من المتجر الالكتروني إلى المنزل: ما هو نموذج التوزيع الأنسب؟
الأسواق الإلكترونية لديها عدّة خيارات بين نماذج التوزيع. (الصورة من F1online)
يرتكز نجاح منصّات التجارة الإلكترونية الموجَّهة إلى المستهلِك أساساً على نموذج التوزيع fulfillment model. ففي حين أصبح التسوّق عبر الإنترنت أسهل بالنسبة إلى العميل، غير أنّ ما وراء الكواليس يبدو أكثر تعقيداً.
بالنسبة إلى البائع عبر الإنترنت، فإنّ نموذج الخدمات اللوجستية الذي يعتمده – أي نموذج الإيفاء بطلب العميل – يقوم على عدّة عوامل: المورّدون الذين تعمل معهم، نوع المنتَجات التي تبيعها، عنصر التحكّم الذي تريده أن يكون خلال التجربة، والسوق بالطبع.
ولكن هل هناك نموذجٌ يناسب أكثر سوقَ المنطقة العربية الحديثة العهد والمتنامية؟
خزِّن لديك كلّ شيء
بعض الشركات مثل "نمشي" Namshi لبيع الأزياء، والتي أطلقتها "روكيت إنترنت" Rocket Internet لتعمل في الخليج ولبنان انطلاقاً من دبي، اختارت أن تخزّن كلّ شيء في مستودعاتها الخاصّة. ففي هذه الشركة إمّا يتمّ شراء المنتَجات والبضائع من قِبَل "نمشي" وتخزينها في مستودعاتها الخاصّة، وإمّا تبقى ملك المورِّد ولكن يتمّ تخزينها بالأمانة consignment .
يساعد هذا النموذجُ الشركات على الاستجابة بسرعةٍ للطلبات، بحيث حالما يتمّ استلام الطلب يمكنهم تحضير المنتَج فوراً من المخزن وتوضيبها ومن ثمّ إرسالها.
من جهةٍ ثانية، فإنّ علامةً تجاريةً أخرى لـ"روكيت إنترنت"، "جوميا" Jumia التي تتصدّر قطاع البيع عبر الإنترنت في أفريقيا، تعمل بشكلٍ مشابهٍ لطريقة "نمشي". ولكنّها في شهر شباط/فبراير، تحوّلت إلى نموذج عملٍ خام للسوق الإلكترونية، بحيث لم تعد تشتري أيّ منتَجٍ بنفسها بل تعمل كوسيط. ولكنّها بقيت تعمل بنموذج الأمانة وتخزّن منتَجات البائعين في مستودعات "جوميا" قبل بيعها وتوضيبها.
ووفقاً لمدير "جوميا" في المغرب، باستيان مورو، توفّر هذه الطريقة عدّة مزايا: فهي أسرع، وتجنّب الشركة حالات الشكّ في أن يكون لدى البائع منتَجاتٌ في المستودع أم لا، وتمكّن الشركة من إدارة المخزون، وتجنّبها أيّ مفاجآتٍ غير سارّة؛ وبالتالي هي طريقة مناسبة للتأكّد من سلاسة تجربة المستخدِم.
في مستودعات "جوميا"، خارج الدار البيضاء. (الصورة من "ومضة")
المناوَلة، حلّ وسط؟
طريقة مناولة البضائع المطلوبة عبر الإنترنت cross-docking – أي من المنتِج إلى السوق الإلكترونية إلى العميل - تُزيل كلفة التخزين الإضافية من خلال تحميل البائعين مسؤولية التخزين. وبالتالي عندما تحصل السوق الإلكترونية على طلبٍ ما، يُطلَب من البائع أن يُحضِر السلعة إلى مستودعات السوق الإلكترونية ليتمّ توضيبها ومن ثمّ شحنها من هناك.
ولكن بحسب مورو، فإنّ "هذه هي الطريقة الأصعب". وذلك لأنّ هذا النموذج الذي يتخلّله الكثير من الخطوات يمكن أن يشتمل على بعض الأخطاء أو عمليات التلاعب: ينبغي أن يتمّ استلام المنتَجات من قبل فريق الاستلام في الشركة، وتصنيفها، ووضعها في المخزن، واختيارها من قبل فريق إدارة المخزون، ومن ثمّ توضيبها وشحنها.
وبدورها، تقوم شركة "روكيت إنترنت" بتحميل كلّ بائعٍ مسؤولية الاهتمام بهذه العملية اللوجستية.
مستقبل نماذج التوزيع: الشحن المباشر من المصدر
بعدما توقّفت "جوميا" عن لعب دور البائع بالتجزئة، أضافت نموذجاً ثالثاً للتوزيع: وهو الشحن المباشر من المصدر drop-shipping (أو البيع بالعمولة). أمّا السوق الإلكترونية المغربية "إتش مول" Hmall، فقد ذهبت أبعد من ذلك من خلال التوقّف عن مناولة البضائع كلّياً وركّزت فقط على الشحن المباشر من المصدر.
وبالنسبة إلى نموذج شحن البضائع من المصدر، فهو يقوم على أن يتولّى البائع عمليات تخزين البضائع وتوضيبها في الآن عينه. أمّا دور السوق الإلكترونية فيقوم هنا فقط على تدريب البائعين على كيفية توضيب البضائع وفقاً لمعاييرها.
وبحسب الرئيس التنفيذي لـ"إتش مول"، كما رجاد، في حديثه مع "ومضة"، "يُعتبَر هذا الأمر هدفنا منذ البداية، ولكنّ البنى التحتية الرئيسية لم تكن متوفّرةً" في ذلك الحين.
عقدَت "إتش مول" شراكةً مع شركة "أمانة" Amana المغربية للخدمات اللوجستية لتطوير قطاع التجارة الإلكترونية. وجرّاء ذلك، قاموا بتطوير النظام الأساسيّ الذي يمكّن "أمانة" وغيرها من شركات الشحن من التعامل مع هذا النموذج الذي أصبح ممكناً.
وفي الوقت نفسه، طوّر فريق "إتش مول" علاقةً قويةً مع البائعين لديهم، بحيث باتوا يثقون بتوضيبهم للبضائع وشحنهم لها.
وعن هذا الأمر، يقول رجاد "إنّنا سوقٌ تستهدف العملاء مباشرةً B2C. وبالتالي، يوقّع البائعون معنا اتفاقيةً قبل البدء ببيع منتَجاتهم، بحيث ندفع لهم بعد أن يستلم العميل طلبه ويكون راضياً عنه". في المقابل، إذا لم يلتزم البائعون بالمعايير التي وضعتها "إتش مول" – بحيث ينبغي أن يبلغ أقصى معدّل لعدم توافر السلع نسبة 3%، ومعدّل إرجاع المنتَجات 5%، ومعدّل توصيلها 24 ساعةً كحدٍّ أقصى – تقوم المنصّة بتنحيته عن سوقها الإلكترونية تماماً.
"هذا منطقيّ أكثر، وهو يساعدنا على تقليص الوقت اللازم للشحن وتخفيض الكفة المترتّبة عن التوزيع،" يقول رجاد.
ويتابع: "لقد درّبنا كلّ البائعين لدينا تدريجياً خلال الشهرين الماضيين على ضمان نقل البضائع بطريقةٍ سلسة. واليوم نحن مسرورون حقاً بالتحسينات التي طرأت على مؤشرات الأداء الرئيسيى KPIs لدينا... وفي الوقت الحاليّ يبلغ متوسّط التسليم لدينا 3.5 أيام بدلاً من 8 أيام في السابق حيث كنّا نعتمد على مناوَلة البضائع، وبات يتمّ شحن الطلبات في أقلّ من 24 ساعةً في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء".
ونتيجةً لذلك، تمّ إغلاق كافة مستودعات "إتش مول" في 30 نيسان/أبريل فيما لم يتمّ تسريح أيّ موظّف، بحسب رجاد. وقد نُقل العاملون في المستودعات إلى فرق التسليم، بينما نُقل بعضهم الآخر إلى قسم خدمة العملاء في الوقت الذي تستمرّ فيه الشركة بالنموّ.
يشرح الرئيس التنفيذي الأمر بقوله إنّ "هذه هي الطريقة التي ينبغي على الأسواق الإلكترونية أن تعمل بها؛ فنحن هما لكي نربط البائعين بملايين من العملاء المحتملين من خلال توفير المنصّة ونظام الرصد، والخدمات اللوجستية المبسّطة، وحلول الدفع".
النوذج الأنسب للمنطقة العربية
كان يمكن لـ"جوميا" أن تستغني عن نموذج الشحن المباشر من المصدر ولكنّها اختارَت ألّا تفعل ذلك.
وبحسب مورو، فإنّ "لدينا حلولاً مجانية وخدمات إضافية، وكلّ هذه الخدمات تعود علينا بالمال".
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الشركة أنّه من المهمّ الحفاظ على إتاحة نماذج مختلفة.
ويشرح مديرها أنّ "بعض نماذج التوزيع تُعتبَر أكثر أهمّيةً من سواها، وذلك بحسب البائعين والمنتَجات". وبالتالي يُعدّ نموذج البضائع بالأمانة الأكثر كفاءةً فيما يتعلّق ببيع الملابس، أمّا بالنسبة إلى الهواتف فإنّ نموذج الشحن المباشر من المصدر هو الأنسب بسبب ضخامة الطلب.
ومع ذلك، تسعى الشركة إلى تعزيز نموذج البيع بالأمانة لتقديم تجربةٍ أفضل للمستخدِمين من خلال تحفيز البائعين، الذين عندما يختارون نموذج البيع بالأمانة سيحصلون على علامة "جوميا أولاً" Jumia first على منتَجاتهم، ما يمكّنهم من الحصول على تخفيضاتٍ على التوزيع وتحسين ظهورهم على موقع الشركة، وفقاً لمدير "جوميا" في مصر، أموري سيلييه.