مسابقات الشركات الناشئة: فرص ومخاطر
سواء كان ذلك لأجل المال، أو الأسهم، أو الحصول على المشورة، أو احتضان، أو حتّى دخول منصّةٍ لتحسين عروض الأفكار، لقد أوجدَت مسابقات الشركات الناشئة قطاعاً خاصّاً بها يقدّم جوائز رائعة.
في عام 2016 وحده، كان هناك أكثر من 35 مسابقةً وموعداً نهائياً للتقديم للمسابقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والفوز في هذه المسابقات يمكن أن يحمل قلّةً مُختارةً إلى الجانب الآخر من العالم للتنافس على المستوى العالمي.
ولكن هل تشكّل هذه المسابقات في الواقع قيمةً مضافةً لرائد الأعمال والبيئة الريادية على المستوى الإقليمي؟
يرى روّاد الأعمال في مراحل الأفكار أنّ المسابقات وسيلة رائعة "للمرح والتجربة في وضعٍ آمن"، بحسب لويس لبّس، الشريك المؤسّس لـ"أسترولابز" AstroLabs ومؤسّس إحدى الشركات الناشئة في المنطقة، "نمشي" Namshi.
لهذا السبب خاض بريملال بوليسيري، مؤسّس "بوكس إت" Boxit، مسابقته الأولى ضمن "تحدّي طرح الأفكار في دول مجلس التعاون الخليجي" لعام 2015 GCC Pitch Challenge وفاز فيها.
"هناك الكثير من الأمور التي يمكن تعلّمها من المسابقات،" حسبنا يقول بوليسيري لـ"ومضة"، مصيفاً أنّه خلالها "يمكنك تحسين مهاراتك في العرض وصقل فكرتك والطريقة التي توصلها فيها، وإذا فزتَ سيساعدك هذا على التحقٌّق منها. في تلك المرحلة [من أعمالنا]، شكّل ذلك دفعةً قويةً لنا".
فاز بوليسيري في المسابقة المحلّية من التحدّي وليس الإقليمية، ومنذ ذلك الحين شارك أيضاً في 8 مسابقاتٍ أخرى ففاز في نصفها. أمّا دوافع الفريق "فكانت مختلفةً بحسب كلّ مرحلة" وتراوحَت بين إبراز أسمائهم وتوسيع شبكاتهم وفي بعض الأحيان شقّ الطريق أمام الاستثمار.
بالنسبة إلى ضياء خليل، الفائز في مسابقة "دبي+أكومن" لخطط العمل في عام 2013 Dubai+Acumen Business Plan Competition، فإنّ شركته الناشئة، "جرين تراك" Green Truck، لن يُكتَب لها الوجود لولا المشاركة في المسابقة.
"كانت فكرتي في البداية خدمةً اجتماعيةً أكثر منها عملاً تجارياً،" يشرح خليل ويتابع قائلاً إنّه "في هذه المسابقة كان عليّ العمل على الشؤون المالية لإظهار أنّه يمكن أن يكون عملا ًمستداماً. ومذّاك، أصبح العمل أكثر إقناعاً للجنة التحكيم ولي شخصياً... لقد جعلني أثق بأنّه يمكنني أن أفعل ذلك".
بلغَت قيمة الجائزة التي حصل عليها خليل 100 ألف درهم إماراتي (27 ألف دولار أميركي)، نصفها مالٌ نقديّ والنصف الآخر على شكل استثمار واستشارات. وبالرغم من تأخّر حصول رائد الأعمال هذا على الجائزة، إلّا أنّها أمّنَت لـ"جرين تراك" التمويل التأسيسي الذي تحتاجه.
يُذكَر أنّ مسابقة "أكيومن" هي من بين المسابقات القليلة التي تتطّلب خطّة عملٍ إلى جانب عرض الأفكار، في حين يركز الكثير من المسابقات الأخرى على عرض الأفكار النهائي لتحديد الفائز حيث تقديم خطة استراتيجية يمكن أن تكون جزءاً من عملية التطبيق. ويمكن في كثيرٍ من الأحيان أن تقتصر عروض الأفكار هذه على دقيقة واحدة من الوقت على المسرح.
كريس شرودر، مؤلّف من بدء كتاب "نهضة الشركات الناشئة" StartUp Rising والذي يُشارك كثيراً في المسابقات كعضو لجنة تحكيم، يفضّل المسابقات التي تمنح عرض الأفكار مع ما يكفي من الوقت لفحص الخلفيات ولقاء روّاد الأعمال والتعرّف إلى المواد مسبقاً.
ويشير إلى أنّ "الخطر الذي يكمن في النوعَين [من المسابقات] هو روّاد الأعمال الذين يطاردونها كحقوق ملكية رخيصة أو كمشاهير. عندما أرى بعض روّاد الأعمال الذين يعرضون أفكارهم عليّ وقد فازوا في عدّة أمور سابقاً، أتساءل إن كانوا قد بنوا شيئاً فعلاً".
من ناحيةٍ أخرى، وخاصّةً في البيئات الحاضنة الناشئة، يسمح النوعان بالتواصل مع أروّاد أعمال آخرين والحصول على المال واختبار المقترحَات في بيئاتٍ مجهدة دفع الشركات الناشئة لتركيز أفكارها.
التدريب على العرض
تقديم وعرض عملك مراراً وتكراراً لا يضرّ طالما تتعلّم الناشئة من ردود الفعل، حسبما تقول الكاتب ساليان ديلا كاسا التي تشارك في المسابقات كعضو لجنة تحكيمٍ أيضاً.
تشجّع ديلا كاسا الشركات الناشئة التي تأتي إليها للمشاركة في المسابقات على المستوى العالمي، لأنّها "مهمّة جداً في هذا العالم المتّصل الذي نعيش فيه، فهكذا يرون كيف يمكن الارتقاء بالعمل وينظرون أبعد من بيئاتهم المحلّية المعتادة للبحث عم الشركاء والأفكار والفرص وغيرها".
تقف المنطقة الآن في منتصف طريق بناء بيئة رياديةٍ مزدهرة وبمعدّلٍ قريب من المعدّل العالميّ. في هذا الإطار، تلفت كاترينا بلوط، مديرة منطقة الخليج في "مسابقة ’منتدى ’إم آي تي‘ لريادة الأعمال في العالم العربي" MIT EF، إلى أنّ المسابقات بمثابة مسرّعات أعمال صغيرة وافتراضية تعمل على غربلة روّاد الأعمال. وبالنسبة إلى المنتدى، فهو ينظّم مسابقة "ريادة الأعمال في العالم العربي" Arab Start Up competition التي تدعم من 200 إلى 300 شركة ناشئة، بمشاركة خبراء في القطاع.
"لقد بدأنا لأنّه لم يكن يوجد دعمٌ لروّاد الأعمال،" تقولها بلوط مؤكّدةً على أنّ "تغيير العالم هو ما يحفّزنا. نحن منصّة تعمل على ترويج الابتكار وتريد وضع العالم العربيّ على الخريطة العالمية للابتكار. ومسابقة المنتدى هي وسيطٌ بين روّاد الأعمال وكلّ مَن يدعمهم".
تُعتبَر المسابقات مساعٍ مكلفةً للمنظّمين والشركات الناشئة على حد سواء، وبعضها مثل "مسابقة ’منتدى ’إم آي تي‘ لريادة الأعمال في العالم العربي" تدفع تكاليف السفر التي قد تصل وحدها إلى 80 ألف دولار في بعض الأحيان، وفقاً لبلوط، ناهيك عن تكاليف الإقامة في المراحل الأولية وأتعاب المدربين والمرشدين وأعضاء لجنة التحكيم. وفي أكثر الأحيان، يدفع المنافسون التكاليف من جيوبهم، مثل خليل الذي كان يترك وظيفته بدوامٍ كاملٍ لساعات من أجل الالتزام بالمواعيد النهائية وإنجاز المطلوب.
يقول شرودر إنّ المسابقات "من ناحيةٍ، تفرض بعض الانضباط في التفكير وتوفّر منتدًى يلتقي فيه أصحاب المواهب، وتوفّر لهم شبكةً، كما يمكنهم التفاعل مع العملاء والمرشدين. ولكنّني أرى الكثير من روّاد الأعمال في مختلف الأسواق ينتقلون من مسابقة إلى مسابقة معتقدين أنّ الفوز ببضعة دولارات من هنا وهناك هو انتصار. بالنسبة لي، هذا غرورٌ أكثر منه عملٌ على إنشاء مؤسَّسة".
في نهاية المطاف، يصبح المنظِّم مُنشئ القيمة الحقيقية من المسابقة.
"يجب على منظّمي المسابقات البدء مع رغبة ورسالةٍ حقيقيّتين لفعل شيءٍ إيجابيٍّ للمشاركين والفائزين والبناء على ذلك"، بحسب لبّس الذي يضيف أنّه "إذا تمّ تصميم المسابقة لصالح الراعي أو بهدف العلاقات العامة، فتصبح المسابقة عموماً ذات قيمةٍ سلبيةٍ على الشركات الناشئة".
أهداف منظِّم المسابقة يمكن أن تكون مفتاح الفوز
تأتي كلّ مسابقةٍ مع معايير خاصّةٍ بها، ما يحدّ من الأفكار المقدّمة. على سبيل المثال، "مسابقة منتدى إم آي تي لريادة الأعمال" تتطلّب شخصاً عربياً واحداً على الأقلّ في كلّ فريق، في حين تقوم غيرها من المسابقات باختيار المرشّحين على أساس عدد السنوات منذ الإطلاق أو مرحلة التمويل أو نوع الخدمة. في هذا الإطار، يشير بوليسيري إلى أنّه بمجرد معرفة أهداف المنظِّم، فهذا يُسهِّل عملية الإعداد ويمكن أن يساعدك على تحقيق الفوز.
بغض النظر عن الجائزة، تقول ثيا مايهرفولد من "تيتش مي ناو" Teachmenow إنّه لا بدّ من إيلاء الجائزة اهتماماً وثيقاً والتأكّد من أن معايير الحُكم متاحةً أمام أعضاء لجنة التحكيم والمتنافسين بشكلٍ واضح.
"ركّزوا على ما يريده منظِّمو المسابقة؛ هل هناك حقوق ملكية على المحك، هل هي مجرد جائزة نقدية، ما هي الشروط؟" تقول مايهرفولد, "انظروا إلى الناس الذين يقفون خلف المسابقة - ما هو مدى مصداقيتهم، مَن هي الشركة، ما الذي يروّجون له - عندها ستعرف مدى جدّيتهم".
التدريب مقابل العلامات التجارية مقابل المال
بعض المسابقات مثل "مسابقة ’منتدى ’إم آي تي‘ لريادة الأعمال" و"أكومن" وتحدّي "جمعية خرّيجي هارفارد العرب" Harvard Arab Alumni Association و"مامبرينير رايزنج"، هي فعالياتٌ بُنيَت على التدريب وربط المتنافسين استعداداً للفوز. وهناك مسابقاتٌ أخرى تنظّمها شركاتٌ كامتدادٍ لعلاماتها التجارية أو لفعاليةٍ أكبر، مثل "ماراتون الأفكار" من "عرب نت" Arabnet Ideathon، ومؤتمر "ستيب" STEP conference، و"عرض الأفكار السريع" من "إنفينيتي" Infiniti Speed Pitching.
تأسّست "ستيب" في عام 2012 لتوفير "أفضل تجربة مؤتمرات" للناس المهتمّين بالتكنولوجيا والشركات الناشئة، في حين انطلقَت مسابقتها لعرض الأفكار في عام 2014 لأنّ الفريق كان يفكّر باستمرار في كيفية مساعدة الشركات الناشئة على إيصال أصواتها. وفي هذا العام، يقول بهاء موصلي، الشريك المؤسِّس لـ"ستيب"، كان الأمر ناجحاً للغاية بحيث تشعر أنّك في قاعة التداول تقريباً ولكنّ روّاد الأعمال يتقدّمون". النتائج المثالية للفائز؟ تأمين الاستثمارات بفضل المسابقة ومن ثمّ جعلها أكبر في وقتٍ لاحق.
في حين تتابع "ستيب" الأمر شخصياً مع الفائزين، يقوم الكثير من المنظِّمين بإنهاء المحادثة مع البيان الذي يُعلَن فيه عن الفائزين. على سبيل المثال، فإنّ "مسابقة معهد ماساتشوستس للتكنولوجي لريادة الأعمال" لا تتابع، ولكنّها تضع علاماتٍ على الفائزين، بحيث أنّ نسبة الفائزين في مسابقتها والذين يشاركون في مسابقات كُبرى في جميع أنحاء العالم تصل إلى 40%.
يشكّل كلٌّ من "إنستاباغ" Instabug و"إنستابيت" Instabeat نموذجين عن النجاحات سالفة الذكر، ولكن بعد التمعّن في الفائزين السابقين في مسابقة المنتدى يتبيّن أنّ بعضهم لا يمتلكون مواقع إلكترونية حتّى لإثبات وجود الشركة.
من جهةٍ أخرى، تمّ شراء "جرين تراك" التي أسّسها خليل من قبل "إنفايروسيرف" Enviroserve بالرغم من أنّ رائد الأعمال هذا بقي على رأس إدارة عمليات الشركة، كما أنّ "بوكس إت" أغلقَت جولتها للتمويل التأسيسي على 600 ألف دولار أميركي.
في جميع المسابقات، يجب على روّاد الأعمال تحليل تكلفة الفرصة مقابل العائد على الوقت قبل المشاركة، حسبما تضيف مايهرفولد. "فوقتك هو أثمن ما لديك، وإذا تنفق تضيّع الكثير من الوقت على عدّة مسابقات فأنتَ تخسر عملك. عليك أن تحدّد ما تريد تحقيقه من هذه المسابقات ... من المهم جدا أن تكون انتقائياً وأن تدرس الخطوات التي تريد القيام بها".