تناسُب المنتَج والسوق والاستراتيجيّة: أفكار ناجحة أم غير مهمّة؟ [رأي]
نشر هذا المقال أساساً على "ميديوم" Medium.
هل يمكن للاستراتيجيّة توقّع ما إذا كانت الفكرة وراء الشركة الناشئة ناجحةً big-time أو غير مهمّة small-time؟
إذا افترضنا أنّ الشركة وجدت نقطة التلاقي بين المنتَج والسوق، هل يمكنك أن تتقدّم في الوقت وترى ما إذا كانت شركتك ستتمكّن من تحقيق أرباح عالية والمحافظة عليها بفضل غياب المنافسة؟ إذاً، كيف يمكنك إيجاد فكرةٍ ناجحةٍ ومستدامة من خلال تناسب المنتَج والسوق والاستراتيجيّة؟
من أجل تقييم فكرتك، عليك أوّلا أن تتأكّد من وجود واحدٍ أو أكثر من المستويات الاستراتيجيّة التالية:
1- حقوق الملكيّة الفكرية
2- تأثير الشبكة Network effect
3- الحصول على رأس المال
4- العلامة التجارية
5- وفورات الحجم Economy of scale
6- وفورات المجال Economy of scope
تنطبق المستويات رقم 1 و2 على المراحل الأولى للشركة الناشئة، فيما تنطبق المستويات من 3 إلى 6 على مراحل لاحقة.
يمكنك أيضاً تطبيق الإطار الذي تمّ شرحه في مقالي السابق "من النتيجة إلى السبب: صناعة القرارات المرنة":
عندما تحدّد الفرضيّة لفكرةٍ ما، استثمر 5 دقائق من وقتك للقيام بهذا الاختبار الفكري: فرضاً أنّ نقطة التلاقي بين المنتَج والسوق موجودة ومؤكّدة (أي أنّ المنتَج يناسب السوق)، كيف يمكنني أن أصبح اللاعب الأساسيّ في هذه السوق؟ كيف أحافظ على هذا الموقع؟ وما هي الأسس الاستراتيجيّة التي أعتمد عليها لاتخاذ قراراتي؟
كرِّر قدر الإمكان هذه العمليّة قبل الالتزام بخمسة أيّام من عملية التصميم "ديزاين سبرينت" Design Sprint التي تساعد على التعلّم بسرعة من دون بناء منتَجٍ أو إطلاقه، يتبعها 10 أسابيع من التحقّق من مخطّط نموذج العمل، وصولاً إلى استثمار حوالي 6 أشهر من الوقت لبناء منتَجٍ أوّليٍّ قابلٍ للاستمرار minimum viable product.
لمحة عن تلاقي المنتج والسوق والاستراتيجيّة لدى "أوبر".
فلنأخذ مثال الرئيس التنفيذي في "أوبر"، ترافيس كالانيك، الذي قبل "أوبر" Uber عُرِض عليه الانضمام إلى "تويت بايوس" Tweetbios وهي خدمة تسمح لمستخدِمي "تويتر" Twitter بالحصول على صفحات رئيسة أطول extended home pages. ولكن بالرغم من أن "تويت بايوس" كانت تشهد نموّاً في عدد المستخدمين، إلا أنّ كالانيكر رفضها لأنّها "فكرة غير مهمّة"ـ وبالتالي حتّى لو افترضنا أنّ منتَجها يتناسب مع السوق، لكّنها لم تكن تشهد تناسباً بين السوق والمنتَج والاستراتيجية.
كذلك، يجدر بالذكر أنّ كالانيك درس بتمعّن تناسب السوق والمنتَج والاستراتيجيّة لدى "أوبر". وكما ورد على "فاست كومباني" Fast Company، فقد رأى كالانيك أنّ "أوبر" منصّةٌ تعمل على مستويَين اثنَين ويمتدّ تأثير شبكتها في الجانبين، بحيث تتحسّن تجربة المستخدِم كلّما ازداد عدد المستخدِمين.
تعمل تأثيرات شبكة "أوبر" على الشكل التالي: كلّما ازداد عدد المستخدِمين كلّما ازداد الطلب على السائقين، مما يؤدّي إلى وقت انتظار أقلّ وتجربة أفضل للمستخدِم وبالتالي زيادةٍ في الطلب من قبل المستخدِمين. هذه الفكرة مستدامة بالفعل.
فيما كبرت "أوبر"، بدأت الشركة تختبر وفورات المجال من خلال التوسّع إلى توصيل المنتجَات والمأكولات مع "أوبر راش" UberRush و"أوبر إيتس" UberEats وغيرها، مستفيدةً من الكلفة المتدنيّة لاكتساب السائقين في هذا التوسّع إلى المجالات.
تناسُب المنتَج مع السوق: أساسيّ ولكن غير كافٍ
لم يغِب تلاقي المنتَج والسوق عن النقاشات سواء كموضوع وكمفهوم (أنظر مدوّنة مارك أندريسن عام 2007، وستيف بلانك في كتابه عن استراتيجيات الشركات الناشئة الناجحة The Four Steps to The Epiphany، و"كورا" َQuora). إذا أمعنتَ النظر في مقال مارك أندريسن، ستلحظ أنّه ذكر أنّ السوق التي يتمّ مناقشتها تبدو وكأنّها نوعٌ جديد من الأسواق بالمقارنة مع أنواع الأسواق الأخرىمثل الأسواق الحاليّة Existing Market والأسواق المعاد تجزئتها Resegmented Market والأسواق المستنسَخة Clone Markets.
كلّ نوعٍ من الأسواق لديه وسائل خاصّة به لجمع التمويل والتوسّع وتوجّهات الإيرادات وتحديد مهارات الموظّفين الجدد الأساسية.
على سبيل المثال، غالباً ما تُضخِّم الشركات الناشئة توقّعات نموّ الإيرادات في الأسواق الجديدة لأنّها لم تحسِن فهم إشارات المتبنّين الأوائل للمنتَج، فاعتمدتها في استراتيجيتها في حين لا يزال أمامها طريق طويلة لاجتيازها قبل الوصول إلى هذه المرحلة. يختلف نمط تبنّي المنتَج عند استهداف سوق تقليديّة (أنظر ملاحظات ستيف بلانك " Market Type & Revenue notes").
في سوق جديدة، حيث لم يحقق أحد النجاح بعد، يركّز أصحاب التأثير في مجال التمويل المخاطر وريادة الأعمال على تناسُب المنتَج مع السوق، لأنّ الاستراتيجيّة لا تكون مهمّة قبل أن تجد سوقاً.
في المقابل، من المهمّ جدّاً أن تسأل نفسك عمّا إذا كان لديك ما تحتاجه لتحقيق النجاح بعد الوصول إلى التناسُب بين المنتَج والسوق. في حال كانت إجابتك سلبيّة، هل يمكنك أن تسدّ هذه الفجوات منذ البدء؟ هل هناك مخاطر في سلسلة القيمة value chain لديك؟ هل يمكنك تخطّيها؟ قبل أن تبذل مجهوداً في محاولةٍ يائسة مع احتمال تغيّر توجّه المشروع، اسأل نفسك: هل يمكن للتناسُب بين المنتَج والسوق والاستراتيجيّة أن يفيدك في تقييم توجّهك؟
أمّا في حالة السوق التقليديّة، فالسوق موجودة والمنتَجات كذلك. لذلك، تقوم الجهود على دخول السوق والمنافسة والربح ومن ثمّ تحقيق الاستدامة بالاستعانة بالاستراتيجيات. هل لديك تكنولوجيا أكثر تطوّراً بعشرة أضعاف أو منتَجٌ أفضل بعشرة أضعاف؟ هل تفكّر بشكلٍ مختلف عن تفكير الشركات العامِلة في السوق؟
الاستراتيجيّة هي التفكير بطريقة مختلفة
تقوم الاستراتيجية بشكلٍ أساسيٍّ على القيام بأمرٍ مختلفٍ عوضاً عن محاولة التفوّق على الشركة العامِلة في المجال الذي تتفوّق فيه؛ وهذا موضوعٌ جوهري في دورات دراسة الاستراتيجيّة.
محاولة التفوّق على شركةٍ راسخة على أرضها بقولك إنّك ستكون أكثر فعاليّة وإنتاجية، لا تُعتبَر استراتيجيّة. كما أنّ الفعالية التشغيلية، كالتنفيذ بشكلٍ أفضل مثلاً، لا تُعتبَر استراتيجيّة. بالرغم من أنّ هذه الخطوات ضروريّة غير أنّها ليست كافية. حاول أن تنافس "أمازون" Amazon بالاعتماد فقط على أنّك ستصبح أكثر فعاليةً في التنفيذ، ولَن تفوز. لماذا؟ لأنّك بحاجةٍ إلى استراتيجياتٍ مختلفةٍ لمواجهة هذه الشركة الهائلة.
في كتابه "زيرو تو ون" Zero to One، يَذكر بيتر تيل أنّه يبحث عن سرٍّ أو عن حقيقةٍ مميّزةٍ ليستثمر في الشركات الناشئة والأشخاص. فمن دون هذا التميّز لا يوجد ابتكار؛ وإذا كان لديك سرٌّ عليك أن تسعى للاحتكار.
من أجل تحقيق أرباح من دون أيّ منافسة، يجب أن تحدّد الاستراتيجيّة وتطّلع على القدرات الاستراتيجيّة لتناسُب المنتَج مع السوق والاستراتيجية. هل يمكنك أن تجد وتعتمد استراتيجية "الفائز يأخذ كلّ شيء"؟
يكرّر عددٌ كبيرٌ من أصحاب التأثير في عالم التمويل المخاطر أنّ "التمّيز" مهمّ جدّاً؛ فقلّة هم الفائزون الذين يحقّقون النجاح وقد لا تتوقّع وجودهم. للوهلة الأولى، تبدو هذه الأفكار الرابحة غريبة وغير ناجحة، كما يشرح بول جراهام في "بلاك سوان فارمينج" Black Swan Farming، وكما يفعل بن هوروويتز في خطابه في "جامعة كولومبيا" Colombia حيث ناقش سرّ براين تشيسكيفي تأسيس "إر بي أن بي" Airbnb، وكما يقول كريس ديكسون في طرحه عن الاستثمار في الأفكار الغريبة.
ملاحظة: لا ينفع التميّز إذا كنت على خطأ. فلنأخذ الاستثمار على سبيل المثال: إذا كنت جشعاً ومندفعاً في الوقت الذي عليك أن تكون فيه حذراً، لأنّك أردتَ التميّز فيما الآخرون حذرون، فهذا قد يضرّك كثيراً إذا كنتَ على خطأ. بالتالي، لا يكفي التميّز فقط، عليك أن تكون مميّزاً وعلى حقّ.
دور تناسُب المؤسِّس مع السوق
ناقش كريس ديكسون وبراد فيلد في مدونّتهما نقطة تناسُب المؤسِّس مع السوق، خصوصاً وأنّ هذا التناسُب هو الذي يسمح لك بتطوير سرٍّ ما بسبب معرفتك الفريدة بالبيئة.
عندما تطوّر فرضيّةً لسرّ ما، حاول أن تكرّرها من خلال الاختبارات والتجارب الفكرية لإنجاحها من حيث تناسُب المنتَج والسوق والاستراتيجيّة. في المقابل، إذا لم تتمكّن من إيجاد الركائز الاستراتيجيّة لفكرتك، عليك أن تقوم بأبحاثٍ وتفكّر بشكلٍّ معمّق وقاسي قبل أن تنتقل إلى مرحلة تطوير الأفكار الخلاقة ideation stage.
خذ كمثالٍ "أوبر" وسيارات الأجرة التقليدية، "إر بي أن بي" والفنادق، "تسلا" Tesla وصانعي السيارات التقليدية‘؛ لقد دخلت هذه الشركات إلى أسواقٍ تقليديةٍ موجودة، لكنّها فازت لأنّه كان لديها سرٌّ خاصّ بها وعملَت على مستوى مختلف.
على المدى البعيد، فإنّ تناسُب المنتَج والسوق ليس كافياً، لأنّ الفكرة المستدامة يجب أن تجمع بين المنتَج والسوق والاستراتيجية، وعلى المؤسِّسين أن يتمكّنوا من التعبير عن ركائزها الاستراتيجيّة.
كيف يمكنك أن تدخل إلى السوق متأخراً وتحقّق النجاح؟ كيف تبني حواجز أمام الشركات التي تريد دخول السوق من بعدك؟ ماذا عن الشركات الكبرى، هل أنت على اطّلاع بخطر الإحاطة envelopment threat وكيف يمكنك تجنّبه؟ يجب أن تفكّر بهذه الأمور، وتبحث عنها وتطبّقها وتتأقلم معها من خلال التجارب.
عليك أن تتقبّل وترتاح للمجهول وأن تخطط لكيفيّة مقاربته. عندما تعمل مع تكنولوجيا حديثة للغاية، فأنت تخطّط وتتوقّع وتبني المستقبل. وعندما يصبح المجهول طبيعيّاً، تصبح الاستراتيجيّة صديقك المقرّب.
يجب أن تشكّل الاستراتيجية عامِلاً أساسياً ووازناً في مرحلة تطوير الأفكار، وليس بعد بناء المنتَج. قد توفّر تصفية الاستراتيجيات الوقتَ والموارد على روّاد الأعمال والمستثمِرين، وتسمح لهم أن يحسّنوا اختباراتهم بشكلٍ أسرع وأذكى ليجدوا القيمة التي يُنشئونها ويحافظوا عليها.