه بسهولة تامة. عليك أن تسعى إلى ذلك دائماً.
إن قول ذلك أسهل من تنفيذه طبعاً، لكن تحقيقه سيكون أسهل بكثير إذا وظّفت عقلية "المطرقة" في أسلوبك بإعداد المنتج، خصوصاً في المراحل الأولية من تطويره. قالت بانا شومالي، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «سيرفيس ماركت» (ServiceMarket): «استغرقنا إطلاق سوق الخدمات المتنقل إجمالي ستة أسابيع من اتخاذ القرار إلى يوم التشغيل الأول.»
«أطلقنا السوق المتنقل عبر موقع إلكتروني تكوّن من ثلاث صفحات فقط، وسميناه «موف سوق.كوم» (MoveSouq.com). كان يحتوي على نموذج يملأه المستخدمون الراغبين بنقل أثاثهم من مكان إلى آخر. وبمجرد تعبئة النموذج وتقديمه تظهر رسالة على الشاشة تقول: «شكراً جزيلاً، سيتواصل معك أحد موظفينا بعد قليل». وكنا نكمل كل شيء بعد هذه الخطوة بطريقة يدوية، فاستخدمنا برنامج "إكسل" لتسجيل البيانات وتنفيذ كل طلب يردنا.»
وأضافت شوملي: «كانت خطتنا هي إطلاق خدمة واحدة فقط بأبسط وأسهل طريقة ممكنة واختبارها لمعرفة ما إذا كانت ناجحةً أم لا. وقد اعتمدنا هذا النهج بكل شيء قمنا به منذ ذلك الحين. نحن نحاول طرح المفاهيم بأسرع وقت ممكن ثمّ نرى إن كانت ناجحة، ونعدلها إن لم تكن كذلك. وإن لم تنجح بعد محاولتين أو ثلاثة، نلغي الفكرة كلياً وننتقل لغيرها.»
٢- أطلق فكرتك بسرعة ثمّ عدّل بوتيرة أسرع
لا تفترض أنك ستمتلك كل الإجابات عن كافة الأسئلة منذ البداية، كما لا ينبغي أن تقضي شهوراً في تطوير منتجك وتحسينه، فهذا هدر لوقتك الثمين وللموارد كذلك.
سيستند منتجك إلى مجموعة من الافتراضات والتحيزات الشخصية كلما كان مبتكراً، وهو أمر مقبول، لكن ما لم تختبر هذه الافتراضات فعلياً في سياق المنتج/المستخدم الحقيقي فسيبقى مجرد لعبة تخمين تعليمية في أفضل الأحوال.
كيف من الممكن أن تفهم المشكلات التي تواجه عملاءك تماماً وتصمم منتجك ليتناسب مع سلوكهم دون أن يتعاملوا معه؟ راقب طريقة استخدامهم للمنتج بينما تبحث وتصغي إلى ملاحظتهم وآرائهم، فكلما كنت أكثر تركيزاً على هذه العملية ستكون على الأرجح أكثر قدرة على تحديد التعديلات الصحيحة ذات الأولوية واتباع مسار معقول لتكرار تحسين المنتج، ما سيتيح لك الوصول إلى نسخة ناجحة أو ما يُسمى عادةً «ملاءمة المنتج للسوق».
عليك أن تتذكر أمراً أساسياً وهو أن الأشخاص مختلفون، حتى ضمن السوق الذي تستهدفه هناك اختلافات فردية لا حصر لها من حيث درجة «المعاناة» التي مر بها المستخدمون جراء مشكلة معينة ومدى استعدادهم لتكريس الوقت والجهد لحلها، إضافةً إلى معرفتهم العملية وبراعتهم في استخدام التكنولوجيا. لذا لا يوجد بتاتاً حل تقني واحد يناسب الجميع بصورة مثالية. إن هدفك في هذه المرحلة يتمثل في البحث عن قاسم مشترك يجعل منتجك مفيداً وسهل الاستخدام ضمن السوق المستهدف.
الأمر الأساسي الثاني الذي يجب أن تتذكره هو أنه يوجد فرق كبير بين تحديد المشكلة الحقيقة التي تواجه المستهلك واحتياجاته القائمة أو السوق غير المخدوم، وبين ابتكار مفهوم قابل للتطبيق، ناهيك عن إيجاد حل يُمكن تنفيذه ومقنع لها. يرتكب الكثير من روّاد الأعمال خطأ المبالغة في تقدير قوة رؤيتهم أو مفهومهم، ويستخفون بالتعديلات والتغييرات التي يجب أن يقوموا بها حتى يطبقوا ويحققوا النتائج التي يرجونها بفاعلية.
٣- من الأفضل إرضاء 5 بالمئة من عملائك المستهدفين
يعد هذا نهجاً غير مألوف، خصوصاً على روّاد الأعمال الطموحين الذين يسعون إلى «غزو العالم» وتطبيق نهج «الأكثر هو الأفضل» القائم على زيادة النمو والأرباح من خلال جمع أكبر عدد من المستخدمين والعملاء. طبعاً كل الأمور متساوية ومن الأفضل أن تزيد الأمور الجيدة، ويجب أن يكون ذلك هدف كل رائد أعمال على الرغم من تطلعاته المتعلقة بترك أثر ملموس والتي لها مكانها أيضاً في المشاريع التجارية.
ومع ذلك، هناك فرق كبير بين الهدف والاستراتيجية. فليس بالضرورة أن تحقق مكاسب كبيرة من اليوم الأول فقط لأنك ترغب في «العمل على نطاق واسع». من الممكن، في الواقع، أن يكون التسرع في طرح المنتج قبل أوانه هو أضمن طريقة للقضاء على شركة أو الإضرار بإمكانياتها المستقبلية على الأقل تقدير. فعلى سبيل المثال، إذا طرحت منتجاً ضعيفاً على نطاق واسع فإنك بذلك ستخيب ظن عملائك وستضطر أن تستعيد ثقتهم من جديد.
إن السلاح الوحيد الذي تمتلكه عندما تكون مؤسستك صغيرة وذات ميزانية تسويق محدودة هو سمعتك وما هو متداول حول منتجك أو خدمتك. يُمكنك بالتأكيد أن تستغل شريحة «أوائل المتبنين» في السوق من خلال الإنفاق على التسويق أو ممارسة أنشطة التسويق «غير التقليدية» (مثل وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.) لكن الكلام الذي يتناقله المستخدمون هو ما سيحافظ على رواج منتجك. فمن دون الكلام الشفوي الذي يمثل الشرارة الأولى ستذبل سمعة المنتج وتموت في النهاية مهما كانت كبيرة. وسينتهي بك المطاف بعددٍ هائل من المسجلين لكن بمعدل استخدام ضعيف لتطبيقك، أو عدد كبير من الزوار على موقعك الإلكتروني لكن بعدد شحيح من الزيارات المتكررة ومعدل ضئيل من تحوّل الزوار إلى زبائن.
لذا من الأفضل دائماً أن تخصص ما تقدمه إلى شريحة فرعية من السوق الذي تستهدفه وأن تركز على توفير تجربة رائعة ولا تنسى لهم. يتذكر الأشخاص ويتحدثون عن التجارب التي يحبونها أو التي يكرهونها حقاً، فإذا كان منتجك أو خدمتك يكتفي بتقديم تجربة «عادية» فلن يكون ذلك كافياً لدفع عملائك إلى التحدث عن خدمتك أو منتجك لأصدقائهم أو عائلاتهم، ولن يساعدك ذلك في تداول الكلام حوله، وستجد صعوبة جمة متواصلة في التوسع من دون العملاء «المروجين» للمنتج أو الخدمة التي تقدمها.
يرتكب الكثير من روّاد الأعمال المستجدين كذلك خطأ العمل في أمر يفوق قدراتهم، فيستهدفون شريحةً واسعة من البداية لكنهم لا يبهرون أحداً منهم ويخسرون الزخم الذي باشروا فيه. بينما لو اتبعوا نهجاً منظماً وتمهلوا بالتركيز على نسبة 5% فقط من عملائهم المحتلمين بدلاً من استهدافهم دفعةً واحدة، لحققوا بذلك تقدمًا أكبر واقتربوا من تحقيق إمكاناتهم.
سيوفر عليك اتباع الدروس الثلاثة التي ذكرتها الكثير من الوقت والموارد والإحباطات. كما ستمكنك من التعلم بشكل أسرع واتخاذ قرارات أنسب فيما يخص وضع الأولويات وتقييمها عندما يتعلق الأمر بتطوير المنتج. لذا ستتقدم دوماً إلى الأمام بينما تقف على أرضية صلبة ومجهزة بشكل أفضل لتحقيق النجاح.