ماذا تعرف عن حاضنات الأعمال ومسرّعات النموّ في إيران؟
لقد خاضَت الساحة الريادية في إيران نقلةً هادئةً، إنّما قوية، على مرّ العام المنصرم. فعلى الرغم من بطء الإنترنت وفشل البنى التحتية وكثرة العقوبات الدولية، نرى مؤخّراً شركاتٍ ناشئةً تنبثق من كلّ مكانٍ في البلاد.
ومع الاتّفاق النووي الذي تمّ التوصّل إليه هذا الأسبوع، والأموال الدولية المنتظر أن تبدأ بالتدفق إلى البلاد، وتمكّن الشركات الناشئة الإيرانية أخيراً من التوسّع دولياً، باتَت هذه النقلة جاهزةً للمرحلة التالية.
ولكن، ونظراً إلى أنّ البيئة الحاضنة ما زالت يافعةً في هذا البلد، تحتاج الشركات الناشئة إلى بنيةٍ تحتيةٍ داعمةٍ ترشدها وتوصلها بالخبراء وتعرّفها إلى روّاد أعمال آخرين، وتوفّر لها التمويل الأساسي إذا أمكن أيضاً.
تضمّ إيران اليوم حاضنات أعمالٍ كثيرةً تملكها الحكومة وتديرها باتّباع نهج تقليدي قديم، لكنّ الملفت فعلاً الآن هو نموّ المؤسَّسات الخاصّة (غير المدعومة من الحكومة).
في إيران، تدعو معظم الجهات الخاصّة ‘نفسها مسرّعات نموّ‘. ويبلغ عدد هذه الجهات ثلاث، وهي في معظمها متحفّظةٌ للغاية إلى درجة أنّه يصعب جمع المعلومات عنها، غير أنّ واحدةً منها فقط تتماشى فعلاً مع تعريف مسرّعة النموّ الحقيقي.
هذه الشركة الناشئة "مابس" نمَت ليصبح لديها أكثر من 20 موظّفاً. (الصورة من "مابس")
"مابس" Maps (أي "خرائط" بالإنجليزية)، التي تدعو نفسها "مسرّعة النمو ومؤسَّسة الاستثمار التأسيسيّ الأولى في مجتمع التقنيات العالية الإيراني"، أطلقها فريد كورانجي عام 2012. و"مابس" هي قبل كلّ شيء مجموعة مستثمِرين تأسيسيين في الأعمال، مؤلّفةٌ من خمسة مستثمرين عادوا جميعهم إلى وطنهم إيران بعد قضاء أكثر من 25 عاماً في الخارج. وبهذا الشأن يقول كورانجي إنّه "لم يكن هناك ما يكفي من روّاد الأعمال الجديرين بالحصول على استثمارٍ منّا. لذا أنشأنا حاضنة أعمال."
تدرّب "مابس" روّاد الأعمال على كيفية إدارة مؤسَّساتهم الخاصّة من نواحٍ تشمل التحدّيات القانونية والمالية والإدارة العامة وإدارة الموارد البشرية والتفكير التصميمي وحلّ المشاكل، وذلك على مرّ 18 شهراً وقد تُخفّض هذه الفترة إلى 12 شهراً. يتلقّى هؤلاء الروّاد 5 ساعاتٍ من التدريب الإلزامي في الأسبوع، ومن ثمّ إرشاداً على التدريب العمليّ. وتمتلك "مابس" مساحةً تتّسع لفرق الشركات الناشئة التي تحتضنها، والتي يبلغ عدد أعضائها 22 شخصاً، بالإضافة إلى الشركاء المؤسِّسين الخمس.
في ما سبق، بحلول نهاية عام 2014، كان الشركاء قد استثمروا في ما لا يزيد عن ثلاث شركاتٍ ناشئة، في وقتٍ كانوا لا يزالون يختبرون فيه نموذج حاضنة الأعمال، وفقاً لكورانجي. وعن عام 2015، لم نتمكّن من الحصول على معلوماتٍ بعد في ما خصّ عدد الشركات الناشئة التي استثمروا فيها.
أمّا من الشركات الناشئة التي سبق لهم أن استثمروا فيها، نذكر موقع الدليل الطبّي "شفاجو" Shafajoo، ومنصّة برمجية البيانات الضخمة "مِراس" Miras (التي تتم إدارتها من لوكسمبورج لبلوغ السوق الدولية)، مع الإشارة إلى أنّ هذه الشركات تستحوذ على "اهتمامٍ محلّيٍّ ودوليّ، وهي قادرة على الحصول على حصصٍ من السوق تبلغ قيمتها ملايين الدولارات،" وفقاً لكورانجي.
عندما طلبنا من كورانجي بعض المعلومات حول نموذج الأعمال والمبالغ التي تمّ استثمارها، أعرب لنا أنّه يفضّل عدم الكشف عن المزيد حول الشركات التي استثمروا فيها، ولا عن نموذج الاستثمار ولا عن المقاربة المعتمَدة. وجلّ ما قاله لنا هو إنّ لديهم ما يكفي من المال للاستثمار في الشركات لخمس سنواتٍ إضافية، وأنّهم ينوون الخروج منها عبر الاكتتاب العام IPO أو الاستحواذ، في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.
كانت المؤسَّسة متحفظةً عموماً، إذ ليس لديها موقع إلكتروني حتّى. وفي هذا الإطار، قال لنا: "إذا التزمتَ الهدوء وبقيتَ متحفّظاً، لا تزعجك [الحكومة وأجهزتها]، وإلاّ تأتي [وتحدث المتاعب]." هذا ما يراه كورانجي، وبخاصّةٍ إذا كان المؤسِّسون من الجالية الإيرانية في الخارج.
الشركة الناشئة "ديموند" تستشكف تطبيقاتٍ جيدةً للأعمال في فعاليةٍ نظّمَتها "مكتوب". (الصورة من Maqtoob)
أُطلقَت "ديموند" Dmond على يد أحمد رضا مسرور في أوائل عام 2014 كفرع لمركز "بلاج أند بلاي تك سنتر" Plug and Play Tech Center، مع أنّ اسمها غير مدرجٍ على موقع "بلاج أند بلاي".
تقدّم هذه الشركة الناشئة برنامجاً مسبقاً لتسريع النموّ pre-acceleration يمتدّ على ثلاثة أشهر للشركات الناشئة التي لديها نموذجٌ أوّلي لمنتَجها (منتَج قابل للنموّ بالحدّ الأدنى minimum viable product) وخطّة عمل أولية. في خلال هذا المخيم المخصّص للشركات الناشئة، يتمّ تعريف هذه الأخيرة إلى شبكة شركات "بلاج أند بلاي" الناشئة. وبعد ذلك، يمكن للشركات الناشئة أن تنضمّ إلى برنامج تسريع النموّ الذي يمتد على ستّة أشهر، وأن تحصل على ما يتراوح بين 15 و30 ألف دولار على شكل رأسمالٍ تأسيسيٍّ مقابل حصّةٍ من الشركة تتراوح ما بين 10 و30 بالمئة.
ولكن من غير الواضح جدّاً ما هو الفرق تحديداً بين المرحلتين، بما أنّه يبدو أنّ كلاهما يقدّمان مجموعةً من "ورش العمل المنظّمة والخطابات ودورات الإرشاد كما والتدريب فعال." ويمكن للشركات الناشئة أن تعمل من مكاتب "ديموند" الفاخرة في جامعة "شريف للتكنولوجيا" الشهيرة، مقابل سعرٍ مخفّضٍ مدعوم.
وتماماً مثل "مابس"، لا تعمل "ديموند" مع دفعات من الشركات الناشئة، بل يمكن للشركات التي قدّمَت طلباً أن تنضمّ إلى البرنامج حالما يتمّ قبولها، ولا يدوم البرنامج بأكمله أكثر من تسعة أشهر. من جهةٍ ثانية، يأتي المال من الشركاء المؤسِّسين، لذا لا تُعتَبر المؤسَّسة مسرّعة نموٍّ فعلية بالمعنى التقليدي للمصطلح، إنّما كحاضنة أعمالٍ مموّلةٍ من مستثمِرين تأسيسيين، ويمكن القول إنّها تعتمد نماذج ملفتةً فعلاً.
وحتى الآن، ومن خلال تمويل المؤسِّسين الخاص، استثمرَت "ديموند" في ثلاث شركاتٍ ناشئة هي: تطبيق البثّ التدفقي للموسيقى على الإنترنت music streaming، "نفاك" Navaak؛ وتطبيق الويب الخاصّ بالصيدلة، "نسخه پيش" Noskhepich؛ وتطبيق أخذ مواعيد الرعاية الطبية، "پزشک خوب" Pezeshkekhoob.com. وأيضاً كما في حالة "مابس"، كان جمع المعلومات عن "ديموند" أصعب من المتوقّع.
خلال يوم العروض الأوّل الذي نظّمَته "آفاتِك". (الصورة من Avatech)
أما "آفاتك" Avatech، فهو برنامجٌ لتسريع نموّ الشركات الناشئة، أطلقه محسن ملايرى وسعيد الرحماني عام 2014، وهو يزوّد روّاد الأعمال بالتدريب والتمويل التأسيسيّ وفسحةٍ عمل إبداعيةٍ لفترة ستّة أشهر.
وسبق لـ"آفاتك" أن سرّعَت نموّ عشر شركاتٍ ناشئة، بما فيها "ريحون" Reyhoon، وهي خدمةٌ لتوصيل الطعام باتَت الأكثر شعبية في إيران؛ و"كايسنا" KSNA، وهي سوقٌ للفيديوهات التعليمية باللغة الفارسية؛ و"كافي تيونز" CafeTunes، وهي تطبيقٌ للويب والهاتف المحمول يمكّن المستخدِم من التحكّم بالموسيقى التي تُعزف من حوله؛ و"لندم" Lendem، وهي شبكة اجتماعية على الهواتف النقالة تسهّل تبادل الأغراض المادّية بين المستخدِمين، كما كنّا قد ذكرنا سابقاً في "ومضة".
والشركات الناشئة التي تمّ قبولها في البرنامج، حصلَت على ما يوازي 8 آلاف دولار على شكل تمويل، إلى جانب 30 ألف دولار من شبكة المستثمِرين التأسيسيّين الخاصّة بمسرّعة النموّ. كما وحصلَت الشركات المشاركة على إمكانية النفاذ إلى شبكةٍ من المرشدين والداعمين وورش العمل المحلّيّة والدوليّة، كما وعلى فسحة عمل في "بارك برديس للتكنولوجيا"Pardis Technology Park (پارک فناوری پردیس) لفترة أربعة أشهر. وفي المقابل، حصلَت "أفاتك" على 15 بالمئة من أسهم هذه الشركات.
وخلال السنوات الثلاثة القادمة، ذكر ملايرى أنّ مؤسَّسته تسعى إلى تسريع نموّ 100 فريق والتوسّع إلى أماكن أخرى بحلول العام القادم، "إمّا عبر التوسّع عمودياً لضمّ مجال الهواتف المحمولة أو الصحة أو التكنولوجيا المالية، وإمّا عبر التوسّع بكلّ بساطةٍ إلى مدينةٍ أخرى في إيران."
قد يهمّك قراءة هذه المواضيع أيضاً: