لم استثمر هذا الملياردير المصري في شركة توظيف ناشئة؟
لا تقتصر فكرة "شغلني" على الإعلان عن وظائف الياقات الزرقاء فقط (العمّال)، بل وظائف الياقات الرماديّة أيضاً. (الصورة من "شغلني")
عندما أُعطِي عمر خليفة سبع دقائق لعرض فكرته، وقف الشاب البالغ من العمر 32 عاماً أمام الملياردير صاحب النفوذ الكبير نجيب ساويرس، بهدف لفت انتباهه وإقناعه بالاستثمار في"شغلني" Shaghalni.
إنّ مسيرة خليفة مع "شغّلني" طويلة جدّاً، فهي بدأت من فكرةٍ في الجامعة ثم تحوّلت إلى موقعٍ يؤمّن فرص عملٍ لأصحاب الياقات الزرقاء (العمال) والرمادية (العاملون في مهن ما بين اليدوية والإدارية).
ويرمز مصطلح "الياقات الزرقاء" في مصر إلى الحرفيين وعمال المصانع، كما يرمز مصطلح "الياقات الرمادية" بحسب خليفة إلى شاغلي وظائف الطبقة المتوسّطة، كالصرّافين والمحاسبين المبتدئين وموظّفي المبيعات، وكلّ الوظائف التي يصعب إيجادها ونادراً يتمّ الإعلان عنها.
في هذا السياق، تقول سميّة عبد الله (21 عاماً) التي تعلّمت الحياكة من أمّها لكنّها عاطلة عن العمل حاليّاً، إنّه "رغم اكتسابي لهذه المهارة، لكن من الصعب العثور على عمل إن لم تعرف أحداً يعمل في مصنع غزل ونسيج، خصوصاً أنّ المصانع لا تضع إعلاناتٍ لوظائف شاغرة على التلفاز."
وبدوره، أحمد علي (26 عاماً) حائز على شهادة الثانوية العامة ويعمل اليوم كأمين صندوق في سوبرماركت ذي فروع متعددة. يؤمن أنّ موقعاً مثل "شغلني" سيساعده في إيجاد عملٍ، لأنّه "إذا لم أمرّ أمام متجرٍ وأرى ورقةً يطلبون فيها موظّفين، من الصعب لأحدٍ مثلي أن يجد عملاً."
"شغلني" تعرض الإعلانات في مترو القاهرة، وسيلة النقل التي يستخدمها جمهورهم المستهدف كلّ يوم.
يشجّع المصريون، سواء كانوا يعملون أم عاطلين عن العمل، أية فرصةٍ تُتاح أمامهم لتأمين حياةٍ أفضل. وبحسب "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" CAPMAS في مصر، تبلغ النسبة الحاليّة من البطالة 12.8%، أمّا نسبة البطالة بين الشباب المصري الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً فتبلغ 26.3%. بتعبيرٍ آخر، أكثر من ربع الشباب المصري هم من العاطلين عن العمل.
وعن فرص إيجاد الوظائف، يقول خليفة: "لقد شاركتُ في معارض توظيف كثيرة أقامتها جامعتي، ولطالما كنت محظوظًا لحضور هذه المعارض على عكس الكثير من شبّان مصر."
قصّة "شغلني"
تخرّج خليفة (الصورة أدناه) عام 2008 وسعى إلى تأسيس شركة إعلاميّة. وبحلول عام 2009، كان قد أسّس شركةً لنشر المجلات باسم "أوميديا" Omedia، ثمّ في عام 2010 باع إعلاناتٍ بقيمة 128 ألف دولار. ومع كلّ ذلك، لم ينسَ شغفه تجاه "شغّلني".
بعد ثورة عام 2011، وجد خليفة نفسه في دين كبيرٍ يبلغ 64 ألف دولار. ويشرح قائلاً: "أبرمتُ شراكاتٍ مع عدّة شركات، وعملتُ مع المطابع بالأمانة (تسديد الأموال المتوجّبة لاحقاً) لأنّ الشركة كانت تبلي جيّداً."
ليردّ أموال دائنيه، أُجبر خليفة على بيع كلّ ما لديه.
بدأ خليفة من الصفر وأعاد إحياء حلمه القديم "شغلني"، بعد ترتيب أمور "أوميديا". وفي أواسط عام 2014 تمكّن من تركيز اهتمامه على الشركة الناشئة الجديدة، ويقول عن ذلك: "لقد اتصلتُ بمطوّر برمجيات وعملنا لمدّة خمس أشهر على تطوير الموقع. وفي أوائل عام 2015، كنّا قد أنشأنا النموذج الأوّلي وبدأنا بمرحلة الاختبارات."
تمّ إنشاء أربع صفحات وهمية مع أشخاص حقيقيين لرؤية ما إذا كانت الشركات ستهتمّ بهذا الموقع. وبدأ خليفة بالتسويق لـ"شغلني" على "فايسبوك" معتمدًا على الإعلان الذي تبلغ قيمته 5 دولارات في اليوم، آملاً أن يكسب موقعه الزخم الذي يحتاجه للانطلاق.
مناخ متقلّب
في نيسان/أبريل 2015، وبعدما استثمرت "شغلني" بمبلغ يتراوح بين 3800 و4000 دولار، بات لديها 500 مستخدم مسجّل (منهم 110 مستخدِمين حصلوا على فرص عمل)، و50 شركة.
لكنّ خليفة أراد التوسّع والنموّ، فعَلِم أنّه بحاجةٍ إلى رأس مال أكبر للتسويق إن أراد الوصول إلى سوقه المستهدفة. لذلك، بحث عن شركات اتصالات وشركات استثمار مُخاطِر ليطّلع على بيئة الاستثمارات بشكلٍ عام.
التقى رائد الأعمال هذا بثلاث شركات استثمار مخاطر ورفضَت جميعها فكرته. وبعد ذلك "قرّرتُ إرسال بريد إلكتروني إلى شركة ‘أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا‘ القابضة OTMT وعرض فكرتي عليهم"، مشيراً إلى عنوان البريد الإلكتروني الذي خصّصَته هذه الشركة لتلقّي أفكار المشاريع من روّاد الأعمال.
ووفقاُ له، فإنّ الرسالة التي تمّ إرسالها كانت مقتضبةً وواضحة وتدخل في صلب الموضوع. وبعد أسبوعٍ، في كانون الأول/ديسمبر 2015، تواصلَت الشركة معه وأعلَمته أنّ لديه فرصة لقاء رئيسها، رجل الأعمال نجيب ساويرس (إلى اليسار، الصورة من "البيانيوز" Albyanews)
"دخلتُ إلى الاجتماع وكان لدّي سبع دقائق لأقنعه بفكرتي،" بينما كان ساويرس يبحث عن "بضعة كلمات مفتاحية".
ويضيف خليفة "إن فكرة مساعدة الأشخاص الذين لا يشغلون الوظائف التي تتطلّب مؤهلات عليا، كانت بالضبط ما كان يبحث عنه بسبب وجود البطالة."
وبعد أن اكتشف الاثنان أنّهما يتشاركان الرؤية نفسها للمشروع، وعد ساويرس بتمويل "شغلني" من حينٍ إلى آخر. وبالرغم من أنّ خليفة لم يفصح عن حجم الاستثمار، إلاّ أنّ التسويق لـ"شغلني" قد بدأ في محطّات المترو.
هل تختلف "شغلني" عن غيرها من المنصات؟
رغم المنافسة الشديدة من مواقع التوظيف الأخرى، مثل "بيت.كوم" Bayt و"كانتالوب" Cantalope و"لينكدإن" LinkedIn، يصرّ خليفة على أنّ موقعه مختلف عنها كلّها، ويضيف أنّه "فضلاً على كلّ ما ذكرتُه سابقاً حول مساعدة عمّال الياقات الزرقاء والرماديّة، فإنّ نموذج الإيرادات لدينا مختلفٌ لأننا نركّز بشكلٍ خاصّ على الشركات المسجّلة وإعلانات الموقع لتأمين إيراداتنا."
وحين سئِل إنّ كان الموقع يتلقى أسئلة كثيرة حول موضوع الإعلانات، قال خليفة إنّه سيحدد في هذا الإطار خدمة اشتراك شهري للشركات على النحو التالي:
يمكن للشركات التي لا تحتاج إلى الكثير من الموظفين أن تطّلع على ثلاث صفحاتٍ في اليوم لأشخاص باحثين عن عمل، ومجموع 90 صفحة في الشهر. أمّا الشركات الأكبر التي تحتاج إلى موظفين أكثر، فتدفع 230 دولاراً كلّ ثلاثة أشهر وتحظى باطّلاعٍ غير محدود على صفحات الباحثين عن عمل.
وفي حال الاشتراك لمدّة ستة أشهر، تصبح الكلفة 370 دولاراً بينما تبلغ كلفة الاشتراك السنوي 640 دولاراً.
وعن هذه الأسعار، يقول خليفة إنّ "الحدّ الأدنى للأجور في مصر هو 1200 جنيه مصري (قرابة 153 دولاراً أميركياً)، لذلك نعتقد أنّ هذا الرقم مقبول ككلفة اشتراك لثلاثة أشهر." بالإضافة إلى ذلك، ناقش الرياديّ هذا الرقم مع عدّة مدراء في شركاتٍ أخرى ووجدوه مناسباً أيضاً.
تطلّعات عام 2017
"لا ينصبّ التركيز هذا العام على اكتساب الأرباح بل على بناء الموقع وتعزيزه"، وفقاً لما يقوله خليفة، مضيفاً أنّ الإيرادات المٌراد تحقيقها عام 2017 تقارب الـ 130 ألف دولار بالعملة المحليّة.
خلال فترة تناهز العام، توسّع هذا الموقع لضمّ 11 ألف مستخدِمٍ و1200 شركة، وتقديم 3500 فرصة عمل. وفي نهاية هذا العام، يريد خليفة أن يكون لموقعه 30 ألف مستخدِم مسجّل من الباحثين عن عمل، و10 آلاف شركة من الباحثين عن موظّفين.