لمَ يعود الروّاد المغاربة من فرنسا إلى بلدانهم؟
يبدو أن هذا المنظر يشكّل عاملاً إضافياً لصالح تونس. (الصورة من West East South North)
لقد قام الكثير من الرياديّين التونسيّين والمغربيين بإطلاق شركاتهم الناشئة في فرنسا، ولكنّ آخرين يختارون الآن العودةَ إلى بلدانهم الأصلية في المغرب العربيّ ليُطلِقوا أعمالهم فيها.
قد تبدو العودة غير منطقيةٍ، خصوصاً وأنّ البيئة الحاضنة في تونس والمغرب متأخّرةٌ جدّاً عمّا هي عليه في أوروبا. وذلك بالإضافة إلى صعوبة التمويل في المغرب العربيّ، كما أنّ الزبائن والشركاء ومقدّمي الخدمات غالباً ما يكونون أكثر في فرنسا والمملكة المتّحدة. وبالرغم من أنّ البيئة الحاضنة في المغرب العربي ليسَت مثاليةً لروّاد الأعمال، لا ينفكّ الروّاد يعودون إلى هذه المنطقة.
ولكنّ هذا ليس عملاً جنونياً، فالفرص في سوقٍ ناميةٍ هي فرصٌ كبيرة، ونوعية الحياة تختلف أيضاً: يقوم روّاد الأعمال هنا بإحداث فرقٍ بينما يتمتّعون بحياةٍ أقلّ إرهاقاً.
تحقيق الأثر
يقول كريم الجويني إنّ "تونس هي المكان الذي ولدتُ فيه، وهي حيث أريد أن أنشط وأن يكون لي أثر." هذا الرياديّ تقدّم شركته الناشئة "إكسبنسيا" Expensya خدمةً لإدارة النفقات، وهي تستهدف السوق الأوروبية، لأنّ تونس ما تزال متأخّرةً لناحية الأعمال التي تستهدف الأعمال B2B كما يشرح. وبالتالي، اختار هذا الجويني أن يبقى مقرّ شركته في تونس وأن يسافر إلى أوروبا باستمرار.
من جهته، تقول فاطم زهراء بياز، مؤسِّسة مساحة الأعمال المشتركة في الدار البيضاء، "نيو وورك لاب" New Work Lab، إنّ "الأثر الذي يمكن أن أتركه هنا أكبر بكثير من الذي يمكن أن أتركه في أيّ مكانٍ آخر."
حياةٌ أفضل
"تمتلك تونس مجتمعاً ريادياً متنامياً، وطاقةً كبيرة، والكثير من المواهب، بالإضافة إلى تكاليف أقلّ بكثر ممّا هي عليه في باريس،" كما تضيف بياز.
بسبب انخفاض كلفة المعيشة سواءً في تونس أو الدار البيضاء، يمكن لروّاد الأعمال تحمّل بعض الخدمات الإضافية والتمتّع بمستويات معيشةٍ أفضل، في الوقت الذي يركّزون فيه على مشاريعهم. فمن خلال المال الذي يوفّرونه، يمكنهم توظيف فريقٍ معهم، ما يعني ساعات عملٍ أقلّ ومزيداً من الوقت للاسترخاء والتمتّع بالحياة.
من الميزات الأخرى لإطلاق شركةٍ ناشئةٍ في هذه المنطقة، هي طريقة العيش المغاربية. فالشمس تسطع معظم أيّام السنة، ويوجد وجباتٌ لذيذةٌ مثل طبق الكسكس، بالإضافة إلى المناظر الطبيعية الخلّابة وحسن الضيافة.
وتقول بياز إنّه "من الجميل أن تعيش هنا، فوتيرة العيش أفضل؛ هنا أجد بقربي عائلتي وأصدقائي، وحتّى الشطآن." أمّا الجويني فيشير إلى أنّ "نوعية الحياة [في تونس] أفضل، كما أنّ الإحساس بالناس الذين تأثّروا إيجابياً، حتّى لو على نطاقٍ صغير، لهو أمرٌ رائع."
منافسةٌ أقلّ، فرص نجاحٍ أكبر
من الأمور المريحة للأعصاب، أنّ البيئة الحاضنة لا تضمّ الكثير من الناس ما يعني أنّ المجتمع الرياديّ أصغر؛ وهذا يودي إلى منافسةٍ أقلّ وتعاونٍ أكثر.
وفي هذا الشأن، تشرح بياز قائلةً إنّه "من المريح العمل هنا، فالناس مضيافون وحاضرون، ربّما لأنّ البيئة الحاضنة صغيرة."
بدوره، ياسر الإسماعيلي الذي أنشأ "تاكسي" Taxiii، تطبيق سيارات الأجرة المغربيّ الذي استحوذَت عليها "كريم" Careem مؤخّراً، يقول: "لقد تمكّنتُ من إطلاق شركتي الناشئة، وجذب انتباه لاعبٍ إقليميّ، والقيام بما أحبّ؛ كلّ ذلك ضمن بيئة عيشٍ جيّدة سمحَت لي بتمضية وقتٍ ثمينٍ مع زوجتي وأبنائي الثلاثة."
ومن ناحيته، يقول الجويني: "عل الصعيد العالميّ، وكذلك في فرنسا، أعتقد أنّني لم أكن لأنجح أو أحقّق ما وصلتٌ إليه."
من الصعب أن تكون رائد أعمال، كما من المهمّ أن تتواجد في مكانٍ ييسّر لك الأمور. وحتّى لو كانت الفرص كبيرة، فإذا لم تشعر بالسعادة وبالإلهام وبتواجد المحبّين حولك وبالصحّة الجيّدة، لن تستطيع الصمود والاستمرار في العمل على إقلاع شركتك.
ولذلك، إذا كان عليك اختيار المكان الذي تريد الانطلاق منه بعقلك، لا تنسَ قلبك أيضاً.