دور رواد الأعمال في تحقيق رؤية السعودية 2030
استطاعت المملكة العربية السعودية تحقيق نمو اقتصادي هائل خلال السنوات الخمس الأخيرة، بل وضُعت من ضمن أقوى 20 قوة اقتصادية على مستوى العالم، مما شجعها على وضع رؤية تنموية "رؤية السعودية 2030"، تقوم على أساس بناء بنية اقتصادية متنوعة لا تعتمد بشكل رئيسي على النفط والمنتجات البترولية كعنصر لجذب الاستثمارات وتوليد الدخل القومي بل تعمل على تفعيل دور رواد الأعمال والشركات الناشئة وتشجيع أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة بشكل أكبر في تنمية الاقتصاد القومي.
التحول من الاعتماد على النفط
أعلن صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي"آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2022"، توقعاته أن يُسجل اقتصاد المملكة العربية السعودية نسبة نمو تصل إلى 7.6% هذا العام؛ كأعلى نسبة نمو بين جميع اقتصاديات العالم ، ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع النمو غير النفطي في المملكة إلى 4.2%، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى 17.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وربط الصندوق بين تلك الإيجابيات والإصلاحات التي تجريها المملكة ضمن إطار رؤية 2030. وتتحرك السعودية بشكل مستمر خلال السنوات الماضية للحد من الاعتماد على النفط كمصدر للدخل القومي إلى جذب الاستثمارات خاصة الناشئة منها وتشجيع رواد الأعمال على فتح الشركات التقنية والتصدير للخارج، فبحسب نشرة التجارة الدولية للمملكة الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء فقد بلغت قيمةُ الصادرات غير البترولية خلال شهر مايو 2022 بلغت (28 مليار ريال)، مقابلَ (22 مليار ريال) خلال شهر مايو 2021، وذلك بارتفاع مقدارُه (6 مليار ريال)، بنسبة نمو 26.7%.
يوضح قسم الاتصال والتسويق في شركة "بياك" التابعة للشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني "تقنية" والمملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي،– في تصريحات خاصة لومضة – أنه بالنظر للجانب الصناعي بالمملكة فإننا نجد تسهيلات كبيرة وفرص للعديد من الصناعات المختلفة سواءً كانت تستهدف المصانع الكبيرة والشركات أو المستهلك النهائي، كما أنه هناك فرصة كبيرة للابتكار في قطاع الطاقة البديلة والمدن الذكية، بالإضافة لذلك تشهد السعودية قفزة كبيرة في قطاع السياحة، وتقنية المعلومات والتعدين والثقافة والإعلام، مما يفتح المجال للشركات الناشئة للإبداع في تلك المجالات.
توضح "رؤية السعودية 2030" أن تنويع الاقتصاد الوطني من أهم مقومات استدامته، ورغم أن النفط والغاز يمثلان دعامة أساسية له، إلا أن السعودية بدأت في التوسع في الاستثمار في قطاعات إضافية، بالرغم من التحديات المحتملة لعملية التحول، الأ أن المُشجع على ذلك هو بلوغ متوسط نمو الاقتصاد السعودي خلال الـ25 سنة أكثر من 4% سنوياً، مما ساهم في توفير ملايين الوظائف، وتحقيق نمو اقتصادي لمسه العديد من المواطنين والمستثمرين، يتفق مع ذلك "سيمون روبشاند"، مدير العمليات العالمي والرئيس التنفيذي الإقليمي في شركة مزارع البحر الأحمر السعودية، الذي أكد أن الانتقال من الاعتماد على النفط بحلول عام 2060 يسير بخطى متسارعة، يساعد على ذلك أن المملكة العربية السعودية مليئة بالفرص حيث إن مجتمع المستثمرين السعودي والشركاء التجاريين قد منحوا – على سبيل المثال - تقنياتنا المستدامة ونموذج أعمالنا وإنتاج علامتنا التجارية استقبالًا إيجابياً للغاية."
من جانبها صرحت لومضة "أضواء الدخيل"، مؤسس فلك للاستثمار، التي تعمل على مساندة ودعم الشركات الناشئة بالسعودية،:"تهدف رؤية السعودية 2030 لتقليل الاعتماد على النفط وتطوير اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، لذلك فإن الرؤية هي التي سرعت حركة اتجاهات ريادة الأعمال والنمو المعجل لمنظومة بدء التشغيل، حيث أصبح كل قطاع هو فرصة في المملكة العربية السعودية لرواد الأعمال بخاصة في مجال التكنولوجيا بالتوازي مع القطاعات المختلفة الأخرى".
رؤية المملكة 2030 وريادة الأعمال
تعتبر "رؤية السعودية 2030" أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أهم محركات النمو الاقتصادي، إذ تعمل على خلق الوظائف ودعم الابتكار وتعزيز الصادرات، وترى أنه ما زالت تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنسبة مُتدنية من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، لذلك شجعت على تأسيس الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة لتشجيع شباب الأعمال على النجاح من خلال إصدار أنظمة ولوائح أفضل وتمويل أيسر وشراكات دولية أكثر حصة وإعطاء نصيب أكبر للشركات المحلية من المشتريات والمنافسات الحكومية مع مراجعة العوائق التي قد تعترض طريقهم، وتسهيل الحصول على التمويل، ومساعدة الشباب من خلال إنشاء المزيد من حاضنات ومؤسسات التدريب وصناديق رأس المال الجريء لمساعدة رواد الأعمال على تطوير مهاراتهم المختلفة، يتفق مع ما سبق قسم الاتصال والتسويق في شركة "بياك" ليؤكد مساهمة الشركات والمشاريع الناشئة في نمو الاقتصاد السعودي ورفعه قدماً نحو التطور والرقمنة، حيث ارتفعت مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي حسب آخر دراسة إلى أكثر من 28% مقارنةً بنسبة 20% في عام 2016، كما إن دعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتعزيز دوره في الاقتصاد المحلي يعد أحد أعمدة رؤية 2030، وقد يكون تضمين هذا الدور في الرؤية إحدى الركائز الرئيسية التي ساعدت على تطوير هذا القطاع الذي سيلعب دوراً أكبر في المستقبل في حال استمرار برامج الدعم والتركيز على مواجهة مختلف التحديات التي تواجه القطاع".
توفر "رؤية السعودية 2030" العديد من الفرص والأدوات لمساندة أصحاب الشركات الناشئة، فمثلاً يعمل برنامج "تنمية القدرات البشرية" "على أن يمتلك رواد الأعمال قدراتٍ تمكنهم من المنافسة عالمياً، من خلال تطوير مهاراتهم الأساسية والمستقبلية، وتنمية المعارف، من خلال دعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، فضلاً على أنه من خلال محور «اقتصاد مزدهر »، تعمل الرؤية على تطوير العمل بقطاعات اقتصادية جديدة توفر فرصًا لروّاد الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات، مما يزيد من مشاركتهم في الاقتصاد الوطني، وتفعيل دور أصحاب الشركات الناشئة على التنمية الاقتصادية، حيث وجهت "رؤية السعودية 2030" بتطبيق لائحة تفضيل المحتوى المحلي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية والشركات المدرجة في السوق المالية في الأعمال والمشتريات التي صدرت في عام 2019 ، وشملت 319 منتجًا، حيث بلغت عدد المنافسات التي طُبّقت عليها متطلبات المحتوى المحلي نحو 33,000 منافسة، بنسبة تغطية تصل إلى %83 من المنافسات الحكومية، كما حققت المملكة العربية السعودية المركز الأول عالمياً في استجابة رواد الأعمال لجائحة كورونا، كما تقدمت في مؤشر حالة ريادة الأعمال إلى المركز السابع على مستوى دول العالم بعد أن كانت في المركز السابع عشر. - وفقاً لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال GEM للعام 2020 / 2021-
تعود "الدخيل" لتؤكد أن المستقبل يبدو واعداً مع احتلال المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عبر 4 مؤشرات مختلفة لريادة الأعمال من أصل 45 دولة، وهو إنجاز عالمي وتحول سريع بشكل مذهل، وهذا لا يمكن أن يكون ممكنًا بدون الدعم الحكومي الذي يهدف لتمكين رواد الأعمال في جميع الوزارات والهيئات والسلطات والكيانات الأخرى".
بحسب إنجازات السعودية في رؤية 2030 في إطار دعم قطاع التقنية المالية، بشكل خاص، انطلق برنامج "مسرعات Fintech"، الذي صُمم لنقل أفضل الممارسات والأدوات والموارد المتاحة للشركات الناشئة في مجال التقنية المالية، لتطوير وتوسيع نطاق أعمالها القائمة في المملكة مع إتاحة الفرصة لها لعرض المشاريع للمستثمرين المحليين ومجتمع التقنية المالية، وبعد 3 أشهر من التدريب المكثف.حتى نهاية عام 2021 ، بلغ عدد الشركات التقنية المالية المرخصة18 شركة، منها 14 شركة لتقديم خدمات المدفوعات و 4 شركات في مجال التأمين والتمويل، كما تم الترخيص لبنكين محليين رقمين، ووافق مجلس الوزراء على إنشاء “هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار" لتساعد في التحول إلى اقتصاد مبني على الابتكار، فضلاً عن إطلاق 14 معمل ابتكار متخصص في مجالات التقنية وريادة الأعمال الرقمية، استفاد منها أكثر من 37,000 شخص.
يعود "روبشاند" من مزارع البحر الأحمر، ليوضح تجربتهم العملية بالمملكة عبر ثلاث مبادرات رئيسية اتخذتها شركتهم، تتلخص في مقاربة عملك الخاص ومدى تماشيه مع ركيزة التنمية المستدامة في "رؤية السعودية 2030"، الخطوة الثانية هي التأكد من إقامة شراكات تجارية وتعاونات مع الشركات ذات التفكير المماثل والتي تدعم أيضاً الرؤية، ثم تأتي مرحلة البحث عن فرص لتنمية أعمالك من خلال النظر إلى الفرص التي توفرها الاستدامة، وهي الطريقة التي ظهرت بها مزارع البحر الأحمر في المملكة."
بعض التعقيدات
على الرغم من الجهود المتقدمة للارتقاء ببيئة الأعمال إلا أن الشركات الناشئة ورواد الأعمال لا يزالون يعانون من بعض التحديات، حيث تساهم المنشآت الصغيرة بنسبة لا تتعدى 20% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالنسبة التي حققتها اقتصاديات الدول المتقدمة التي تصل إلى 70% ، كما هناك بعض التعقيدات في الإجراءات النظامية والإدارية، وضعف القدرة على جذب الكفاءات والمهارات الوظيفية المختلفة فضلاً عن وجود معوقات لجذب التمويل، حيث لا تتعدى نسبة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة 5% من إجمالي التمويل، وهي نسبة قليلة مقارنة بالمعدلات العالمية، لذلك يجري العمل على وصولها إلى 20% بحلول عام 2030، وهنا تشير "الدخيل" إلى أنه مع وتيرة إنجاز واعدة ومتسارعة وتغيير إيجابي بالمملكة، تعد التحديثات المتكررة في اللوائح والسياسات أمراً مفروغًا منه، ولا ينظر رواد الأعمال الذين يتمتعون برفاهية هذا التغيير الإيجابي في نظامنا المهني إلى هذا باعتباره تحدياً بقدر ما يرون ذلك علامة للتغيير المستدام من أجل مستقبل أفضل.
إن أبرز التحديات التي تواجه رواد الأعمال نحو تحقيق "رؤية السعودية 2030" هي مواكبة التغييرات المستمرة في الأجهزة الحكومية المرتبطة بها سواءً المشرّعة أو المنفذة، حيث أوضحت شركة "بياك" إن "حوالي 80% من الشركات في هذا القطاع منشآت متناهية الصغر لا تتجاوز مبيعاتها 3 ملايين ريال، وبالتالي تكون بحاجة إلى موارد إضافية أو وقت أكثر بكثير من الأحيان للالتزام بالأنظمة الجديدة أو المحدثة أو المعوقات، فقد تختلف حسب القطاع والمنافسة فيه، إنما أبرزها صعوبة توفير الكفاءات المحلية بالرواتب التي تتناسب مع حجم وإمكانية هذه الشركات، بالتوازي مع جعل هذه الكفاءات تستمر معها لفترة أطول، فضلاً عن القدرة على منافسة الشركات الأكبر حجماً".
يوضح تقرير "رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والرغبات الريادية بين طلاب الجامعات"، الصادر عن جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، العام الماضي، أنه على الرغم من تنفيذ حكومة المملكة العربية السعودية العديد من السياسات واعتمدت مجموعة متنوعة من الآليات والسياسات الداعمة التي وضعت في المقدمة رواد الأعمال وكذلك شكلت العديد من الكيانات الداعمة لهم، مثل الهيئة العامة الصغيرة والمتوسطة والهيئة العامة للاستثمار بالمملكة العربية السعودية وصندوق تنمية الموارد البشرية ، فضلا عن وجود 28 غرفة تجارية مختلفة تدعم رواد الأعمال في مختلف القدرات، مع تنظيم برامج الإرشاد والتمويل والتعليم والتدريب مع رواد الأعمال المحليين إلا أنه ما زال هناك عدد من طلبة الجامعات لديهم درجة أقل من الوعي تجاه دور ريادة الأعمال في رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث أظهر نتائج الإحصاء الوصفي أن الطلاب في كلية إدارة الأعمال بجامعة الحدود الشمالية السعودية لديهم درجة منخفضة من الوعي برؤية المملكة بنسبة وصلت إلى 24% من مجمل طلاب الكلية، وهو ما يشير لوجود ارتباط سلبي كبير بين نية ريادة الأعمال والوعي برؤية المملكة العربية السعودية 2030. دعت الدراسة إلى إضافة الكتب والمقالات المتعلقة بـ "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" إلى المناهج التعليمية، وتدريسها في دورة ريادة الأعمال لطلاب الجامعات، بغرض ربطهم بشكل إيجابي وعملي مع دورهم كرواد أعمال مستقبليين لهم دور حيوي في تحقيق رؤية السعودية 203".
تستطيع المملكة العربية السعودية الاستفادة من قدرات رواد الأعمال الشباب، وتشجعهم على إنشاء المزيد من الشركات الناشئة، فالدولة بالفعل تمتلك العديد المقومات البشرية والمادية والشراكات الدولية الناجحة التي إذا استخدمتها بشكل ممنهج تستطيع أن تجعل من أصحاب المشاريع الناشئة ركيزة أساسية يمكن من خلالهم المضي قدماً بل الإسراع في تحقيق "رؤية السعودية 2030"، لتتحول المملكة خلال سنوات معدودة لمركز عالمي رئيسي لجذب المشاريع الناشئة.