التكنولوجيا غزت العالم والمنطقة.. والأعمال
سبق ونُشرت هذ المقالة على "بوستمينا" Boostmena.
تأسّسَت "جوجل" Google عام 1998، و"فايسبوك" Facebook عام 2004. وقبل 15 عاماً، أي قبل نشوء هذه الشركات، لم يكن لدى الشركات أيّ طريقةٍ لتسويق نفسها على الإنترنت. فكّروا بالأمر لبرهة؛ لم يكن يوجد أيّ طريقةٍ لتوزيع المنتَجات من خلال الإنترنت قبلاً.
واليوم، يمكن للناس أن يُطلقوا حملاتٍ للإعلانات الهادفة على كلتا المنصّتَين، لمساعدة نفسها في السوق وتوزيع منتَجاتها أو خدماتها من خلال عدّة نقراتٍ وحسب، وبسعرٍ معقول.
التغييرات التي طرأت بسبب التكنولوجيا هائلة، وهناك المزيد في الانتظار. (الصورة من Learnex.co.za)
ظهر هاتف "آيفون" iPhone إلى العلن عام 2007، أي قبل 8 أعوامٍ فقط، وقد باعَت "آبل" Apple حتّى اليوم أكثر من 700 مليون هاتف "آيفون" خلال هذه السنوات الثمانية فقط. من جهةٍ ثانية، تمّ شحن أكثر من 1.4 مليار هاتفٍ ذكيٍّ عالمياً خلال عام 2014 وحده. وبينما كان في عام 2000 لا يوجد إلّا 390 مليون مستخدِمٍ للإنترنت عالمياً، فإنّهم اليوم يتخطّون 3 مليارات مستخدِم. كلّ هذا حصل في غضون 15 عاماً؛ الكلّ بات متّصلاً ويمكنهم الوصول إلى أيّ شيءٍ يريدونه أو يحتاجونه بنقرةٍ واحدة او بلمسة.
اعتماد التكنولوجيا من قبل المستهلِكين والشركات، سمح لها بأن تُنشئ كفاءاتٍ لك تكن موجودةً من قبل. ومع هذا الاعتماد الواسع، فإنّ الشركات باتت قادرةً على استخراج قيمةٍ كبيرةٍ من وفورات الحجم. وقد باتت قادرةً أيضاً على الوصول إلى عملائها المستهدَفين بشكلٍ أسرع وأكثر فعالية، وتنفيذ الأمور بكفاءةٍ أكبر، وكلّ هذا في ظلّ خفضٍ كبيرٍ للتكاليف.
التكنولوجيا غيّرَت الطريقة التي نقوم بها بكلّ شيء، بدءاً من استهلاك المعلومات على الويب، وصولاً إلى تغيير الطريقة التي نسافر بها، والطريقة التي نسلّي أنفسنا بها، وطريقة دفع ثمن الأشياء التي نشتريها، وطريقة أكلنا، ونشاطاتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية. نحن الآن في الجزء الأول من دورة اعتماد الابتكار، حيث تنتشر الآن الصناعات الكبيرة مع التكنولوجيا. وفي هذا السياق، سوف نأخذ التوظيف، والعقارات، والمواد الغذائية والمشروبات كأمثلة.
المستقبل مفتوحٌ على مصراعيه. (الصورة من Pinterest)
فيما سبق، كان الإعلان عن وظيفةٍ يتمّ ضمن قسم الإعلانات المبوّبة في الجرائد، مقابل رسمٍ معيّن. ولكنّ هذا الإعلان لم يكن ليلفت الانتباه بالشكل المطلوب، إضافةً إلى ما تستغرقه عملية إدارة الطلبات من مشقّةٍ، حيث تضطرّ الشركة إلى استقبال الاتّصالات الهاتفية والكثير من رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل العادية وحتّى الفاكسات في أفضل الأحوال؛ كلّ هذا من شأنه أن يصعّب عملية التصفية، كما يحتاج إلى وقتٍ طويل. في المقابل، فإنّ الإنترنت غيّرت كلّ ذلك من خلال الاستفادة من الويب على أنّه قناة "توزيعٍ خارقة" تسمح لصاحب العمل باستهداف جمهورٍ أكبر عبر رقعةٍ جغرافيةٍ أوسع. وبالتالي، سيحصل على عددٍ أكبر من المرشّحين الذي يُمنَحون الأولوية أوتوماتيكياً وفقاً للتصفيات التي حدّدوها مسبقاً، في وقتٍ لا يتكلّف الأشخاص كثيراً.
واليوم، غيّرَت مواقع التوظيف هذه القطاع بأكمله، كما أوجدَت شركاتٍ كبيرةً أيضاً. وعلى الصعيد العالمي، فإنّ "لينكدإن" Linkedin هائلة الحجم، وهي تساوي 24 مليار دولار، بالإضافة إلى "إنديد" Indeed التي تمّ الاستحواذ عليها بقيمة مليار دولار من قبل "ريكروت" Recruit. أمّا في الشرق الأوسط، فإنّ "بيت" Bayt.com هي الرائدة في هذا المجال، كما يوجد بعض الشركات الكبيرة مثل "جولف تالنت" GulfTalent في دبي، و"مهنتي" Mihnati في السعودية، و"أخطبوط"Akhtaboot في الأردن.
قطاع العقارات شهد التحوّلات نفسها، ففي السابق كان يُعلَن عن العقارات في منشوراتٍ مطبوعة وفي الجرائد، في سبيل الإعلان عن التأجير أو البيع.
واليوم، حوّلَت الإنترنت الكثير من الشركات باتّجاه الويب، حيث بات الوسطاء يدفعون رسوماً شهريةً لإدراج عقاراتهم التي يريدون تأجيرها أو بيعها، واستهداف جمهورٍ أوسع وأكثر ملاءمةً لتحويل أعضائه إلى زبائن فعليين. نموذج العمل هذا أثبت أنّه مربحٌ جدّاً، كما ساهم في إنشاء عدّة شركات كبيرةٍ إلى حدٍّ ما مثل "رايت موف" Rightmove في بريطانيا و"زيللو" Zillow في الولايات المتّحدة.
من ناحيةٍ أخرى، يوجد في الشرق الأوسط بعض اللاعبين الناشئين، مثل "بروبرتي فايندرز" PropertyFinders ومقرّها الإمارات، و"عقار ماب" Aqarmap في مصر. هذا التحوّل من الطباعة إلى الرقمنة قد أصبح توجّهاً عامّاً في المنطقة، ومن المرجّح أن يستمرّ طالما يُقبل مزيدٌ من الناس على الإنترنت.
التواصل الذي تحقّق بفضل الهواتف الذكية نتجَت عنه كفاءاتٌ التي لم تكن موجودةً من قبل. (الصورة من Justcreative.com)
قطاع المواد الغذائية والمشروبات هو من القطاعات الأخرى التي تمّ تغييرها بفضل التكنولوجيا. فطلب الطعام الذي كان يتمّ عبر الاتّصال بالمطعم مباشرةً، بات يمكن القيام به اليوم عبر تطبيقٍ للهاتف يضمّ كلّ المطاعم في مكانٍ واحد، ويسمح للمستخدِم بطلب الطعام والدفع على الهاتف مباشرةً.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الحجوزات في المطاعم باتت تتمّ بسهولةٍ أكبر، وذلك من خلال عدّة نقراتٍ على حاسوبك أو من خلال تطبيقٍ على هاتفك الذكيّ. وهذه الأداة باتت عاديةً بالنسبة إلى مستخدِمٍ يطلب الطعام أو يحجز في المطعم أسبوعياً.
إنّ الشركات التكنولوجية قد ساهمَت كثيراً بتسهيل الطلب على المستخدِم وتسهيل اكتساب العملاء على التاجر، وكانت قادرةً على الاستفادة من ذلك من خلال نموذج أعمالٍ مربحٍ جدّاً. ففي الولايات المتّحدة، شركة "أوبن تايبل" OpenTable التي تسمح للمستخدِمين بحجز طاولةٍ عبر الإنترنت حصلَت مؤخّراً على 2.6 مليار دولار؛ وفي الهند، شركة "زوماتو" Zomato التي تسمح للمستخدِمين بالبحث عن مطاعم وقوائم طعامٍ جديدةٍ واكتشافها، تقدَّر فيمتها الآن بحو 600 مليون دولار. كما يوجد شركاتٌ أخرى، مثل "طلبات" Talabat في الكويت التي تمّ الاستحواذ عليها مقابل 170 مليون دولار، و"راوند منيو" RoundMenu في الإمارات، و"ريزيرف آوت" ReserveOut في الأردن التي تمتلك إمكاناتٍ كبيرة.
البحوث الواضحة والشبكات الاجتماعية بالإضافة إلى انتشار الهواتف الذكية، ساهمَت في تغيير الكثير من القطاعات؛ وهذا التحوّل سوف يستمرّ. تدخل التكنولوجيا إلى المزيد والمزيد من القطعات، فتؤدّي إلى زيادة الكفاءة، وخلق فرص عمل جديدة، وتؤسّس لعمالقة التكنولوجيا في المستقبل.
الدليل على ذلك يظهر في سيطرة التكنولوجيا على وول ستريت.
فاليوم، تساوي القيمة السوقية لشركة "آبل" Apple (حوالي 760 مليار دولار) أكثر من قيمة "جولدمان ساكس" Goldman Sachs و"مورغان ستانلي" Morgan Stanley و"سيتي جروب" Citygroup و"بنك باركليز"Barclays Bank مجتمِعِين (حوالي 574 مليار دولار). هذه القيمة الهائلة تمّ إنشاؤها فقط على مدى السنوات السبع الماضية، وهذا سوف يستمرّ. وفي الوقت الحاليّ، يتمّ استقطاب أصحاب المواهب المميّزة من قبل شركات التكنولوجيا بدلاً من البنوك، حيث يحافظ قطاع التكنولوجيا على كونه قطاعاً أكثر ربحاً. وبالتالي، فإنّ هذا يسلّط الضوء على الطلب وقوّة التكنولوجيا، في وقتٍ نشهد ذلك يحدث في منطقتنا في الوقت الحاليّ.
لا نزال في بداية هذه الدورة في منطقة الشرق الأوسط، ولكن في وقتٍ تصبح النماذج العالمية محلّيةً أكثر، وفي وقتٍ تتوجّه فيه المطبوعات نحو العالم الرقميّ، سوف نشهد الكثير من الفرص الكثيرة الناشئة. أمّا نحن في "بيكو كابيتال" BECO Capital، فقد بدأنا للتوّ بالاستثمار في بعض هذه الشركات الرائعة، معتقدين بأنّه يمكننا بناء أعمالٍ ناجحةٍ تغيّر القطاعات وتُنشئ مزيداً من الفرص للمستهلِكين المحلّيين والأعمال.