الهوية التونسية والتصاميم المرحة يصنعان شركة ناجحة
سفيان بن شعبان في المتجر-المقهى "اليوم" الذي اففتح حديثاً في منطقة المرسى. (الصور من كريستين بيتريه)
للوهلة الاولى، قد يبدو شراء ملابسك من إحدى سلاسل المتاجر العالمية كـ"زارا" أو من الاسواق الشعبية أو من الخارج أمراً طبيعياً، ولكن المثير للدهشة أن تتسوّق من الخارج بينما يُعدّ موطنك سادس أكبر مصدر للأقمشة إلى أوروبا.
هذا ما حدث مع سفيان وكلير بن شعبان، المواطنان التونسيان اللذان كانا يفكّران في إنشاء علامةٍ تجاريةٍ تونسية لملابس ذات جودةٍ عالية، خلال فترةٍ ليسَت بقصيرة. وبعدما عجّلَت الثورة التونسية بتنفيذهما لهذه الفكرة، قرّر الزوجان العودة من باريس لسدّ احتياجات السوق وتحويل الفكرة إلى واقع. "أردنا أن نصبح جزءاً من واقع تونس الجديد. نريد أن نشارك في بناء الاقتصاد التونسي،" يقول سفيان.
فتحَت "اليوم" Lyoum أبوابها في تموز/يونيو عام 2012 بعلامةٍ تجاريةٍ مخصّصةٍ للأطفال، بالإضافة إلى مقهى أنيقٍ وعصري في ضاحية المرسى الغنية إلى الشمال من تونس العاصمة. ويشرح سفيان قصّة دخولهما السوق بقوله: "لم تكن هناك علامة تجارية مميزة للأطفال، فقرّرنا أن نصنع واحدة بأنفسنا."
والآن، نرى "اليوم" وقد أصبحَت معروفةً بطبعاتها الجريئة على الملابس مثل "نيشته يحبّ الشكشوكة" و"بوفوار أحَبّ البقلاوة."
"وارهول أحَبَّ الكسكس"
في السنة الماضية، وأثناء معرض الخريف في متحف الباردو Bardo الذي احتفل بالذكرى المائة للرحلة التي قام بها الفنّانون بول كلي Paul Klee وأوجست ماكي Auguste Macke ولويس موييه Louis Moillet إلى تونس وأثّرَت على أعمالهم الفنية وحوّلتها جذرياً، خطرَت الفكرة على بال الزوجَين. ويقول سفيان ضاحكاً: "تخيّلنا ماذا الذي كان يفعله هؤلاء الفنانون في تونس، ماذا أكلوا؟ وماذا كانت أكلتهم المفضلة؟" وبكلّ بساطة، وُلدَت هذه الفكرة.
وفي كانون الثاني/يناير من عام 2015، كانَت المجموعة الجديدة والأولى للبالغين قد جهزَت، ولم يكن ينقصهم إلّا بعض التغطية الإعلامية للحدث. "نعم، بإمكانك أن تحظى بمنتَجٍ رائع، ولكن هذا لا يعني شيئاً إن لم يشاهده أحدٌ أو يُعره اهتماماً،" وفقاً لسفيان. بحث المؤسِّسان عن وسيلةٍ لتسويق منتَجهم، فقرّرا التواصل مع عددٍ من الفنّانين والمدوّنين والأشخاص المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، فأرسلوا لهم حقيبةً تحتوي على بيانٍ صحفيٍّ وقميصٍ من المجموعة الجديدة بالإضافة إلى هدية. و"تلك كانت لحظة الحقيقة."
"لم نكن نتخيّل هذه النتيجة؛ لقد بيعَت منتجاتنا في غضون أسبوعين،" يضيف هذا الرائد الذي عرف مع شريكته أنّهما في طريقهما نحو شيءٍ مميّزٍ بعدما انهالَت عليهما طلبات الملابس من الخارج.
عندما يصبح الكلام مطبوعا على تي-شيرت، فلا بدّ أن يكون صحيحاً.
يلفت سفيان أيضاً إلى أهمية التنفيذ الصحيح، للفكرة، ويقول إنّ" البحث عن مورّدين ممتازين استغرق وقتاً طويلاً، لأنّنا لن نخاطر بجودة ملابسنا. فجودة علامتنا التجارية ستكون سبب بقائنا في السوق. وعندما يأتي العملاء للشراء مرّةً أخرى، سنكون قد نجحنا."
محاربة العقلية الجامدة
في البداية كان الأمر صعباً، حيث "بدأنا دون أن نعرف أحداً،" كما يخبرنا سفيان. ففي تلك الأثناء، ترك الزوجان خلفهما كلّ شيءٍ في فرنسا وأتيا إلى تونس بطفليهما من أجل فكرةٍ آمنا بها، وبخطّة عملٍ ورأس مالٍ شخصيّ يساعدهما على البدء بالتنفيذ.
"أنتما صغيران جداً،" كان الردّ المعتاد الذي تلقّته "اليوم" في البداية. فقد رفض أغلب المصنّعين العمل مع سفيان وكلير بسبب الكميات الصغيرة التي طلباها، بالإضافة إلى المعتقد السائد بأنّ الصناعات المحلّية تفتقر إلى الجودة. وعن هذا الأمر يقول سفيان: "لقد قضينا أشهراً عديدةً والأبواب تُغلَق في وجوهنا." كان لهذا أثرٌ سلبيّ على الزوجين، اذ كاد أن يقتل الفكرة قبل أن تولد. وعلى الرغم من ذلك، رفضا الاستسلام ووجدا أخيراً بالقرب من مدينة سوسة - معقل صناعات الأقمشة في تونس - فريقاً من المصنّعين الشباب آمن بالفكرة وتعجّب من عدم وجود فكرةٍ مماثلةٍ لها.
الابتكار في كل ما يقومون به
لعب وجود المقهى دوراً محورياً للشركة، وبالرغم من سخرية بعض الاشخاص عند سماعهم لمثل هذه الفكرة، إلّا أّنها نجحَت. يخبرنا سفيان أّن المقهى ساعدهم "لأنّك لا تقوم بشراء الملابس كلّ يوم، ولكنّك تذهب لتناول القهوة كلّ يوم." لقد أدّى هذا إلى إعطاء العملاء فرصةً للتعرف على "اليوم" في الوقت نفسه الذي يتناولون فيه القهوة، ممّا ساعد في إعطاء العلامة شخصيتها المميزة. وتمّ عرض الملابس في بوتيك (متجر صغير) ذي طابعٍ عائلي، يهدف إلى جعل الزبون يشعر كما لو أنّ أحدهم يرحّب به في غرفة المعيشة، أضِف إلى وجود ركن مخصّص لأنشطة الاطفال.
إنّ الابتكار هو عنصر شديد الأهمية بالنسبة لسفيان الذي يعزي الأمر إلى غياب حقوق الملكية التجارية هنا مقارنةً مع أوروبا، ويقول: "نحاول أن نضيف عنصر الابتكار لكلّ ما نقوم به." وفيما يجدر بك كرائد عمال أن تقوم بالمخاطرة، يجب ألا تخاف من الفشل، "لأنّ الرحلة أكثر أهمية من نقطة الوصول."
متجر"اليوم" في المرسى.
المنتجات المحلية تبيع أكثر
ازدادَت مبيعات "اليوم" بصورةٍ واضحةٍ منذ إطلاقها مجموعةً للبالغين، فاتحةً بذلك الباب أمام عملاء جدد. ويعتبر سفيان أنّ شركته تستهدف الأشخاص الذين لا يخافون مما هو مختلف، إذا "لا يهمّ العمر والأصل والدخل بقدر ما يهمّ حالتك المزاجية وطريقة تفكيرك" في اختيار الملابس.
بالإضافة إلى ذلك، تهدف "اليوم" إلى إظهار تاريخ تونس الغنيّ وثقافاتها المتعدّدة. فوفقاً لسفيان، "يميل الكثير من التونسيين إلى فكرة ارتداء ملابس منتمية للثقافة التونسية، كما أنّ الكثير من الأجانب يرغبون في إحضار شيءٍ تونسيٍّ أصيل إلى بلادهم."
ولذلك، كانَت إتاحة ملابس "اليوم" أمام جمهورٍ أكبر، وكذلك صناعة تي-شيرت سهل الارتداء، أمراً مهمّاً لكلٍّ من سفيان وكلير اللذين حاولا أيضاً إبقاء الأسعار في المدى المتوسط - بين 20 و25 يورو- بدون التضحية بجودة الملابس.
وحيث تجد في تونس كثيراً من الأشخاص الذين يقضون أوقاتهم في الأماكن نفسها، أراد سفيان أن يعطى لكلّ تصميمٍ صفته الفريدة. ونتيجةً لذلك، تبيع "اليوم" في الوقت الحالي تصاميم مختلفة ومتعدّدة بأرقامٍ محدّدةٍ لكلٍّ منها، في متجرَين منفصلين بتونس: المتجر-المقهى القديم في المرسى، ومتجر آخر جديد عمره شهر واحد في منطقة المنزه، وهي ضاحية أخرى للعاصمة التونسية. هذا ويستطيع العملاء أيضاً شراء منتَجات "اليوم" من عدّة محلّات بيعٍ بالتجزئة في فرنسا، كما يمكنهم الشراء على الإنترنت.
أما الآن، وفي الأشهر القادمة، سينصبّ التركيز على ترسيخ هذه العلامة التجارية في منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط والولايات المتحدة، إذ يقول سفيان: "ربّما سنقضي الأشهر الثلاثة الأخيرة في السفر، حيث سنجتمع مع تجّار التجزئة ونبحث عن شراكات محتملة."