جامعة الملك عبدالله تتعهد بناء البيئة الريادية في السعودية
جامعة لديها خطط لاقتصاد المعرفة السعودي. (الصورة من Globalhighered.wordpress.com)
يعتمد اقتصاد المملكة العربية السعودية على النفط منذ عقود، غير أنّ الجهود الرامية للانتقال إلى اقتصاد أكثر استناداً على المعرفة والخدمات تحقّق تقدماً شيئاً فشيئاً.
تُعَدّ المملكة من بين البلدان الخمس الأكثر إنتاجاً للنفط في العالم، ويشكّل قطاع النفط فيها حوالي 80 بالمئة من إيرادات ميزانية البلاد، و45 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، و90 بالمئة من عائدات التصدير.
ولكن في عام 2012، أعلنت السعودية عن استراتيجيتها الوطنية للتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة، على أن تحقّق ذلك بحلول عام 2030.
وبموجب هذه المبادرة، سوف تبذل البلاد قصارى جهدها لتنويع اقتصادها عبر الاستفادة من قطاعات جديدة في سوقها المحلّية وخفض اعتمادها على إنتاج النفط.
في هذا الإطار، سبق أن تمّ إطلاق مبادرات عدة في الجانب الغربي من البلاد تحت راية "ممرّ المعرفة إلى المستقبل 'knowledge corridor of the future'" للمساعدة على وضع المملكة على هذا المسار.
وبالتالي، فإنّ غرب السعودية، مع الجامعات الجديدة والمدن الاقتصادية الجديدة والميناء الحديث وخط القطار الجديد الذي يصل مكة المكرمة بالمدينة المنورة، بات يبدو وكأنه محور الابتكارات في البلاد.
حرم "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST. (الصور من الجامعة)
"جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية"
من المؤسّسات التي تسهم في دفع عجلة الابتكار "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST، التي اُطلِقَت عام 2009 على يد الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وهي تضمّ أكثر من 100 جنسية في حرمها وترتقي بالعلوم والتقنية من خلال بحوث متميزة وتعاونية مدمجة في برامج تعليمها العالي.
وفيما تهدف الجامعة من خلال برامجها وأقسامها ومؤتمراتها المتنوّعة لتكون منارةً للمعرفة من خلال الإبداع العلمي والتقني، فإنّ من أبرز كياناتها "قسم الابتكار والتنمية الاقتصادية" Innovation and Economic Development Department.
وبفضل التعاون مع الآخرين في هذا المجال، وبفضل "مكتب نقل التقنية"Technology TransferOffice و"مركز ريادة الأعمال" Entrepreneurship Centre و"مدينة الأبحاث والتقنية" Research and Technology Park، يقدّم القسم برامج متصلة استراتيجياً تضاعف مساهمات الجامعة في التنوع الاقتصادي للمملكة. كما يدعم الشركات الناشئة القائمة في السعودية والشركات الناشئة التابعة للشركات الكبرى الدولية spin-in بصندوقٍ مخصّص للابتكار يستثمر في الشركات الناشئة العالمية التقنية من المرحلة التأسيسية إلى أولى مراحل النمو (إلى حد مليوني دولار أمريكي).
طالبات في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية".
المال
من أجل زيادة نطاق وعمق عمليات تمويل المشاريع المغامرة الحالية التي يديرها القسم، أطلقت الجامعة صندوقاً لتمويل المشاريع المغامرة القائمة في السعودية، بالتعاون مع "المؤسّسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص" ICD، وهي ذراع القطاع الخاص لمجموعة "البنك الإسلامي للتنمية" Islamic Development Bank.
وفي هذا السياق، يهدف صندوق "منارة 1" Beacon I الذي أُطلق بالتعاون مع "أنفال كابيتال" Anfaal Capital، إلى ترويج وتعزيز تنمية سوق رؤوس الأموال المُخاطرة المحلية في السعودية، فيما سيبدأ العمل في منتصف عام 2016.
ويقول تريستان وولكر، نائب رئيس قسم "الإبداع والتنمية الاقتصادية" في الجامعة: "نحاول أن نسهّل إنشاء الشركات الناشئة أو مجيئها إلى السعودية بقدر الإمكان."
في هذا الوقت، يزداد اهتمام رؤوس الأموال المخاطِرة من حول العالم في الشرق الأوسط أيضاً، وخير مثال على ذلك تأسيس صندوق "500 فالكونز" 500 Falcons مؤخراً الذي يبلغ 30 مليون دولار من قبل "500 ستارتبس" 500 Startups من وادي السليكون.
ينوي هذا الصندوق القيام باستثمارات أولوية بقيمة 75 ألف دولار في شركات من المنطقة ما زالت في أولى مراحلها، كما والانضمام إلى شركات أخرى تستثمر في التقنية في الشرق الأوسط مثل "أويسيس 500" Oasis 500 في الأردن و "فلات6لابز" Flat6Labs في مصر.
رهانات ذكية
في حين تميل هذه الصناديق ومسرّعات النمو إلى التركيز على قطاعات مثل التجارة الإلكترونية ووسائل الإعلام الاجتماعي وغيرها من الأعمال التجارية على الإنترنت، تخطط "منارة 1" إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة وتحلية المياه والمواد المتقدمة الاستراتيجية للمنطقة.
(من اليسار إلى اليمين) نائب رئيس قسم "الابتكار والتنمية الاقتصادية" تريستان ووكر؛ والرئيس التنفيذي لـ"المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص"، أحمد مزني بن محمد؛ ومدير "صندوق الابتكار" في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية"، نيكولا بتيو).
ويقول نيكولا بتيو، مدير "صندوق الابتكار" في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST Innovation Fund، إنّ "رؤوس الأموال المخاطرة في المنطقة اليوم تهمل الاستثمار في هذه القطاعات. ومع ذلك، فإنّ فرص السوق المحلية الكبيرة ووجود جهات هامة في القطاع تجعلها جذابةً جداً بالنسبة إلينا."
يمكن اعتبار رؤوس الأموال المُخاطرة رهاناً ذكياً للمملكة، فهي تفيد في التعرف إلى التقنيات الجديدة وإطلاق المؤسَّسات الجديدة.
غير أنّ الرئيس التنفيذي لـ"أنفال كابيتال"، أحمد مزني بن محمد، يشير إلى أنّه وبما أنّ مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المحلي للبلاد تقلّ عن عشرين في المئة، فإنّ نسبة مساهمة رواد الأعمال التقنيين أصغر بعد على الأرجح.
ويقول إنّه "في بلدان أخرى نامية وصناعية، يمكن أن تبلغ هذه النسبة من 60 إلى 70 بالمئة. وبالتالي يجب أن تحظى هذه الإمكانات الموجودة في السعودية - والتي لم يتم استغلالها بعد - بالدعم والتطوير من أجل تنويع اقتصاد البلاد وسوق العمل."
هذه المبادرات كلّها مشجعة غير أنّ البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في السعودية ما زالت يافعة وحديثة العهد: فعملية تسجيل الشركات معقدة، ودفق الصفقات محدود، وعدد صناديق رؤوس الأموال المخاطرة قليل، وعمليات البيع والاستحواذ نادرة، كما أنّ الأنظمة والتشريعات المتعلّقة بالشركات الناشئة مرهقة جداً في معظم الحالات.
لذلك، ومن خلال مبادرات مثل صندوق "منارة 1"، يأمل السعوديون أن يتمكّنوا من تنويع اقتصادهم شيئاً فشيئاً وأن يبدأ الأجانب بالنظر إلى البلاد على أنّها أكثر من مجرّد منتِجٍ كبيرٍ للنفط.