استثمار الشركات في قطاع الزراعة في المنطقة العربية بات ضروريّاً [رأي]
أشارت تقارير حديثة إلى ازدياد أهمية الاستثمارات في قطاع المأكولات والمشروبات في نمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط. وترافق نمو الطلب على المأكولات المستوردة من جهة وارتفاع دخل الأسر من جهة أخرى مع ارتفاع بسيط في الاستثمارات الخاصة في الأسهم في هذا القطاع.
وبين عامي 2010 و2015، بلغ عدد الصفقات مقابل أسهم 15 صفقة، من بينها 10 في قطاع المأكولات والمشروبات. كما احتل هذا القطاع المأكولات والمشروبات في العام 2014 المرتبة الثالثة على لائحة القطاعات التي تقدّم العائدات الأفضل من في المنطقة. وقد تأثرت حركة الأسهم الخاصة بالجهود التي تقودها الحكومات لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاعات غير نفطية. وفي هذا الإطار تقود الإمارات الحركة الساعية إلى إنشاء اقتصاد مبني على المعرفة والابتكار في الشرق الأوسط. وابتداءً من العام 2015، شكّلت القطاعات غير النفطية ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات التي تتمتّع بالاقتصاد الأكثر تنوّعاً في مجلس التعاون الخليجي.
الاستثمار في قطاع الزراعة ضرورة
يواجه قطاع المأكولات والمشروبات في المنطقة مشكلة الاعتماد المرتفع على واردات المأكولات بين الدول، وغياب الاستثمار في استدامة سلسلة الإمداد. ففي السعودية تشكّل المأكولات المستوردة نسبة 60% من إجمالي سوق المأكولات فيما تستورد الكويت 100% من مأكولاتها.
تُعدّ منطقة الشرق الأوسط المستورِد الأكبر للحبوب حول العالم، وهو المنتج الأكثر استهلاكاً في دول مجلس التعاون الخليجي حيث يتوقع أن تصل نسبة استهلاكه إلى 46.5% من مجموع المأكولات المستهلكة بحلول العام 2019. وتشكّل أسعار الحبوب في المقابل أحد أهم المؤشرات على الاضطرابات السياسية.
وفي حين يتعذّر على المنطقة إنتاج كافة احتياجاتها الاستهلاكية نظراً لندرة المياه وغيرها من الموارد اللازمة، لا بدّ من دعم القطاع وحمايته عبر اعتماد أساليب الإنتاج الذكي والابتكار في سلسلة الإمداد. كما تحتاج المنطقة إلى استثمار القطاع الخاص في قاعدة سلاسل الإمداد الزراعية أي في مرحلة الإنتاج، علماً أن هذا القطاع يحرّك النمو الاقتصادي ويشكّل مصدر دخل لنسبة 70% من سكّان الأرياف في المنطقة.
ويعتبر استثمار الشركات أساسياً للابتكار في هذا القطاع، فهي تقدّم الرأسمال الذكي، وتمتلك معارف وعلاقات مع خبراء، ونقاط تواصل مع المستهلك، ومكانة خاصة في السوق وهي أمور غالباً ما تحتاجها الشركات الناشئة لدى انطلاقها. كما قد تتحوّل هذه الاستثمارات في نهاية المطاف إلى سوق صفقات دمج واستحواذ جديدة في المنطقة.
تقاعس الشركات
أشار تقرير أعدّته "ومضة" في العام 2016 حول البرامج الابتكارية الناشئة التي تعتمدها الشركات في المنطقة، إلى أنّ القطاع الخاص ولا سيّما الشركات، تضطلع بدور أساسي في تفعيل عملية التحول الجذري والابتكار في القطاعات، من خلال عقد شراكات مع الشركات الناشئة، ودعمها بالتمويل وبسائر البرامج التي تدعم إطلاق شركات وتقنيات جديدة.
ورغم التطوّر الملحوظ في الابتكار على مستوى الشركات الإقليمية في قطاعات الاتصالات، والإعلام، وتكنولوجيا المعلومات، ما زالت الشركات تتقاعس في القطاعات الأخرى.
فقد بلغت نسبة استثمارات الأفراد والمنظمات غير الحكومية 59% من مجموع الاستثمارات في الشركات الناشئة التي انطلقت في منطقة الشرق الأوسط في العام 2015، فيما شكّلت استثمارات الشركات نسبة 15% منها فقط. ويزيد من عمق المشكلة غياب أطر السياسة العامة التي ترعى استثمار الشركات في قطاع ريادة الأعمال، وتساعدها على مشاركة المخاطر مع الحكومة بشكل خاص. بدأت بعض الدول في المقابل ولا سيّما دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذ مبادرات في هذا الإطار. فعلى سبيل المثال، أطلقت الحكومة الإماراتية مشروع "حديقة المأكولات في دبي" Dubai Food Park وهي مبادرة استثمارية بقيمة 1.5 مليار دولار هدفها جعل دولة الإمارات مركزاً إقليميّاً رائداً في قطاع المأكولات. كما أدّى الدعم الحكومي للإنتاج المحلي إلى تصدّر دول مجلس التعاون الخليجي في قطاع النخيل.
الخطوات المطلوبة من الشركات
ينبغي أن تبذل شركات الزراعة والمأكولات والمشروبات مجهوداً إضافياً للاستثمار في الابتكار، والاستدامة، وسلسلة الإمداد. التوصيات التالية تستهدف مسؤولي الشركات الذين سبق أن حدّدوا أولويات ابتكارية ويرغبون في الانتقال إلى مرحلة التنفيذ.
-
العمل بشكل وثيق مع القطاع العام للتعاون في الاستثمار: في حين تختلف إمكانية إجراء هذا النوع من التعاون بين دولة وأخرى، لا بدّ من أن تسعى الشركات إلى مشاركة المخاطر والاستثمار مع القطاع العام في كلٍّ من البنية التحتية والبرامج والسياسة الراعية لنمو الشركة الناشئة. وينبغي أن تأتي هذه الشراكات في صلب أي استراتيجية ابتكارية تعتمدها الشركة ولا سيّما في الاستثمارات المتعلقة بالقطاع الزراعي حيث ترتفع نسبة المخاطر وعدم الاستقرار.
-
الاستفادة من البرامج الابتكارية العالمية الموجودة: تستطيع الشركات التعلّم من لاعبين حاليين وإنشاء فروع في مراكز ابتكارية زراعية ضخمة مثل مقاطعة سونوما في الولايات المتحدة الأميركية، ومقاطعة كامبردج في إنكلترا.
-
تشجيع التجربة والاختبار بهدف بناء شركات ناشئة إقليمية: الشركات الناشئة في قطاع الزراعة محدودة جدّاً ولا يمكن الاستثمار في شركات غير موجودة. لذلك، ينبغي إنشاء مختبرات بحث وتطوير داخل الشركات الكبرى أو خارجها تحثّ على إجراء الاختبارات التي قد تؤدّي إلى منتجات أولية أو خطط استثمارية مستقبلية. كما يمكن الانطلاق من استثمارات وعقد شراكات مع شركات ناشئة خارجية مثل مؤسسات زراعية، ومستثمرين، وخبراء تقنيين يجرون تحوّلات جذرية في القطاع، والعمل في الوقت نفسه على اكتشاف المهارات المحلية والتعاون معها. يحتاج القطاع إلى عدد معيّن من الشركات الناشئة في المنطقة لتحفيز الحركة الاستثمارية فيها.
-
إبداء الاهتمام وتحقيق التواصل: تستطيع الشركات الانخراط في بيئات الشركات الناشئة العالمية، والتواصل مع خبراء تقنيين، وتقديم الدعم إلى مختلف النشاطات الريادية في الأسواق التي تعزّز نموها. يؤدي ذلك إلى إبراز أنشطة الشركة وإلقاء الضوء على رؤيتها والتزامها بعلامتها التجارية مما يساعدها على جذب أفضل روّاد الأعمال في مرحلة لاحقة.
-
إذا كانت الشركة لا تعرف كيف تتعامل مع روّاد الأعمال، يمكنها إيجاد أفراد يتقنون ذلك: ومن المفضّل أن يكون هؤلاء من ذوي الخبرة في القطاع وخارجه. يساعد أعضاء الفريق أو المستشارون هؤلاء مسؤولي الشركات وقيادة وحدة الأعمال على التعاون مع روّاد الأعمال بشكل يضمن تحقيق أفضل النتائج في الأعمال سواء أكانت شراكات جديدة أم استثمارات أم غيرها من أشكال التعاون. ويعدّ تعاون الإدارة ومشاركتها عاملاً مقرّراً في تحقيق نجاح الاستراتيجية الابتكارية في الشركة.
وصلت المنطقة اليوم إلى مرحلة تحوّلات قد يكون عنوانها شركة ناشئة ضخمة أو اضطراب سياسي ساحق. ولا يخدم الابتكار في هذه القطاعات الأعمال وحسب إنما يعزّز أيضاً مداخيل الأفراد والأجيال الصاعدة ويحفظ أمنهم.