خمسة أمور مهمة عن التجارة الإلكترونية في السعودية [رأي]
تعتبر عائدات التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية قليلة بشكل ملفت مقارنة بالبلدان حيث القطاع أقدم. ففي العام 2016، حققت شركات التجارة الإلكترونية في السعودية عائدات تقدّر بـ4.872 مليار دولار أميركي. صحيح أن هذا ليس رقماً صغيراً، ولكن من الواضح أن الطريق أمام التجارة الإلكترونية في السعودية طويلة.
في "يو إكسبرت" Uxbert، نقوم بشكل منتظم بإجراء أبحاث حول تجربة المستخدم UX، حيث نستطلع آراء مستخدمين سعوديين حول سلوكهم في مجال التجارة الإلكترونية، ونستخرج البيانات من اختبارات قابلية الاستخدام usability tests التي نجريها على المواقع الإلكترونية العاملة، والتطبيقات والنماذج الأولية، وكذلك مراقبة واجهة المستخدم UI عبر تقنية تعقّب العين، بالإضافة إلى المقابلات الإثنوغرافية المتعمقة للمزيد من البحث الاستطلاعي. كلّ ذلك يساعدنا على تكوين فكرة من المستخدمين الحقيقيين في السعودية عن سلوكهم وتعاطيهم مع التجارة الإلكترونية.
وخلصنا إلى وجود بعض العناصر المشتركة التي تعيق قطاع التجارة الإلكترونية ليس أقلّها عملية التسليم وثقة الزبون.
1. غياب الثقة في قدرات العلامات التجارية المحلية في التجارة الإلكترونية
لدى السعوديين تشاؤم متجذر حيال العلامات التجارية المحلية التي تعمل في التجارة الإلكترونية. ولا يعتقد الناس أنه يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بالمدفوعات عبر الإنترنت وخدمات التوصيل؛ وهما مفهومان أساسيان لأي تجارة إلكترونية ناجحة.
يميل المستخدم إلى الانطلاق من التشكيك في العلامة التجارية حتى لو لم يكن له أيّ تجربة سابقة معها. غالباً ما يعود إلى توقعاتهم المنخفضة حيال مستوى خدمة العملاء التي تقدمها علامات تجارية محلية بناء على تجارب سابقة. وبالتالي يؤدي ذلك إلى ضعف الثقة في قدرة العلامة التجارية على تسليم المنتج في الوقت المحدد، أو في الإبقاء على سرّية تفاصيل عملية الدفع.
وحتى في الحالات التي يكون لدى المستخدم تجربة ناجحة فعلية مع العلامة التجارية، يبقى متردداً في الوثوق بأن الطلبية ستجري بشكلٍ صحيح أو أن الدفع سيكون آمناً، إذا ما اشترى منتجاً أو خدمة على الإنترنت.
تنطبق هذه المسائل في كل مجالات التجارة الإلكترونية في السعودية، ما يدلّ على أنّ أمام العلامات التجارية المحلية تحديات أكبر من التي تواجهها العلامات التجارية العالمية. فيبدو أن هذه الأخيرة تتمتّع بثقة متوارثة لدى المستخدمين بأنها ستقدم خدمة أفضل، فقط لكونها علامات تجارية عالمية.
ويجدر بالذكر أنّه خلال بحثنا لمقارنة علامات التجارة الإلكترونية العالمية والمحلية، كانت جميع العلامات التجارية العالمية شركات غربية. وبالتالي، فإنّ العلامات التجارية غير الأوروبية أو غير الشمال أميركية قد لا تحصل على الدرجة نفسها من الثقة.
2. تسهيل عملية الدفع عبر الإنترنت: حاجة لا بد من تلبيتها
لا تزال عملية الدفع عبر الإنترنت العائق الأكبر أمام المستخدمين في السعودية. فمن بين المستخدمين الذين اختبرناهم واستطلعنا آراءهم، فضّل 90% الدفع عند التسليم على الدفع عبر الإنترنت. يعود ذلك إلى سببين.
أولاً، هناك مسألة الشعور بالأمان، إذ يراود الكثير من المستخدمين شكوك حول أمان المدفوعات عبر الإنترنت ولا يثقون في أنّ معلوماتهم المصرفية ستكون بأمان لدى استخدامها على الإنترنت. والمفارقة أنّ هناك منتجات وخدمات معينة، مثل تذاكر الطيران وحجوزات الفنادق، لا يمانع المستخدمون ـ حتى المترددون بينهم ـ استخدام الدفع عبر الإنترنت فيها.
إلى جانب مسألة الأمان، تظهر مشكلة أخرى تتعلّق بصعوبة الحصول على بطاقة يمكن استعمالها للدفع عبر الإنترنت. فحيازة بطاقة ائتمان في السعودية عملية معقدة تستغرق وقتاً طويلاً. وفي حين تكفي بطاقة السحب في معظم البلدان، للدفع على الإنترنت، إلاّ أنّ الكثير من البنوك في السعودية لا تسمح بإجراء عمليات الشراء على الإنترنت باستخدام هذا النوع من البطاقات.
3. صعوبة تنظيم عمليات التسليم وإدارتها
خلصنا في بحثنا إلى أن كل المستخدمين الذين تحدّثنا معهم تقريباً، خاب أملهم مرة واحدة على الأقل من خدمات التسليم. وعليه، قسمنا الشكاوى من نموذج التسليم إلى فئتين: المعاناة من عدم إنجاز عملية التسليم، وعدم الثقة في خدمة التسليم نفسها.
اعتمدت المملكة نظاماً رسمياً للعناوين ولكنه لم يطبّق على نطاقٍ واسع، وكانت النتيجة أنّ معظم المستخدمين الذين استطلعناهم لا يعرفون العنوان الرسمي لمنازلهم. وحتى في حال كانوا يعرفون العنوان الصحيح، غالباً ما قالوا لنا إنّ "الحصول على عنوان لا يهمّ فعلاً، لأنّهم سيتصلون بي على أيّ حال". واضطرار الزبون إلى إرشاد السائقين إلى العنوان (وما يتخلّل ذلك من عوائق لغوية نظراً إلى أن معظم الشركات توظف سائقين لا يتحدثون العربية)، حتى بعد ملء استمارة التوصيل المضجرة، هي عملية محبطة تنفّر المستخدمين المحتملين.
من جهة ثانية، لا يوجد ثقة في أن يصل المنتج في حالة جيدة. وقد رفض الكثير من المستخدمين طلب منتجات باهظة الثمن مخافة أن تصل السلعة بحالة سيئة أو عدم وصولها على الإطلاق.
كذلك ينزعج الزبائن من الوقت الذي تستغرقه عملية التسليم؛ وقد أظهرت إحدى دراساتنا أنّ كل المستخدمين فتشوا عن الوقت المتوقع لعملية التسليم، مؤكدين أنّ ذلك أثر بشكلٍ كبير على قرارهم بشراء المنتج.
4. تقييمات المستخدمين يجب أن تلائم الثقافة المحلية
أنشئت خاصيةّ تقييمات المستخدمين كأداة لزيادة المبيعات عبر الإنترنت.
وفي بحثنا وجدنا أنّ المستخدمين السعوديين لا يتوقعون فقط رؤية تعليقات وتقييمات من مستخدمين، بل أيضاً يفضلون قراءتها باللغة العربية وأن يكون الذين كتبوها سعوديون.
فالتقييمات تعطي من يكتبها قدرة على التأثير اجتماعياً عبر المعلومات التي يضيفونها عن المنتج والتي تقنع المستخدمين بشراء المنتج وهي أمر متوقع في مجال التجارة الإلكترونية حول العالم.
وفي الحالة السعودية، تعطي التقييمات التي يكتبها سعوديون باللغة العربية نوعاً من المصداقية للمنتج، كما تجعلهم يقتنعون أكثر بأن المنتج المعنيّ هو ما يبحثون عنه بالفعل.
5. نتصفّح على الهاتف ونشتري عبر الكمبيوتر
يحل السعوديون في المرتبة الثانية من حيث الوقت الذييمضونه أمام شاشات الهواتف الذكية. كما ارتفع استخدام هذه الهواتف بنسبة 23% خلال السنوات الثلاث الماضية، لتبلغ 86% من السعوديين.
ولكن رغم هذه الأريحية الواضحة في التفاعل على الهواتف، يفضل معظم المستخدمين الحواسيب المكتبية أو المحمولة لاتخاذ قرارات الشراء عبر الإنترنت، وخصوصاً عند إجراء تعاملات مرتفعة القيمة. وحتى لو كانوا يتصفحون على الهاتف، يختارون إتمام عملية الشراء والدفع عبر الحاسوب المكتبي أو المحمول.
ويفضل المستخدمون إجراء التعاملات مرتفعة القيمة على حواسيبهم ووجهاً لوجه، أكثر منه على الهواتف المحمولة، لأنهم يفترضون مسبقاً أنّ المواقع الإلكترونية المخصصة للهواتف تعرض معلومات عن المنتج أقلّ من المواقع المخصصة للحواسيب.
المضيّ قدُماً
لا يعني كل ذلك أنّه لا يمكن التغلب على هذه التحديات، ويبدو أن المملكة تسير في الاتجاه الصحيح. فالتجارة الإلكترونية تنمو في هذا البلد باضطراد، ومن المتوقع أن تبلغ قيمتها 10.8 مليارات دولار في العام 2020.
وبالفعل بلغت نسبة استخدام بطاقة الائتمان من قبل عملاء التجارة الإلكترونية 64% في الأشهر الستة الماضية، فيما انخفضت نسبة الدفع عند التسليم إلى 38.1%.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم نظام حساب "سداد" Sadad في تغيير وجه التجارة الإلكترونية في السعودية. فنظام الدفع هذا المعتمد حكومياً والذي يشهد اعتماده نمواً سريعاً في الآونة الأخيرة. وظهر هذا الحساب في العام 2004 كأداة تسهّل على المستخدمين عملية الشراء عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى بطاقة ائتمان أو بطاقة سحب.
في الخلاصة إن قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية ينمو، وسوف يستمر بالنموّ كلما شعر المستخدمون براحة أكبر ووثقوا بالمدفوعات عبر الإنترنت أكثر، وكلما أصبحت خدمات التسليم أكثر تنظيماً، وكلما قدّمت الشركات تجارب أفضل للمستخدم.
فأن تكون شركة لها وجود على الإنترنت وتقدم خدمات تجارة إلكترونية، لم يعد كافياً بعد اليوم. فمع زيادة المنافسة وزيادة أعداد المستهلكين الذين يعرفون ما يريدون، أصبحت التجربة التي تقدّها لعملائك هي الأهم.