كيف حوّل روّاد الأعمال أحد أقدم أحياء عمّان إلى أنجحها؟
روّاد الأعمال الواعون ثقافيّاً، مثل مؤسّسي مقهى "رومي" éRumi Caf، في الصورة أعلاه، حوّلوا جيل اللويبدة إلى أحد أحياء عمّان الأكثر شهرةً. لكنّ نجاحهم قد يؤدّي إلى تغيّرات غير مرحّب بها. (الصور لـ جوزيان سميث)
في بلاد من المتوقّع أن يحقّق فيها قطاع السياحة والسفر أكثر منخُمس الناتج المحلّي الإجمالي في السنوات العشر القادمة، تواجه الأردن معضلة المنافسة على مستوى محلّي وعالمي، وتلبية مطالب السوّاح العالميين في ظلّ المحافظة على تراثها وخدمة أهلها.
‘عندما يعلو المدّ ترتفع جميع السفن‘، إنّ هذا القول المأثور المشهور باللغة الإنجليزيّة يرمز إلى مبدأ أنّ ازدهار الاقتصاد الكلّي سيؤثر إيجابياً على كلّ طبقات المجتمع. ولكن على مستوى محلّي أصغر، قد تطرأ مخاطر غير متوقّعة عند نموّ السوق بشكلٍ غير منظّم.
في أحد أقدم أحياء عمّان، جبل اللويبدة، قد تشكّل حالة روّاد أعمال المقاهي مثالاً للشركات الناشئة في الأماكن التي تواجه مشاكل مشابهة في النزاع بين التقاليد والابتكار والمنافسة والنموّ.
وجبل اللويبدة الذي يستضيف سفاراتٍ ومجتمعات من الوافدين إلى الأردن منذ التسعينات، هو من أصغر الأحياء وأكثرها نشاطاً في عمّان. لكنّ العائلات التي عاشت فيه منذ أجيال وتذكّرت الوجه الآخر للمكان، عرفت كيفيّة إدارة خطر الاستطباق gentrification (أي إحلال طبقة غنية مكان الطبقة الوسطى من أجل تحقيق مكاسب مالية).
في القدم، كانت تلبّي هذه المنطقة طلبين أساسيين: الأوّل إرضاء الجمهور الأجنبي القليل، والثاني الإبقاء على سحر وهدوء المجتمع الذي يفتخر بالانتماء له العديد من السكّان المحليين. في ذلك الوقت لم يشهد هذا المكان زحمةً وإقبالاً كبيرَين، فجبل اللويبدة لم يكن واجهة معروفة وجذّابة إلاّ لسكّان المنطقة.
هذا الوضع التاريخي تغيّر حين ازداد عدد المقاهي التي فتحَت أبوابها في جبل اللويبدة، والتي بلغ عددها أكثر من ثلاثين مكاناً يقدّم المأكولات والمشروبات في السنوات السبع الأخيرة. حينئذٍ ازداد عدد الوافدين والزبائن في المنطقة عشرة أضعاف.
هذا المبنى السكني المهدّم هو الآن معرض ومقهى يقدّم الشاي باسم "فنّ وشاي" Fann wa Chai.
"كافيه جرافيتي" Café Graffiti هو أوّل مقهى ذو طابعٍ خاص في المنطقة منذ عام 2012.
والشريكة في تأسيسه، نيفين كرادشه، التي تتشارك مع زبائنها الدافعَ الذي جعلها تأسّس مقهى هناك والذي جعلهم يأتون إليه، تقول إنّ "الناس ملّوا وسئموا من المنطقة الترويجيّة والمزدحمة التي تحوّل إليها جبل عمّان، وأرادت شيئاً خلاّقاً وأكثر هدوءاً، لذلك انتقلتُ إلى جبل اللويبدة."
كان المكان مناسباً لهكذا مقهى، وهذا ما يُعرِب عنه عملاء جارها"جوبدو" Jobedu – وهو متجر للملبوسات والأزياء تمزج المحتوى العربي والإيحاءات الثقافيّة مع ابتكارات التصميم واللعب على الكلام- أنّ المتجر و"كافيه جرافيتي" يتشابهان من حيث روح الشباب والابتكار و"الشارعيّة".
بُعَيد افتتاح "كافيه جرافيتي"، افتُتِح وبالقرب منه مقهى آخر باسم "فنّ وشاي". للوهلة الأولى، قد يبدو أنّ المقهى الجديد سيأخذ من أمام "كافيه جرافيتي" حصّةً قيّمةً من هذه السوق الصغيرة، ولكن كيف نظرَت كرادشه إلى هذه المنافسة فعلاً؟
"لا أرى المقاهي الأخرى في المنطقة كمقاهي منافسة، ولمَ أراها هكذا؟ عملاؤنا مختلفون ونحن نقدّم منتجاتٍ مختلفة وننظّم فعاليّات مختلفة،" تقول كرادشه مضيفةً أنّ "أكبر خطرٍ علينا هو تحوّل جبل اللويبدة إلى’مكان مقصود‘ بالمعنى الشعبي، ما يجذب النوع الخطأ من الناس إلى مقاهينا والنوع الخطأ من المتاجر إلى شوارعنا ويؤدّي إلى زحمةٍ في الطرقات وإلى إزعاج سكّانه."
السعي للحصول على مكانٍ هادئٍ ذي تصميمٍ خلاّق ومبتكَر هو ما جعل ليندا الخوري، مؤسِّسة "فنّ وشاي" تحوّل مبنى سكنياً قديماً في جبل اللويبدة إلى معرض ومقهى يقدّم الشاي. ومثلما فعل "كافيه جرافيتي"، فقد تركّزت الفكرة حول تقديم خدمةٍ واحدةٍ عالية القيمة والانخراط في المجتمع المحيط، بحسب الخوري.
وتشرح هذه الأخيرة الأمر بالقول إنّ "المقاهي القليلة التي كانت في الجوار، لطالما كانت مظلمة ومليئة بالدخان لذلك أنشأنا مقهى مليئاً بالضوء والنوافذ والفنّ والثقافة، وحرصنا على أن يكون خالياً من الدخان." وتتابع مضيفةً: "قمنا تحديداً بعكس ما يجب أن نقوم به في مكانٍ كهذا، إذ أنّني أردتُ إنشاء مكانٍ عام يمكن للفّنانين ومحبّي الفنّ الانتماء إليه، وفي الوقت عينه أن يندمج مع محيطنا ويرحّب بهؤلاء الذين شعروا كأنّهم مستبعدون عن مساحات الفنّ التقليديّة، وبخاصةٍ الأشخاص الذين ينتمون للمجتمعات المحليّة المحيطة بعمّان."
تصميم "فنّ وشاي" الداخلي.
هذا الدافع يفسّر المعضلة التي تواجه سكّان وروّاد أعمال جبل اللويبدة الذين يريدون الإبقاء على سحر ونكهة هذه المنطقة من دون أذيتها اقتصادياً أو استنساخ نمطٍ لا يُدخِل عمّان في عصر الإبداع والابتكار الحديث.
وبحسب أيمن طقاطقة، الذي بدأ بتأسيس مطعم بيتزا في اللويبدة ثم أطلق مقهى "رومي" Rumi Cafe، فإنّ "الموضوع لا يتمحور حول الإبقاء على هذا الحيّ كما كان-فالأسواق تتغيّر لكنّها يجب أن تراقب وتنظّم بحيث تشمل كلّ أصحاب المصالح."
بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى أنّه "رغم امتناني لنموّنا السريع في السنتين الماضيتين، أجد أنّ العديد من المشاريع الجديدة تفتح أبوابها من دون تقديم خطّة عمل أو نموذج عمل أو ضمانات للجودة أمام السلطات المعنيّة. كما أنّ عمليّة اتخاذ القرار السليم والمشاركة تغيب عن المجتمع المحلّي."
في الإجمال، يُعدّ النموّ والتنوّع في مقاهي وعملاء جبل اللويبدة إيجابيّاً للعمل على المدى القريب. ففي حين يتمتّع كلّ من "فنّ وشاي" و"كافيه جرافيتي" و"رومي" بمفاهيم خاصّة وعملاء فريدين، فإنّهم تمكّنوا من البقاء على اتّصال بتاريخهم ومحيطهم وعملائهم.
لكن هل ستعرّض التنمية الحضرية شخصيّة ومجتمع جبل اللويبدة للخطر؟ وهل سيحافظ روّاد الأعمال المحليين على جاذبيتهم في وجه المنافسة من خارج المنطقة التي لا تبالي للتراث الثقافي وديناميكيّة الألفة الموجودة بين هذه المقاهي؟ الوقت كفيل بالإجابة على هذه الأسئلة.