ما هو واقع ريادة الأعمال في العراق؟ [رأي]
مستقبل البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في العراق تساعد في تشكيله عدّة أمور صغيرة. وحتى لو تطلبّ التحوّل الرقمي وقتاً أطول مقارنة بالبلدان المجاورة، فإنّ حجم السكان وتزايد أعداد المشتركين في الإنترنت وأصحاب الهواتف الذكية، والقوة الشرائية الجيدة حالياً، كلها عوامل هامّة من شأنها أن تدفع عجلة الأمور حتّى قبل أن يلاحظ أحد. إليكم لمحة عن مشهد ريادة الأعمال في العراق.
تنامي تطبيقات طلب وتوصيل الطعام
يشهد العراق طلبَ أكثر من ألف وجبة يومياً عبر تطبيقات طلب وتوصيل الطعام. يشير هذا العدد إلى أنّ تطبيقات توصيل الطعام لم تعد رقماً سهلاً في المعادلة، على الرغم من كونه أصغر بكثير من مجموع الطلبات التي تُجرى خارج الإنترنت في بغداد وحدها، حيث تشهد مجموعة "صاج الريف" على سبيل المثال 400 طلب يومياً.
لقد ولّت تلك الأيام التي يتوسّل فيها مؤسّسو الشركات الناشئة للمطاعم لكي تقبل حلول التوصيل الرقمية الخاصّة بهم. ففي الوقت الحالي، هناك زيادة في الطلب من قبل العملاء بفضل الحملات التسويقية التي يقوم بها لاعبون رئيسيون مثل "فودو" Foofo و"طلباتي" Talabatey و"وجبتي" Wajbety. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الحصول على تمويلٍ عمليةً أكثر ديناميكية؛ وفي هذا الإطار، تمكّنت شركة "مشوار" Mishwar لطلب وتوصيل البقالة في بغداد (والتي يملك مروان أحمد جبار، كاتب النص،حصة فيها) من إشراك مستثمر معها. كلّ هذا يدلّ على أنّ المستقبل سيكون واعداً أكثر.
دفعة إضافية لتطبيقات طلب سيارات التاكسي
تمرّ شركات التاكسي أيضاً في فترة ازدهار؛ وباعتماد مفهومٍ لم يكن موجوداً قبل ثلاث سنوات، انطلقت قبل أشهر شركتا "كروه" Karwa و"أجرة" Ujra للعمل في هذه السوق التي ستشهد ولادة شركتين أخريَين قريباً. من جهةٍ ثانية، تعتزم شركة "كريم" Careem الكبرى في مجال طلب السيارات في المنطقة دخول سوق إربيل، في خطوةٍ من شأنها أن تلفت الأنظار إلى هذه السوق غير المستغلّة.
المزيد من التسوق الذكي في الأفق
تلقّى قطاع تجارة التجزئة دفعةً مع دخول منصّة للتجارة الإلكترونية "شوبيني" Shoppini إلى السوق، وما رافقها من حملةٍ تسويقيةٍ كبيرة وإعلانات مكثّفة ومدفوعة على منصّات الإعلام الاجتماعي يومياً. المنافس الرئيسي لها هو "مسواك" Miswag.net، المنصة التي تستفيد بذكاء وفعالية من الأشخاص المؤثرين وتستطيع الحفاظ على معدّلات عالية لبقاء العملاء وتحقيق نسبة نموّ جيدة. اما "إي ليبلز" E-Labelz (منصّة التجارة الإلكترونية الشهيرة في المنطقة)، فهي لا تزال غير قادرة على التأثير على المتسوّقين والتأثير على قراراتهم للشراء، رغم انتشار إعلاناتها على الشاشات الرقمية الضخمة في وسط بغداد.
حركة متزايدة لريادة الأعمال النسائيةلا يزال عدد رائدات الأعمال قليلاً، غير أنّهنّ يكتسبن قلوب وعقول العملاء ويترُكنَ في السوق تأثيراً كبيراً. العلامة التجارية "هيلي" Hili التي تقدّم منتجاتٍ مصنوعةً يدوياً وذات نوعية جيدة، والتي أسّستها رائدة الأعمال نور هاشم، تتطوّر إلى عملٍ أكثر احترافية مستهدفةً عملاء فريدين. ومشروع صابون "عشتار" Ishtar المصنوع يدوياً، والذي تديره زينة صالح، يستمرّ بالنموّ من حيث الشعبية وتنوّع المنتَجات. وكان هذا النوع من المنتَجات قد احتلّ مرتبة المنتجات الأكثر مبيعاً على منصّة "فيكة ستور" FekaStore.com التي أرادت أن تكون بمثابة "إيتسي" Etsy العراق. (توضيح: "فيكة ستور" هي من أوّل مشاريع مروان جبار [كاتب النص] في مجال التجارة الإلكترونية، وأعيد إطلاقه مؤخراً على نطاقٍ أضيق لعدة أسباب يُكشف عنها في وقتٍ لاحق).
المجتمعات والمهتمون بالتكنولوجيا
تستمرّ "فكرة سبيس" Fikra Space في كونها أكبر مجتمعٍ للمهتمّين بالتكنولوجيا في العراق، غير أنّها لا تزال حتّى الآن منصّةً على الإنترنت فقط رغم بذل أعضائها جهوداً للحصول على تمويل يمكّنها من التحوّل إلى مساحة عمل مشتركة. وتمثّلت أكبر محاولة لهم في "معرض فكرة" Fikra Fair للاحتفال بالذكرى السنوية الرابعة لتأسيس "فكرة سبيس"، والذي شهد عروضاً لشركاتٍ ناشئةٍ محلّية وجمَعَ الحكومة والقطاع الخاص والشباب تحت سقٍف واحد للمشاركة في جلسات الحوار والمناقشات.
من جهةٍ أخرى، لا يزال نظام التعليم العالي التقليدي في العراق بعيداً كلّ البعد عن ثقافة ريادة الأعمال ولا يلبّي متطلبات سوق العمل الحديثة. وبالتالي، لعبَ الأعضاء الرئيسيون في "فكرة سبيس" دوراً أساسياً في تطوير سوق العمل وسدّ الفجوة في المهارات، وذلك عبر إجراء بعض المعسكرات التدريبية لتلبية الاحتياجات الملحّة. ومن بينها المعسكر التدريبي "كود لاب" Code Lab الذي أطلق العام الماضي لتشارك المعرفة والخبرات حول تطوير تطبيقات "أندرويد" Android. كذلك "أسبوع التدريب" Week Bootcamp الذي خرّج أعضاء جولته الثالثة في آذار/مارس 2017، بعدما قُدِم للمشاركين دعماً من مؤسسة "مطوّري فايسبوك".وقد عالجت الدفعة الثالثة جانب إدارة المنتَجات، وهو ما غاب عن النسختين السابقتين اللتين ركّزتا أكثر على "منهجية ريادة الأعمال المرنة" lean startup وما يلزم لإطلاق شركةٍ ناشئة. (توضيح: الكاتب هو عضو في "فكرة سبيس" وأحد مؤسّسي "أسبوع التدريب" إلى جانب علي اسماعيل الذي يرأس حالياً مجلس إدارة "فكرة سبيس").
شركات كبرى تتحضّر
تعمل شركاتٌ كبرى ببطء على دخول القطاع الرقميّ الذي يشهد الكثير من الحركة، وأفضل من أظهر ذلك هو شركة "زين" Zain. فبعد الفعاليات والمعسكرات التدريبية التي عُقدت منذ "ستارتب ويكند" Startup Weekend 2013 التي مثّلت نقطة تحوّل في المشهد الريادي في العراق، دعمَت "زين" معظم الفعاليات الشبابية في البلاد وخصوصاً تلك المرتبطة بالابتكار والشركات الناشئة. كما أعلنت شركة الاتصالات أنّها في صدد إنشاء نوعٍ من حاضنات الأعمال/مساحات العمل المشتركة في بغداد، مستوحيةً ذلك من "منصة زين للإبداع" في عمّان ZINC Amman.