تحطيم الهرمية: 'بيفورت' نموذجاً [1]
تنفذ "بيفورت" Payfort هيكليةً جديدةً كلياً للشركة، حيث أنّ الرئيس التنفيذي للشركة عمر سدودي لم يعد الرئيس التنفيذي، وحيث صوّت موظّفو مركز تلقي الاتصالات صالح الاستعانة بمصادر خارجية من أجل المركز، وأصبحوا بالتالي مبشّرين لما يسمّونه "دوائر بيفورت" Payfort Circles.
ترتكز هذه البنية قليلاً على نظام "هولاكراسي" Holacracy للإدارة (القائم على الدوائر)، وهو "نظام إدارة" للشركات ذاتية الإدارة تعرّض لانتقاداتٍ لاذعةٍ في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد ظهور أوجه قصوره في شركتي "زابوس" Zappos و"ميديوم" Medium التي تخلّت عنه في شهر آذار/مارس الماضي.
وعن هذا النظام الذي يُشرك الموظّفين في كلّ المستويات في اتخاذ القرار، هو أكثر ملاءمةً للطريقة التي يريد هذا الجيل من القوى العاملة - جيل الألفية - العمل بها.
انسَ المنصب، إنّه دورك
معظم المنظّمات الكبيرة، خصوصاً في عالم الأعمال التقليدي في الشرق الأوسط، تستخدم هيكل الإدارة الهرمي القائم على التحكم والسيطرة.
يخبرك رئيسك بما عليك القيام به، ومن ثمّ تنفّذه. إذا واجهتَ أيّ مشكلةٍ يمكنك أن تخبر رئيسك في العمل، حيث يتحدّث بدوره مع نظيره الذي بدوره يتحدّث مع مرؤوسه ومن ثمّ تُحلّ المشكلة.
على الرغم من ذلك، هناك مشاكل مع هذا النوع من نظام التسلسل الهرمي هذا. أولى هذه المشاكل "نقاط الاختناق" choke points، حيث يمكن أن يستغرق الأمر أسابيع قبل إيجاد حلٍّ لمشكلتك بينما يجمع المديرون الاستفسارات من موظّفيهم ويحاولون معالجة المشاكل الأخرى ف أقسام أخرى. ومن هذه المشاكل أيضاً أنّه لا يُسمَح للموظّفين بالاستقلالية كثيراً في وظائفهم.
عندما صمّم برايان روبرتسون نظام "هولاكراسي" الإداري في عام 2007، تصوّر مكان عملٍ يتمتع فيه الناس بأدوار مختلفة بدلًا من وظيفةٍ محدّدة. وعليه تُوَزّع الصلاحيات بين المجموعات، أو "الدوائر"؛ وبين سياسة المكاتب، أو "التوتر"، والتعامل معها بانفتاحٍ وانتظام في اجتماعات هادفة للغاية.
يقول أستاذ الاستراتيجية وريادة الأعمال في "كلية لندن للأعمال" London Business School، جوليان بيركينشو، إنّ نظام "هولاكراسي" للإدارة سيستبدل البيروقراطية العمودية مع أخرى أفقية.
ويشرح لـ"ومضة" أنّ "التكنولوجيا [تسمح بإيجاد هياكل تنظيمية أكثر تسطيحاً]، وبالطبع ذلك إضافةً إلى تغيّر الأجيال".
هذا التغيّر الذي يترافق مع تشكيل جيل الألفية لأكثرية القوى العاملة، يدفع الشركات إلى توفير أماكن عمل أكثر تعاوناً وتوافقاً مع التكنولوجيا، وتكافئ على أساس النتائج وليس ساعات العمل.
ومع ذلك، فإنّ الشكل النقيّ لنظام "هولاكراسي" (الذي أخذت منه "بيفورت" بعض العناصر ولم تطبّقه بالكامل) هو أيضاً نظام مكثّف لا ينجح مع الجميع.
"نظام هولاكراسي بشكله الكامل هو عبارة عن مجموعة معقّدة ومتطوّرة من القواعد لتوجيه السلوك التنظيمي، وتبنّيه يتطلّب من الشركة أن تغيّر ممارساتها بالنسبة إلى الاجتماعات بشكلٍ جذريّ،" حسبما يرد في دليل منصّة الكتب الرقمية، "بلينكيست" Blinkist، إلى نسختها المخففة من نظام "هولاكراسي".
ويرى بيركينشو أنّ هذا النظام يلائم أكثر الشركات الناشئة والشركات التي لا يتخطّى عدد موظّفيها بضع المئات من الأشخاص، ويحتاج إلى قيادةٍ تريد تجربته لعدّة سنوات، كما وإلى ثقافةٍ يشعر فيها الناس أنّهم قادرون على تحدّي رموز السلطة.
وفي إطار الحديث عن "بيفورت"، يذكر أنّ هذه الشركة "تريد العمل على إنجاح نظام الإدارة هذا، وإذا كان يمكن لأحدٍ أن ينجح في اتبّاع هذا النظام في الإمارات، سيكون هؤلاء".
الدوائر هي الأسود الجديد
أدرك سدودي في العام الماضي أنّ "بيفورت" تحتاج إلى تغييرٍ كبير، بعدما غرق في كتاب "إعادة ابتكار المنظّمات" Reinventing Organisations.
ويشرح لـ"ومضة" بالقول: "كنتُ أعرف أنّنا بحاجةٍ إلى شيءٍ ما؛ كنتُ أعرف أنّ هناك طريقة أفضل. كلّ يوم في المنظّمات سياسات للمكتب، وهناك تقوم بإعادة هيكلةٍ كبيرةٍ في حين أنّ العالم يتغير بسرعة ".
لم تكن "بيفورت" بعيدةً عن هذا: كان لديها هيكل مسطّح معقول للشركة، ويعمل موظّفوها الـ85 عن بُعد من ستّة بلدانٍ في المنطقة، كما استغنوا عن البريد الإلكتروني لصالح برنامج التعاون "جليب" GLIP منذ أكثر من عام.
للبدء بهذا كان فريق العمليات بمثابة حقل التجارب، حيث بدأ فترةً تجريبيةً استمرّت ستة أشهر في منتصف عام 2015، ومن ثمّ انتقلت "دوائر بيفورت" إلى الشركة بالكامل في منتصف آذار/مارس الماضي.
ردّ الفعل الأوّلي، عندما أعلن مدير العمليات عن منح لقبه للجميع كان "هل هذه ترقية؟"
هذا محتمَل، خصوصاً وأنّ جميع الموظّفين يحدّدون رواتبهم على أساس تقييمٍ ذاتيّ عام.
لكن سدودي يقول إنّ هناك ما هو أكثر من ذلك.
تمّ تقسيم هيكل الشركة إلى دوائر، بدلاً من أقسام، وهي تتابع هدفاً معيّناً.
يمتلك الموظّفون أدواراً مختلفة ويتعاملون مع مسؤولياتٍ مختلفة، معروفةٍ باسم المهام tasks. ويقول سدودي إنّ من بين مهامه، ’صياد البنوك‘ bank hunter، و’مربّي التجار‘merchant nurturer، و’المحفِّز‘ mtivator، على الرغم من أنه لا يزال الرئيس التنفيذي من أجل مظهر الشركة من الخارج.
تعقد كلّ دائرةٍ اجتماعاتها التكتيكية العادية الخاصّة حيث تُعالج المشاكل والخلافات وحيث تُتَّخذ القرارات وتُعيّن المهام. أمّا التعليقات الشهرية فهي تتيح لكلّ فردٍ في الشركة أن يعرف ما الذي ينجح من هذه الأمور أو لا ينجح.
"هذا ليس إجماعاً، فأنت لست تحاول إقناع أحدهم، بل تصنع القرار. وإذا صنعتَ هذا القرار تصبح بالتالي مسؤولاً عنه، وإذا استمرّيتً باتّخاذ القرارات الرديئة عليك أن تخرج،" وفقاً لما يقوله سدودي.
"على سبيل المثال، أريد زيادة أسعار بعض المنتَجات، لذلك أطلب رأي التسويق وخدمة العملاء في هذا الشأن. يمكن أن يكونا سلبيين تجاه هذا القرار، ولكن يبقى باستطاعتي تنفيذ هذا القرار إذا كنتُ أعتقد أنّه صحيح، حتى بعض الحصول على مشورة الآخرين".
وأخيراً، وأضافوا هيكلاً للحوافز: عند اكتمال مشروعٍ كبيرٍ يساوي 50 ألف دولار يحصل المعنيون على جائزةٍ تساوي 50 ألفاً من عملة "بيفورت". ومن ثمّ يتقاسم الناس في الدائرة نفسها هذه العملة، ويتلقّى الأشخاص الذين بذلوا الجهد الأكبر النصيب الأكبر من هذه الجائزة.
تطوّرٌ وليس ثورة
يقول بيركينشو إنّ نظام "هولاكراسي" يكون الطريق الأكثر راديكالية للقيام بهذه الأمور، ولكنّه فكرةٌ حان وقتها.
وبالنسبة إلى الإدارة الذاتية، فهي قد بدأت تنتشر منذ سبعينات وثمانيات القرن الماضي، وفقاً لمجلة "هارفارد بزنس ريفيو" Harvard Business Review.
وممّا ذكرته أنّ "الفرق ذاتية الإدارة بدأت بإحداث اختراقاتٍ في عدّة شركات، وخصوصاً في إطار التصنيع والخدمات العملية. مصنع ’فولفو‘ Volvo في مدينة كالمار السويدية خفض الشوائب بنسبة 90% في عام 1987؛ و’فيديكس‘ FedEx قلّصت أخطاء الخدمة بنسبة 13% في عام 1989".
واليوم، ينافس نظام "هولاكراسي" منهجيات Agile "أجايل" و"سكروم" Scrum المعروفة جيداً - حتى أنّ سدودي نفسه قال إنّ استخدام فريق التكنلوجيا في "بيفورت" لمنهجية "سكروم" سهّل الانتقال بالفعل".
--
تابع قراءة المقالة هنا.