ريادة الأعمال الاجتماعية تحتاج إلى تغيير ثقافي [رأي]
لا يجب أن نتفاجأ حين نرى رواد الأعمال الاجتماعيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفتقرون للحماسة إزاء قطاعهم - وذلك لسبب وجيه.
يشبه الأمر كثيراً مراهقاً بلغ سن الرشد؛ فالذهنية المطلوبة لدخول القطاع المرحلة التالية أصبحت واضحة: إذا ما أرادت المؤسسات الاجتماعية تغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن، سيكون عليها التفكير بما هو أبعد من الدعاية، وولوج أروقة الحكومة وغرف اجتماعات المستثمرين وإثبات أنها ناضجة بما يكفي لإحداث تغيير اجتماعي.
وبالنسبة للمبتدئين، فعليهم إجراء تقييم شامل لما جرى.
خطوط غير واضحة: منظمات غير حكومية أم شركات؟
قبل عشر سنوات، لم يكن هناك أحد في المنطقة يتحدث عن المؤسسات الاجتماعية، على الأقل ليس على النحو الذي يتحدثون به الآن عنها. أما اليوم فتتوفر بيئات داعمة لها؛ إذ نشهد ولادة شركات محلية تركز على التغيير الاجتماعي وتوليد الدخل في جميع أنحاء المنطقة.
وخلال هذه العملية، صاحب هذا التطور أزمة هوية: فالشركات التي حققت النجاح الأكبر هي نفسها الأقل اهتماماً بمفهوم "المؤسسات الاجتماعية".
في الواقع، أصبحت الخطوط الفاصلة بين المؤسسات الاجتماعية والشركات التقليدية والمنظمات غير الحكومية غير واضحة لدرجة أن 30 بالمئة من الشركات ومنظمات الدعم التي تحدثنا إليها خلال بحثنا الأخير حول تطور المؤسسات الاجتماعية لا تؤمن بأن مصطلح "المؤسسات الاجتماعية" ينطبق عليها؛ حتى أن بعضها يرفض وجود هذا المصطلح من الأساس. وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه الشركات نفسها هي التي حققت أكبر معدلات النجاح. وهي بشكل عام تضم عنصراً تقنياً كجزء من نموذج عملها الأساسي.
ورغم أن الحكومات في المنطقة غالباً ما تحرص على ممارسة دور الأب، فإنها لم تتدخل لتقديم الإرشاد والتوجيه. وفي الواقع، فإنه من دون إطار عمل تنظيمي واضح يحكم المؤسسات الاجتماعية بشكل منفصل عن الشركات التقليدية أو المنظمات غير الحكومية، فإن التمييز بينها يبقى أمراً عسيراً.
وبالنسبة لرواد الأعمال المضطرين للتعامل مع الأطر التنظيمية البالية في المنطقة، فإن ميزانيتهم العمومية لا تظهر أي اختلاف جوهري بين الشركة والمؤسسة "الاجتماعية".
والأمر سيان لرواد الأعمال الذين يختارون نموذج المنظمات غير الحكومية؛ فإذا لم تكن الشركات تبغي الربح، سيصعب تصنيفها شركات في المقام الأول. كما أن إيجاد إطار قانوني ينظم المؤسسات الاجتماعية لن يحل بالضرورة هذه المشكلة أيضاً.
أداة في يد "الأخ الأكبر"
عندما بدأت الضجة حول المنافع الاجتماعية لنماذج الأعمال التعاونية ترتفع قبل عقود، أعدت الحكومات في المنطقة إطاراً تنظيمياً منفصلاً للتعاونيات.
ومباشرة وجدت الأحزاب السياسية في التعاونيات فرصة سانحة، وبدأت في إساءة استغلالها للتهرب من الضرائب وتمرير الأموال إلى ناخبيها.
واليوم، مع بعض الاستثناءات، فإن التعاونيات في المنطقة غير فعالة غالباً في أحسن الأحوال، وأدوات للمحسوبية في أسوأ الأحوال.
صحيح أن وضع إطار قانوني منظم للمؤسسات الاجتماعية قد يقدّم وضوحاً وثقة وحافز لقطاع المؤسسات الاجتماعية، إلا أن القيام بذلك يجب أن يتجنب تكرار تجربة التعاونيات.
تغيير الأساسيات أولاً
إن الأدوات التنظيمية مثل قفل الأصول (منع استخدام الأصول في غير الأغراض المعلنة) وتشريعات تجنب تضارب المصالح ومتطلبات إعداد التقارير الخاصة بالقطاع أثبتت كلها كفاءتها في قطاعات أخرى، وقد تساعد رواد الأعمال في المنطقة على تركيز أهدافهم وتقييم تأثيرهم. ولكن قبل الشروع في جهود وضع أطر تنظيمية جديدة ستستغرق سنوات، يمكن اليوم طرح إصلاحات بسيطة طال انتظارها.
بخلاف تقييد المنافسة وإعاقة الوصول إلى تنمية المشاريع لحماية حصة الشركات القائمة من السوق (ومصالحها)، ما من مبرر يذكر لتمسك الحكومات بقوانين الإفلاس الصارمة التي تعرّض رواد الأعمال للسجن في حال ارتجاعهم شيكات.
وفي زمن يمكن فيه لرواد الأعمال في كينيا (من دون أن نذكر دولاً أكثر تقدماً) تسجيل شركاتهم عبر الإنترنت، فإن مطالبة الشركات الجديدة بتوظيف محامين ومدققي حسابات وإنفاق جزء كبير من رأس المال التأسيسي قبل أن تتمكن حتى من التفكير بالإيرادات تعتبر سياسة حمائية إقصائية ترسخ لحكم القلة.
توعية المستثمرين
على المستثمرين في المنطقة أن يفكروا أيضاً بطريقة خارجة عن السائد والإطار المرسوم إذا ما كان لقطاع المؤسسات الاجتماعية أن ينضج.
الشائع بين المستثمرين هو أنه لا قدرة للمؤسسات الاجتماعية على التوسع لأن نماذج أعمالها معنية بالتغيير الاجتماعي أكثر من الربح النهائي. وهم على حق في جزء من ذلك.
لا يزال كثير من رواد الأعمال الاجتماعيين في المنطقة لا يستوعبون تماماً كيف يمكن لشركاتهم أن تخلق قيمة على المدى البعيد. ولكن المستثمرين مخطئون أيضاً في ظنّهم بأن المؤسسات الاجتماعية عاجزة عن التوسع؛ فلا توجد "فرصة في السوق" في المنطقة تفوق القيمة المضافة بتحويل المشاكل الاجتماعية إلى تدفقات نقدية إيجابية.
بدلًا من الاستثمار في 10 شركات تقنية مع عائد على الاستثمار لخمس سنوات بنسبة 70 بالمئة على أمل أن تحقق إحداها مكاسب ضخمة، يمكن للمستثمرين أيضاً أن يفكروا في تمويل مؤسسة اجتماعية بعائد على الاستثمار طويل الأمد بنسبة 20 بالمئة. وهنالك ما يكفي من المال والموارد والأسس المنطقية لكلتا المقاربتين.
علاوة على ذلك، من دون اهتمام من مستثمرين مؤسسيين سيكون على المؤسسات الاجتماعية أن تبحث عن تمويل من جهات مانحة لتستمر. وبدلاً من التركيز على الاستدامة المالية الأطول أمداً، ستضطر المؤسسات الاجتماعية إلى إنفاق أموال الجهات المانحة بسرعة لتحقيق عائدات على المدى القصير تتماشى غالباً مع الأجندات المتقلبة لمختلف الجهات المانحة.
ولن يؤدي أي من ذلك لإحداث نمط التغيير الاجتماعي أو نشوء المؤسسات التي تحتاجها المنطقة.
نحن بحاجة إلى تغيير في المقاربة
من دون تغيير جوهري، ستنحسر موجة ريادة الأعمال الاجتماعية التي بدأت جدياً بعد الانتفاضات العربية.
من الصعب تصور أن الحكومات والمستثمرين المؤسسيين في المنطقة سيغيرون مواقفهم من المؤسسات الاجتماعية لأنهم شعروا فجأة بحب الغير.
بدلًا من ذلك، على رواد الأعمال الاجتماعيين ومنظمات الدعم أن تترجم فكرة "تطوير المنظومة" إلى شيء يتجاوز مخيمات التدريب وحاضنات الأعمال وورش العمل التي لا يمكن أن تصل إليها سوى الأقلية المتعلمة جيداً في المنطقة.
وسيتطلب ذلك الاعتراف بوجود مشكلة في "الوصول إلى ريادة الأعمال" لدى السكان ذوي الدخل المنخفض وأهل الريف، فضلاً عن فتح المجال أمام هذه القطاعات للانضمام للمنظومة.
ومع وجود المزيد من الداعمين لفكرة ريادة الأعمال الاجتماعية، سيكون تكوين جماعات الضغط للتأثير على الحكومة لطرح إصلاحات هيكلية، أكثر فعالية، كذلك سيكون تأثير الإصلاحات على ذهنية المستثمرين.
لقد تم إنجاز الكثير ونما قطاع المؤسسات الاجتماعية، ولكن الوقت قد حان الآن لينتقل هذا القطاع إلى مرحلة النضج.