لماذا ينبغي على الشركات الاجتماعيّة تحقيق الربح؟ [رأي]
تقليص عملي كرائد أعمال اجتماعيّة وصبّ تركيزي على أن أكون رائد أعمال من داخل المؤسسة لم يكن بالقرار السهل.
عندما بدأتُ العمل مع "ومضة" قبل عامين، حاولت في الوقت نفسه تطوير مشروعي الاجتماعي الخاص، منصة ملتقى المتطوعين "نخوة" Nakhweh.
كان هدفي تحويل "نخوة" إلى عملٍ يدر الربح، لأنني لا أريد السعي وراء المال "المجاني" (الذي يأتي كتبرعات ومنح وخلافه)، وكثيرًا ما كنتُ أشهد كيف يكون تمويل العمل الإغاثي والتنموي تابعًا لتوجّهات بعينها، بدلاً من أن يكون تابعاً للحاجة الحقيقية. ولكن من زاوية أخرى، لم يكن لدي أي مسار أو نموذج عمل واضح لتحقيق الدخل.
يواجه الكثير من روّاد الأعمال الاجتماعية في منطقتنا هذا الحاجز المالي الذي يختلف بحسب حجم مشاريعهم. وفي حالتي، تمكّنت "نخوة" من ترك بصمةٍ مؤثرة باستخدام أدنى قدر من الموارد.
ولكن، كما أشرتُ في مقالتي السابقة عن حل المشاكل الاجتماعية باللجوء إلى ريادة الأعمال، فإن التحديات التي تواجه الترابط الاجتماعي في المنطقة فضلاً عن التوجهات الثقافية تقوِّض التأثير واسع النطاق لمنصةٍ مثل "نخوة".
نتيجةً لذلك، نرى أنّ أيّ مناقشات في مجال ريادة المشاريع الاجتماعية يهيمن عليها موضوع إنشاء مؤسسات اجتماعيّة ربحية.
1. هل على كلّ رواد المشاريع الاجتماعية بناء نموذج عمل؟
كلا! يوجد رواد أعمال اجتماعية يحاولون مواجهة التحديات المُلحّة التي تحتاج إلى معالجة بشكل فوري، وخاصة في مجالات التعليم، والفقر، والبطالة.
"العمل كمنظمة غير ربحية أفادنا كثيرًا، كما أتاح لنا قضاء بعض الوقت مع المستفيدين لدينا حتى صمّمنا نموذجنا التصاعدي العملي.ومكَننا ذلك أيضًا من توفير المال وطرح الأسهم أمام الجمهور لشرائها." -ياسمين هلال، مؤسِّسة "إديوكيت مي" Educate- Me
لا يمكننا الانتظار حتى تتبلور ثقافة ريادة الأعمال الاجتماعية في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تنهار فيه بعض المجتمعات.
"لا أتوقع النجاح للشركات التي تُعنى بالأهداف الاجتماعية على حساب النجاح التجاري. إذا لم تكن مصالح المؤسّسة متسقة بالكامل، فإنها معرضة بذلك إلى خطر عدم تحقيق أيّ من الجانبين لا النجاح التجاري ولا الهدف الاجتماعي." - خالد تلهوني، الشريك الإداري في "ومضة كابيتال" Wamda Capital
2. هل كلّ من أسس عملًا يحمل هدفاً ورسالة رائد أعمال اجتماعية؟
المشروع الاجتماعي يرتبط بنموذج العمل، كما أنّه لكي تكون رائد أعمال اجتماعية فهذا يتعلّق بشخصك أنت. بعض مؤسسي المشاريع الاجتماعية هم في الأصل رواد أعمال اجتماعية أسسوا مشروعاتهم على أساس تلبية قضية معينة. ومن زاوية أخرى، فإنّ كثيراً من الشركات التجارية تحوّلت إلى أعمال اجتماعية بشكل تدريجي، على الرغم من اهتمام مؤسسيها بالعائد المادي أكثر من الأثر الاجتماعي.
"بعض المشاريع الاجتماعية أنشأها أشخاصٌ اكتشفوا طرقاً جديدة لتوليد عوائد من خلال إعلانهم عما يصنعونه من أثر." - ياسمين هلال
3. ما فرص التوسع في أي مشروع اجتماعي يخطو خطواته الأولى؟
وصلت أغلب المشاريع الاجتماعية التي عملتُ فيها أو عرفتها إلى مرحلة من الجمود بسبب نقص الموارد المالية. إلا أن احتياجات المشروع الاجتماعي للنمو لا تختلف عن تلك الاحتياجات المطلوبة لنمو شركة ربحية.
ومع ذلك، يبالغ كثير من رواد المشاريع الاجتماعية في التركيز على نضالهم في سبيل قضيتهم وكفاحهم ضد الوضع الراهن، لدرجة أن ينتهي بهم المطاف بالاصطدام بتحديات أكبر بالمقارنة مع أقرانهم.
الحل المنطقي لهذه المسألة يتمثّل في توظيف شخص يتولى الجانب التجاري، ولكن لهذا التوظيف تكاليفه. لذلك يجب على رواد الأعمال الاجتماعية الاستفادة من القيمة التي يقدّمها المتطوعوّن بطرق مبتكرة؛ وذلك على الرغم من أنه لا يمكن الاعتماد دائمًا على أعضاء الفريق هؤلاء.
4. ما مدى توافر الاستثمار في المشاريع الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
يكاد لا يوجد في المنطقة مستثمرون ينشدون أهدافًا غير ربحية أو مستثمرون مخاطرون، على الرغم من أنّ الاستثمارات في هذا المجال أثبتت جدواها كنماذج عمل تتمتع بأثر اجتماعي. فمعظم أموال الاستثمار في المنطقة تتركز على قطاع التكنولوجيا.
استثمر بعض الأفراد وأصحاب الأعمال الخيرية بعض المال في رواد الأعمال الاجتماعية، ولكن في معظم الحالات جاءت هذه الأموال على شكل تبرعات وليس استثمارًا حقيقيًا.
جمع الأموال هو تحدّ يواجه رواد الأعمال الاجتماعية القائمة أكثر من مؤسّسي المشاريع التي أُنشئت حديثًا والتي يمكنها التركيز على بناء نموذج الأعمال في وقت أبكر، وإثبات فعاليته، ثم التوجّه إلى المستثمرين.
يتفق عمر ساطي، مؤسّس شركة "داش فينتشرز" DASH Ventures، مع خالد تلهوني على أنّه يصعب على روّاد الأعمال الاجتماعية جمع الأموال
"نحن لا نقدم أي امتيازات خاصة لروّاد الأعمال الاجتماعية. وفي المقابل، نكن احترامًا كبيرًا وإعجابًا بالغًا لرواد الأعمال الذين يهدفون إلى بناء مشروع تجاري من أجل ترك بصمة إيجابية على المجتمعات. ولكن من حيث تقييم المشروع بغرض الاستثمار، نقوم بتطبيق الآلية نفسها والمعايير نفسها التي كنا لنطبقها على أي شركة أخرى نتعامل معها." - عمر ساطي، مؤسس "داش فينتشرز"
"إن مسؤوليتنا الأساسية هي زيادة العوائد، فمستثمرونا عهدوا إلينا إدارة رؤوس أموالهم من أجل تحقيق عائد مادي. ولهذا السبب، تركز استراتيجيتنا الاستثمارية على ذلك." - تلهوني
5. هل ينبغي للحكومات تنظيم المشاريع الاجتماعية؟
ليس بالضرورة في هذا الجزء من العالم. ففي الأردن ولبنان، غالبًا ما تعتبر الحكومة منافسًا رئيسيًا لرائد الأعمال الاجتماعية.
"أوصي بشدة بعدم تدخل الحكومة وعدم محاولتها تنظيم هذا القطاع، بل يكفي إنشاء شركة محدودة المسؤولية. لا ينبغي أيضًا على أصحاب الأعمال الاجتماعية السعي وراء الدعم الحكومي، وإنما عليهم بدلاً من ذلك العمل بمنأى عن الحكومة." - خالد تلهوني
"أعتقد أن الحكومات يمكنها أن تقدم أكثر من ذلك بكثير لتحفيز رواد الأعمال على متابعة المشاريع ذات المردود الاجتماعي والبيئي. تُعَد حكومة الولايات المتحدة الأميركية مثالًا نموذجيًا على الحكومات التي تؤدي دورها بهذا الشكل، حيث يُسمَح للشركات التسجيل كـ’شركة منفعة عامة‘. لا توجد فروق في الضرائب المفروضة على شركة المنفعة العامة وأي شركة محدودة المسؤولية أخرى. الإعفاءات الضريبية ستؤدي إلى تشجيع الشركات على سلوك مسار المنفعة العامة بشكل كبير." - عمر ساطي
بدأت "نخوة" ولا تزال موقعاً إلكترونياً يلتقي فيه المتطوعون مع المؤسسات الاجتماعية المناسبة لهم. وتحويل المنصة إلى تطبيق على الهاتف المحمول أو تغيير مسار المنصة هو أمر أساسي لتحقيق أهدافها والخروج بقيمة أكبر.
ولكن أي خطة مستقبلية للتوسّع يجب أن تبدأ بوضع نموذج عمل يولِّد العائدات، وإلا ستظل التحديات المالية ثابتة كما هي، وكذلك المنصة نفسها.
الصورة الرئيسية نت " قمة مؤسسة الإمارات للنفع الإجتماعي للشباب".