إفريقيا: فرصة ضائعة للمستثمرين في العالم العربي؟
لكل بلد هوية خاصة به وتحديات مختلفة يواجهها دوناً عن غيره؛ فماذا لو كانت قارّة بأكملها؟
بالنسبة لغالبية المستثمرين والمساهمين المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وجه الخصوص، لا تزال إفريقيا بمثابة فرصة ضائعة أو يمكننا القول إنها لا تزال غير مستغلة. ولعلّ العامل الأساسي الذي يزيد من صعوبة الأمر هو حقيقة أنك لا تستطيع معرفة ما الذي يحدث هناك بالضبط - سواء من حيث الأعمال أو التحديات أو الاستثمارات - ما لم يكن لديك تواجد مباشر بالسوق.
لكي نأخذ فكرة عمّا يحدث في البيئة الريادية الأفريقية، تحدّثنا مع كنزة لاهلو، الشريك المؤسس لمؤسسة "ستارت أب يور لايف" Startup Your Life التي تُعنى ببناء البيئات الريادية للشركات الناشئة وتتخذ من المغرب مقراً لها، والشريك الإداري لصندوق "آوت لايرز فينتشرز" Outlierz Ventures، وهو صندوق للتمويل الأولي وجولة التمويل الأولى في إفريقيا. ويتضمن الصندوق الذي تم إطلاقه العام الفائت أربعة مشاريع ناشئة، تم التأكيد على واحد منها فقط وسيتم الإعلان عنه قريباً. ومن جهتها، تُحاول الشريك المؤسس بناء روابط مع الجهات المعنية والمستثمرين ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع. سوف يستهدف صندوق آوت لايرز كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى كينيا وروندا والسنغال وغانا التي سيستهدفها في وقت لاحق هذا العام.
تقول لاهلو "يحدث هنا الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام." بدأت رائدة الأعمال مسيرتها منذ عام 2013 من خلال مؤسسة ستارت أب يور لايف بهدف تطوير البيئة الريادية في المغرب وإنشاء شبكة تضم رواد الأعمال والجهات المعنية لإنشاء حلقة تواصل وإتاحة الفرصة للتعلم من تجارب بعضهم البعض. كان هدفها الأول حينذاك أن تبني هذا الرابط الذي سمّته "حجر البناء" قبل المضي قدماً في دعم انطلاق الشركات الناشئة ومساعدتها على النمو. وفي عام 2017، أي بعد أربع سنوات، لاحظت لاهلو أن عدد الشركات الناشئة التي حققت معدل نمو مرتفعاً لا يزال قليلًا. فما كان منها إلا أن شاركت في إطلاق صندوق آوت لايرز واستقطبت نخبة من المستشارين والجهات المعنية لدعم هذا الصندوق. ومن بين الأشخاص الذين استعانت بهم نذكر على سبيل المثال لا الحصر مايكل سيبيل، الرئيس التنفيذي لشركة "واي كومبينيتور" Y Combinator وحسن حيدر، الشريك في صندوق 500 شركة ناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إليكم بعض الأفكار عن الفرص الضائعة أمام المستثمرين الذين لا يزالون محجمين عن الاستثمار في إفريقيا، وما الذي يجعل هذه القارّة بمثابة منصة رائعة لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية باستخدام التكنولوجيا.
تمتلك أعلى نسبة انتشار للهواتف المتحركة في العالم وأكبر نسبة من السكان الشباب في العالم. خلال السنوات القليلة القادمة، ستحقق إفريقيا أعلى نسبة انتشار للهواتف الذكية، كما تصل نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً إلى 70 بالمائة من عدد السكان. تخيّل عدد مستخدمي الهواتف الذكية في السنوات القادمة.
تمتلك واحدة من أكبر الشركات الناشئة المُموّلة في العالم. تتحدث إفريقيا بلغة الأرقام الكبيرة. كما أن الاستثمارات تزداد بوتيرة متسارعة؛ ففي عام 2016 استقبلت إفريقيا استثمارات بقيمة 360 مليون دولار أميركي في شركات ناشئة، أي أكثر بتسع أضعاف تقريباً مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. ومن هذا المبلغ جرى استثمار 100 مليون دولار أميركي في نيجيريا و100 أخرى في جنوب أفريقيا والمبلغ ذاته في كينيا. ويُقسم المبلغ المتبقي عبر جميع الدول الأفريقية. لدينا ثلاث بيئات ريادية رئيسية، وقد نمت الاستثمارات في عام 2017 لتصل إلى 506 مليون دولار أميركي؛ بما يدل على تحقيق نمو بنسبة 50 بالمائة. بدأ المستثمرون يدركون أن شيئاً ما يحصل هناك.
حجم نيجيريا وحدها ضعف حجم مصر. تحتضن نيجيريا أكبر الأسواق في إفريقيا، ويبلغ عدد سكانها 198 مليون نسمة. أي أنها ضعف حجم مصر وتقريباً بحجم سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكمله. معدل انتشار الإنترنت مرتفع، كما أنهم يتحدثون اللغة الإنجليزية ويمتلكون ثقافة وخبرة عالية في الأمور المتعلقة بالتكنولوجيا. ولذلك، لديهم أكبر عدد من الشركات الناشئة. لنذكر "أنديلا" Andela على سبيل المثال، الشركة النيجيرية الناشئة التي تعمل في مجال التدريب، وتستقطب تمويلات ضخمة إذ جمعت حتى الآن 80 مليون دولار أميركي. تُعنى هذه الشركة بتدريب المطوّرين ومن ثم تعيينهم عن بعد في شركات من مختلف أنحاء العالم وبالتحديد في الولايات المتحدة الأميركية نظراً لأن مثل هذه الشركات الضخمة تحتاج لكفاءات ومهارات بأسعار معقولة. حتى أن مارك زوكربيرغ استثمر في هذه الشركة.
إنها مُتعطّشة للاستثمار وتركز على منهجية العمل فيما بين المؤسسات التجارية نحن لا نحب مزاولة التجارة الإلكترونية، بل نُفضّل الأعمال فيما بين المؤسسات التجارية، [كونها أسهل للاختراق وتمتلك سوقاً أكبر]. والأمر مختلف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ فهي تعتمد على الأعمال التي تستهدف المستهلكين والأمر ناجح هناك. ولكن التجارة الإلكترونية في إفريقيا ليست على ما يرام؛ فشركة "جوميا" Jumia على سبيل المثال؛ وهي عبارة عن سوق إلكتروني لا تزال تعاني بالرغم من أنها استثمرت الكثير. والسبب هو أن المشاكل الأساسية ترتبط بالأمور اللوجستية وآليات الدفع. ولذلك، لدينا الكثير من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والتي تحاول حتى الآن معالجة مشاكل متعلقة بآليات المدفوعات بالغة الصغر. من هذه الشركات نذكر "باي ستاك" Paystack التي تتخذ من نيجيريا مقراً لها وانضمت لمسرعة الأعمال «واي كومبينيتور « Y Combinator وجمعت في وقت لاحق 1.3 مليون دولار أميركي من مستثمرين دوليين. وهناك أيضاً «وايز تو كاب» WaystoCap، وهي منصة تجارة إلكترونية فيما بين المؤسسات التجارية تعمل في المغرب وتمنح المستخدمين مساحة للحصول على عروض مناسبة وأسعار معقولة والمتاجرة بالسلع أو شرائها. وقد انضمت هذه الأخيرة أيضاً إلى مسرعة الأعمال واي كومبينيتور وجمعت 3 ملايين دولار أميركي. تحاول هذه الشركات تسهيل الاستيراد وعمليات الشراء والبيع من إفريقيا إلى أسواق خارجها. كما أنها عقدت شراكات مع شركات أغذية وسلع مضمونة ومع بنوك بهدف تسهيل عمليات الدفع.
إنها موطن للابتكار المؤسسي. عقدت "لافاكتوري" LaFactory ، وهي منظمة تُعنى بتسهيل التعاون بين المؤسسات والشركات الناشئة في المغرب شراكةً مع الخطوط الملكية المغربية، شركة الطيران الوطنية في المغرب، لربطها مع الشركات الناشئة التي يمكنها تزويدها بأفكار مبتكرة. وقد قامت شركة الطيران بتنظيم هاكاثون في الفترة من 13 - 15 إبريل 2018 داخل إحدى طائراتها من طراز بوينغ 747 للخروج بأفكار مبتكرة ومفيدة. حيث اختاروا مجموعة من الموظفين في الخطوط الملكية المغربية وجمعوهم برواد أعمال لاختيار الأفكار وبناء النماذج الأولية خلال نهاية الأسبوع، ومن ثم تقديم العروض أمام الرئيس التنفيذي لشركة الطيران. [إخلاء مسؤولية: عقدت كل من آوت لايرز و لا فاكتوري شراكات لإطلاق أفريكونكت، وهي منصة غير إلكترونية تربط الشركات الرائدة مع أهم الشركات الناشئة الأفريقية). وقد اختارت لا فاكتوري والخطوط الملكية المغربية خمسة فرق لتستكمل العمل على المنتج مع الخطوط الجوية وبإرشاد من لا فاكتوري. كما قاموا بتنظيم فعاليتي هاكاثون مع البنوك وواحدة مع محطة القطار الوطنية في المغرب حيث أجريت داخل القطار. وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدل على تغيير كبير في عقلية الشركات الكبيرة وطريقة تفكيرها.
الحكومة بجانبها وداعمة لها في معظم الأوقات. في أواخر عام 2017، أُطلق صندوق «إينوف إينفست» Innov Invest بقيمة 70 مليون دولار في المغرب، وذلك للاستثمار في أربعة مشاريع عامة في السوق المحلي. في السابق، لم يكن لدينا سوا صندوق "ماروك نيومرك" Maroc Numeric. من جهة أخرى، أصبح لدينا الآن الكثير من المال ولست متأكدة ما إذا كانت هناك شركات ناشئة كافية وجيدة لاستثمار تلك الأموال فيها. شهدت تونس مؤخراً سنّ قانون الشركات الناشئة من قبل البرلمان التونسي، وذلك بعد أن قامت مجموعة من الجهات المعنية بالبيئة الريادية بإعداد عرض مقترح للأنظمة والتعليمات وكافة الأمور اللازمة لإنشاء شركة ناشئة. وفي المغرب، أنشأت وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد وكالة متخصصة لكافة الشؤون الرقمية أطلق عليها اسم "الوكالة الرقمية" L’Agence du Digital بهدف العمل على إعداد الأنظمة والقوانين اللازمة لدعم نمو الاقتصاد الرقمي بشكل أكبر.
وفي قمة أفريكونكت التي انعقدت في 22 و23 مارس في المغرب، عقدت لاهلو حوالي 50 اجتماعاً فيما بين المؤسسات لرصد إمكانات التعاون بين المؤسسات والشركات الناشئة. ومن خلال أفريكونكت وآوت لايرز وستارت أب يور لايف، تسعى لاهلو لإحداث أثر أكبر في إفريقيا.