كيف تستفيد أول مساحة عمل مشتركة في عُمان من حداثة البيئة الريادية؟
أن تكون أوّل مساحة عمل مشتركة في بلد ما ليس صفةً عادية في مرحلةٍ يمكن أن يُقال عنها إنّها مرحلة نهوض ريادة الأعمال في العالم العربي.
أدرك الشاب العُماني عمر الحارثي تسارع التطورات في هذا المجال وحاجة روّاد الأعمال في بلاده لتسهيلاتٍ تساعدهم في تأسيس مشاريعهم الريادية، ولذلك أسّس مع محمد الوهيبي وفاطمة بهوان مساحة العمل المشتركة "الردهة" AlRudha في مسقط في العام 2015.
يقول الحارثي إنّ البيئة الريادية في عُمان لا تزال في بداياتها، ولذلك "يواجه الشباب تحديات لإطلاق المشاريع، مثل التحدّيات المالية وقلّة المهارات والمعارف، إضافة إلى عدم وجود بيئة مناسبة تساعدهم في هذه الرحلة الريادية".
لذلك، يريد الحارثي من هذه المساحة أن تساعد روّاد الأعمال العُمانيين وأن تساهم في حلّ مشكلةٍ أخرى تتمثّل في ضرورة توافر مكتب للشركات لكي تتمكّن من التسجيل في البلدية، على سبيل المثال. ويشرح أنّه "في حين يصعب على أيّ رائد أعمال إطلاق عملٍ جديدٍ واستئجار مكتبٍ ودفع مبلغ كبير من المال، نحن نساعده في تقليل التكاليف، ونوفّر بيئة ملائمة له، كما ننظّم دوراتٍ وورش عمل لتطوير المهارات الريادية".
وإضافة إلى التحدّي الاقتصادي، يندفع روّاد الأعمال إلى مساحات العمل المشتركة كونهم بحاجةٍ إلى التشبيك وبناء العلاقات والاستفادة من خبرات ومعارف الغير، "وهذا يساعد الشركات الناشئة ويسهم في تطوير الأعمال وتنمية المعارف"، بحسب الشريك المؤسّس.
تضمّ "الردهة" في الوقت الحالي أكثر من 15 شركة ناشئة من قطاعاتٍ مختلفة، منها التعليمية والتقنية واللوجستية والسياحية، إضافةً إلى 75 عضواً يعملون على مشاريع خاصّة بهم، وفقاً للحارثي.
توفّر المساحة العُمانية باقاتٍ مختلفة لروّاد الأعمال، تبدأ بـ25 ريال عُماني (65 دولاراً أميركياً) شهرياً مقابل عضوية الفرد تمكّنه من الوصول الكامل إلى جميع المرافق إنّما لا توفّر له مكتباً ثابتاً. وإذا أراد المكتب الثابت والحصول على خدمات الطباعة واستخدام قاعة الاجتماعات فيدفع 80 (207 دولارات) ريال عُماني شهرياً، ويمكن استئجار المكتب لأسبوع مقابل 15 ريال (39 دولاراً) أو حتّى يومٍ واحد مقابل 5 ريالات (13 دولاراً).
في المقابل، يشير الحارثي إلى إنّ رائد الأعمال إذا أراد استئجار مكتبٍ عاديّ وتوفير ما يلزم من أدوات، فإنّه سيتكلّف قرابة 800 ريال (ألفا دولار) شهرياً.
بالإضافة إلى ذلك، إذا كان لديك فريق وتريدون العمل سوياً، توفّر الردهة مكاتب مغلقة تتراوح بين 250 ريال (649 دولاراً) و280 ريال (727 دولاراً) تمكّن شاغليها من الاستقلالية في المكتب والحصول على خدماتٍ مثل الطباعة وقاعة الخدمات وآلات العرض وصندوق الأمانات لتخزين الأغراض.
تنظّم "الردهة" أيضاً فعالياتٍ تدريبية مختلفة تتناول تجارب ناجحة لروّاد أعمال عرب، أو تنظّمها هيئات عُمانية بالتعاون مع مساحة العمل مثل فعالية "نسمع منكم" التي عقدتها "اللجنة الوطنية للشباب" لمناقشة قضايا تهمّ الشباب العُماني.
كذلك تنظّم "الردهة" بنفسها فعالية "الهبطة" Hub'ta للاستثمار التأسيسي، حيث يعرض روّاد الأعمال العُمانيون أفكارهم أمام مستثمرين محتملين. و"الهبطة" هو اسم السوق التي تُقام قبل الأعياد وتشهد إقبالاً كبيراً في عُمان.
وأطلقت "الردهة" منصّة تعليمية باسم "إدلال" Edlal، بالشراكة ما بين "الردهة " و شركة "بوينت " بالتعاون مع "عمانتل"، و"إدلال" هي أشبه بذراعٍ معرفي تهدف إلى توفير محتوى عربي جديد في مجالات الابتكار وريادة الأعمال، ودورات قصيرة في التصميم والإعلام الرقمي، والهندسة والعلوم، والإعلام الرقمي والتسويق. ويقول الحارثي إنّ "القيمة المضافة من هذه المنصّة المجانية تكمن في تزويد الشباب العربي، من طلّاب وباحثين عن عمل، بمعارف جديدة لتنمية مهاراتهم لدخول سوق العمل".
بيئة ريادية في طور النموّ
كغيرها من بلدان الخليج، تعمل سلطنة عُمان على تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط والتوجّه نحو تعزيز دور الشباب في الابتكار والتكنولوجيا.
كان العام 2013 عاماً مفصلياً لريادة الأعمال في السلطنة، فقد أطلقت الحكومة عدّة مبادرات، منها "الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" (المعروفة باسم "ريادة")، وذلك لغرس ثقافة ريادة الأعمال، وتعزيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها على توفير فرص عمل، وذلك عبر تقديم دعم تقني فعّال وتوفير بيئة إبداعية ومحفزة لروّاد الأعمال.
وفي العام نفسه أطلقت الحكومة "صندوق الرفد" Alrafd Fund بقيمة 70 مليون ريال (180 مليون دولار) لدعم تأسيس وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم رواد الأعمال. يستهدف الصندوق تمويل المشاريع المجدية وغير التقليدية في القطاعات الواعدة والموفرة لفرص العمل مثل التكنولوجيا، حيث يقدم قروضاً لتأسيس أو دعم أو شراء المشاريع القائمة بنسبة أتعاب إدارية وفنية سنوية لا تتجاوز 2% من قيمة القرض.
وفي العام 2016، أطلق "الصندوق العُماني للاستثمار" المملوك للحكومة، "الصندوق العُماني للتكنولوجيا" Oman Tech Fund برأسمالٍ يقارب 200 مليون دولار والذي يركّز على الشركات الناشئة العاملة في المجال التقني في عُمان والمنطقة. وقد أطلق "الصندوق العُماني للتكنولوجيا" برنامج تسريع أعمال باسم "وادي المسرعات" Wadi Accelerator وهو يستثمر ما يصل إلى 100 ألف دولار مقابل 10% من الأسهم في الشركة الناشئة، ويوفّر استثمارات متتابعة من 100 ألف إلى 400 ألف دولار.
يرى الحارثي أنّ مسرّعات وحاضنات الأعمال في عُمان تنتمي بمعظمها للحكومة، و"بالتالي هناك فرص للقطاع الخاص لكي ينشئ حاضنات ومسرّعات أعمال خاصّة".
وعن أبرز توجّهات روّاد الأعمال، يشرح أنّها تنصبّ حالياً على تطوير التطبيقات، والمدن الذكية، وكذلك القطاعات الإبداعية مثل تصميم الجرافيك والتسويق الإلكتروني، وتوصيل الهدايا والتوصيل والحلول اللوجستية، في مجال التعليم الرقمي، وحلول الدفع الإلكتروني.
يشير الحارثي إلى أنّ "الشراء عبر الإنترنت لا يزال من الصعوبات، ولكنّ الحكومة أصبحت تعي أهمّية هذا القطاع وهي تعمل على تقديم التسهيلات في هذا المجال".