مواهب البرمجة في فلسطين تبرز خلال مسابقة 'أنجل هاك'
أفكار وتطبيقات مميزة نتجت عن مسابقة "أنجل هاك" في غزة (الصورة من "غزة سكاي جيكس")
خلال السنوات الأخيرة، زادَت أهمّية مهارات برمجة الحاسوب التي مكّنت رواد الأعمال من تطوير واختبار نماذج مشاريعهم بسرعةٍ وسلاسة، وقد عزّز هذا التوجّه مصادر تعلّم البرمجة المختلفة على الإنترنت التي تتوفّر اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ وهذا ينطبق في المنطقة العربية كما هو الحال في بقية العالم.
أمّا في فلسطين، فالشباب وروّاد الأعمال يهتمّون بتطوير مهاراتهم البرمجية التي تُعتبَر أحد المهارات اللازمة لدخول سوق العمل.
لاحظ أعضاء لجنة مسابقة "أنجل هاك" Angelhack ذلك، بعد زيارةٍ مبدئيةٍ إلى غزة في أوائل عام 2016، حيث أُعجِب الوفد الزائر بالبيئة الريادية وإمكانيات الشباب التكنولوجية في المجتمع المحلي. وبالتالي، قرّرت "أنجل هاك" إطلاق مسابقتها الأولى في المنطقة كجزءٍ من مسابقاتها العالمية للبرمجة، خلال شهر مايو/أيار الماضي، وذلك بتنفيذ مسابقةٍ في غزة وأخرى في رام الله. وتأتي هذه الفعالية إلى جانب الفعاليات الأخرى ومسابقات التكنولوجيا التي تركّز على مهارات البرمجة، مثل "زنقة الألعاب" Game Zanga ومسابقة أسبوع الشركات الناشئة "ستارتب ويكند" Startup Weekend.
تقول كيلسي رويز، مديرة العلاقات العامة "في أنجل هاك"، لـ"ومضة": "في كلّ عامٍ لدينا موضوعٌ جديدٌ للمنافسة، ونحن نحاول سنوياً الحصول على المزيد من المطوِّرين. وهذا العام، كانت الفعالية عن الخير الاجتماعي والتطبيقات المفيدة للمجتمعات".
وهذه المنافسة التي شكّلت فرصةً للرياديين والمبرمجين في فلسطين لإظهار مهاراتهم والتشبيك والتواصل، لم تكن الأخيرة.
على سبيل المثال، حاول صاحب الخلفية في الأعمال والإدارة، علي الزعانين، وهو أحد المشاركين، أن يتعلّم مهارات البرمجة الأساسية وتطوير تطبيقٍ للهاتف الذكيّ يختصّ بحفظ كلمات المرور المختلفة للمستخدِمين خلال إطارٍ زمنيٍّ قصير. ولكنّه في حين استطاع فقط تطوير المخطّطات الخام لتطبيقه، غير أنّه يخطّط للاستمرار في تطوير التطبيق.
مجتمعٌ مزدهرٌ للمطوِّرين في غزة
تُخرِّج الجامعات الفلسطينية سنوياً حوالي 30 ألف طالبٍ من ذوي المهرات المختلفة، يختصّ الكثير منهم في مهارات تكنولوجيا المعلومات والبرمجة.
في قطاع غزة، غالباً ما يُنظَر إلى المطوِّرين على أنّهم ماهرون ويتقاضون رواتب متواضعة تُقدَّر بحسب بعض الاستبيانات بحوالي 400 $ في الشهر. ولكن في الغالب، يفتقر الخرِّيجون إلى المهارات الإدارية والتسويقية. هذا هو الشيء الذي تهدف الحاضنات ومؤسّسات العمل عن بُعد إلى تغييره من خلال دعم المهارات التعليمية للخرّيجين محلياً عبر الدورات المباشرة، والمسابقات المحلية، والتعلّم التشاركي مع الأقران، حيث يفتقر الشباب هناك إلى فرص التدريب والتوظيف الخارجي كنتيجةٍ للحصار والإغلاق المستمرّ منذ سنوات.
ويوجد في كبرى الجامعات في قطاع غزة، مثل "الجامعة الإسلامية" و "الأزهر وفلسطين"، تخصّصاتٌ في تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات باعتبارها جزءاً أساسياً من كلياتهم، كما يوجد بعض قصص النجاح المحلّية البارزة في هذا الإطار، مثل "شركة مؤسّسة القلعة" Castlesoft.
في هذا الإطار، أقيمت فعالية "أنجل هاك" (الصورة إلى اليسار) في غزة، يوم 6 مايو/أيار بالتعاون بين "أنجل هاك" ومسرّعة الأعمال "غزة سكاي جيكس" Gaza Sky Geeks، وبمشاركة أكثر من 20 فريقاً قاموا بتطوير تطبيقاتٍ لتعزيز الاتصالات بين الأزواج، والخدمات المنزلية التفاعلية، وتطبيقات لمراقبة الصحة الشخصية، ومساعدة المزارعين على تتبّع المحاصيل، وتطبيقاتٍ أمنية لحماية كلمات السر.
وبحسب نوشين علي، نائب الرئيس قسم التسويق في "أنجل هاك"، فإنّ المسابقة ضمّت عدداً كبيراً من النساء المشاركات، شأنها شأن أيّ فعاليةٍ حول العالم.
ومن هؤلاء كانت رنا القريناوي، مؤسِّسة شركة "جينيس سوفت" Genius Soft للبرمجيات، التي قادَت فريقها في المسابقة لتطوير منصّةٍ عربية تساعد الأشخاص ممَّن ليس لديهم المعرفة التقنية على بناء المواقع، فأحرزَت جائزة أفضل مدير مشروع ضمن المسابقة، لكنّها قالت إنّ الوقت والجهد اللازمين كانا كبيرين.
أما الفائز الأول في هذه المسابقة فكان تطبيق أتمتة الخدمات المنزلية، "هومي" Homee، الذي طوّر فريق المشروع نموذجه الأوليّ خلال 24 ساعة فقط، ومن ثمّ فازوا بالحصول على مكان في برنامج تسريع الأعمال "هاكسيليريتور" Hackcelerator.
شبكة مطورين ناضجة في رام الله
بعد أسبوعٍ واحد من المسابقة الأولى، تمّ إقامة مسابقةٍ أخرى في رام الله في مكتب شركة "يامسافر" Yamsafer.
النظام التعليمي في الضفة الغربية يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ النظام في قطاع غزة، بما يخصّ دعم الجامعات لبرامج الحوسبة والبرمجة للطلاب. ولكنّ السهولة النسبية للظروف الاقتصادية وسهولة الوصول في الضفة، مقارنةً بالوضع في غزة، عوامل أدّت إلى تطوير شركات تكنولوجيا مختلفة اجتذبت استثماراتٍ عالية مثل "يامسافر"، و"ابن بطوطة" Ibn Battuta، و"ريد كرو" Redcrow، و"بينش بوينت" Pinchpoint.
وقالت مديرة العمليات في "صندوق إبتكار" Ibtikar Fund، أمبار رينوفا، والتي كانت عضواً في لجنة تحكيم المسابقة، إنّ الفعالية كانت بمثابة فرصةٍ جيدة لتشكيل شبكة تواصل وتجربة تعليمية مفيدة لأولئك الذين يريدون تطوير التطبيقات.
في هذه المسابقة، قامت الفرق الأربعة المشارِكة بتطوير مشاريع مختلفة: تطبيق لتنظيف المنزل حيث يمكن للشخص أن يرى ويتواصل مع أشخاص آخرين مستعدّين لتنظيف المنزل؛ وبرمجية بحث على موقع "فايسبوك" Facebook صممّها فريقٌ من "يامسافر" للبحث عن وجهات السفر؛ وتطبيق "بريدي" Bareedee الذي يختص بتسليم الرسائل والطرود من قبل أشخاص مستقلّين Freelancers، والذي فاز بالمركز الأوّل.
وعن هذا الأمر، قال أحمد أبو عمر من الفريق الفائز، إنّه "حقاً لشعور رائعٌ أن تفوز في ’أنجل هاك‘، ولهي فرصةٌ مميزةٌ أن تنضمّ إلى برنامج ’هاكسيليريتور‘".
برنامجٌ متقدّمٌ للمطورين
يستعدّ الفائزون من كلّ الفعاليات للانضمام إلى مسرّعة "هاكسيليريتور"، وهي عبارة عن برنامج تسريع نموّ وادي السليكون، يستقبل المشاريع المدعوّة فقط، وتديره "أنجل هاك".
يدوم هذا البرنامج على 12 أسبوعاً كفترةٍ للإرشاد عن بعُد، تدعم المطوّرين ومؤسِّسي المشاريع أينما كانوا، مع التركيز بصفةٍ خاصّةٍ على المشاريع البرمجية بدلاً من شركاتٍ ناشئة كاملة. وفي نهاية هذه الفترة، يتمّ دعوة أصحاب المشاريع إلى وادي السليكون لمدّة أسبوع يحصلون فيها على النصح والإرشاد، وتنتهي مع يومٍ للعروض حيث يحصلون على فرصةٍ كبيرةٍ للقاء مع مستثمرين رفيعي المستوى والتواصل معهم.
من بين المشاريع الناجحة المختلفة التي كانت حصيلة مسرّعة "هاكسيليريتور"، شركتا "ايربوست" AIRPOST و"أبيتاس" Appetas اللتان تمّ الاستحواذ عليهما من قبل شركتي "بوكس" BOX و"جوجل" Google على التوالي.
من خلال نظامٍ اقتصاديٍّ مزدهر بفعاليات ريادة الأعمال والتكنولوجيا مثل "أنجل هاك" وغيرها، تبقى المشاريع الريادية ومهارات الشباب الفلسطيني في البرمجة وتطوير التطبيقات مؤشراً واعداً للاقتصاد الفلسطيني مستقبلاً. وهذا ما يؤثّر على الاقتصاد ككلّ، بدعمٍ من جهود قادة المجتمعات الريادية المحلية والمنظمات الراعية لريادة الأعمال.