البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في إيران: جاهزة ومستعدّة؟
لطالما كانت إيران تحت المجهر (الصورة من LobeLog.com)
خلال زيارةٍ قام بها عام 2013، لم يرَ سهيل علوي الكثير من الفرص في المجال التكنولوجيّ في طهران.
ولكن بعد 18 شهراً، اضطرّ للعودة إلى المدينة بعدما توفّي والده. وما رآه هذا المطوّر الإيرانيّ الذي يستقرّ في تورونتو هذه المرّة ترك عنده انطباعاً مغايراً للغاية. ويقول في حديثه مع "ومضة": "لقد طار عقلي، فقد رأيتُ كلّ العناصر الخاصّة بالبيئة الحاضنة للشركات الناشئة مجتمِعةٌ سويّاً."
لقد قرّر علوي (الصورة أدناه) أن يعود إلى دياره للاستفادة من الفرص الريادية التي شعر أنّها قيد النشوء. وفي حين لم يكن يخلُ نموّ البيئة الحاضنة للشركات الناشئة من الصعوبات، إلّا أنّ الأمور أخذَت بالتحسّن نحو الأفضل وليس أقلّها الاستثمارات.
على ما يبدو، فإنّ التطوّر السريع للبيئة الحاضنة للشركات الناشئة قد ساعدها الوقت الذي استغرقَته المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. هذا في وقتٍ يكثر فيه الحديث دولياً عن فرصٍ لاستثمارات مستقبلية في الشركات الناشئة، وذلك كلّما ازدادت إمكانية إنهاء العقوبات.
وبعدما تمّ الإعلان عن توقيع الاتّفاق في الأسبوع الماضي، يستعدّ المستثمِرون الدوليّون للحصول على فرصةٍ للانقضاض على هذه القطاعات المربحة.
إنّه وقت الاستثمار
إنّ إيران هي سادس بلدٍ يمتلك استثماراتٍ خارجيةٍ في العالم، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum، ما يعني أنّ الحواجز أمام الغرب ليسَت كبيرةً ولكنّ الاستثمارات لا تأتي بسهولة.
في العادة، تشتمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذا البلد على النفط والغاز وصناعة السيارات وتعدين النحاس والبتروكيماويات والأغذية والأدوية، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية حصل اهتمامٌ متزايدٌ بقطاع التكنولوجيا الناشئ في إيران.
وفيما سبق، عام 2013، فإنّ محسن ملايري، مؤسِّس أوّل مسرّعة أعمالٍ في إيران هي "آفاتِك" Avatech التي تستقرّ في طهران، كان قد نشر تدوينةً على صفحة المجتمع في "ومضة"، تحدّث فيها عن التغييرات القادمة إلى البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في البلاد. وقال إنّه بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية، "تستعدّ إيران لاتّخاذ خطواتٍ كبيرةً إلى الأمام، وهي منطقة منطلقة بالفعل في التكنولوجيا والشركات الناشئة."
في الواقع، يبلغ معدّل انتشار الإنترنت والهواتف الذكية مستوياتٍ مرتفعة. فوفقاً لموقع "إنترنت وورلد ستاتس" Internet World Stats، يوجد في إيران أكثر من 46 مليون مستخدِم، وهو ما يقارب نصف إجمالي عدد مستخدِمي الإنترنت في الشرق الأوسط.
أضِف إلى ذلك أنّ هذه السوق التي تضمّ 80 مليون نسمة، تشهد عدداً كبيراً من الشباب تصل نسبته إلى ثلثي عدد السكّان.
اهتمامٌ متزايد
يتمّ ترجمة الاهتمام في الوقت الحاليّ إلى عمل، إذ يوجد عددٌ من الفعاليات خارج البلاد تقوم بصياغة العلاقات وتثقيف المستثمِرين.
ففي أيلول القادم، سوف تعقد النسخة الثانية من ‘منتدى أوروبا وإيران‘ بتنظيمٍ من مجموعة "بي أتش بي إميساري" BHB Emissary البريطانية. ويقول الشريك المؤسِّس لهذه الفعالية، إسفنديار باتمانجيلدج Esfandyar Batmanghelidj، في خديثه لـ"ومضة" إنّ المستثمِرين يهتمّون عادةً بالقطاع المصرفي والمالي، ولكن بات الاهتمام بالتكنولوجيا يتزايد في الوقت الحالي. من جهةٍ ثانية، سوف يستضيف المنتدى الذي سيقيمونه ندوةً مخصّصةً للاستثمارات الجديدة في مجال الإنترنت القادمة إلى إيران.
تجمّع كبير للإيرانيين في برلين. (الصورة من iBridges)
استضافَت برلين مؤخّراً فعاليةً وصفَتها "فاينانشال تايمز" بأنّها "أكبر تجمّع للإيرانيين خارج إيران منذ 30 عاماً." وهذه الفعالية التي تُسمّى آي بريدجز" iBridges وشارك فيها أكثر من 500 شركةٍ تكنولوجية ناشئة، صُمِّمَت لتكون منتدىً للشركات الناشئة التي تستقرّ في إيران، ولتكون بمثابة "منفذٍ إلى الغرب لتبادل المعارف والأفكار والخبرات،" بحسب المنظّمين.
"لقد حصلنا على مستثمرٍ تأسيسيٍّ من سنغافورة،" يقول فرهاد هدايتي فارد، الشريك المؤسِّس لـ"تسكولو" Taskulu، وهي برمجية لإدارة المشاريع للشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم. ويضيف أنّه على الرغم من تواصله مع مستثمِرين أجانب، إلّا أنّه وجد تجربة الحصول على استثمارٍ أجنبيٍّ تشكّل أمراً استثنائياً. ويقول في حديثه مع "ومضة": "قال بعض الأصدقاء إنّه من الصعب جدّاً إقناع مستثمِرٍ أجنبيّ بالاستثمار في شركةٍ ناشئةٍ إيرانية، وذلك قبل أن يستقرّ المؤسِّس في بلدٍ آخر."
ويقول هدايتي فارد إنّ العمل مع مستثمِرين أجانب قبل إنشاء شركته الناشئة، يعني أنّه قد نجح في بناء شبكة علاقات قويّةٍ مع مَن وثق به وبفريقه، متمنّياً أن "يسهّل الاتّفاق النووي الأمورَ أكثر."
بدوره، يقول سنام ماهوزي، مدير العلاقات العامّة في "توركواز بارتنرز" Turquoise Partners من طهران، في حديثٍ معه عبر "سكايب" Skype، إنّ "هناك اهتمام متزايد بالتكنولوجيا. لقد بدأ حتّى قبل عام 2013 [تاريخ الاتّفاق المؤقّت بشأن البرنامج النووي الإيراني]، ولكنّنا شهدنا الكثير من الأمور خلال السنتَين الماضيتَين."
في غضون ذلك، يضيف ماهوزي أنّ الإعلان عن الاتّفاق [14 تموز] تبعه سيل رسائل إلكترونية من المستثمِرين المهتمّين. و"توركواز بارتنرز" هي شركة استثمارات تستقرّ بين لندن وطهران، وتركّز في المقام الأوّل على جلب الاستثمار الأجنبيّ إلى إيران وتعمل على ذلك منذ عام 2005. ومن شركات الاستثمار المُخاطِر التي تركّز على إيران أيضاً، يوجد أيضاً كلٌّ من "أرجون كابيتال" ACL و"جريفون كابيتال" Griffon Capital. بدورها، "توركواز بارتنرز" التي كانت من بين المستثمِرين التأسيسيين في شركة الاستثمار المخاطر التي تستقرّ في طهران "سارافا" Sarava، تثِق بأنّ قطاع التكنولوجيا سوف يزدهر.
أمّا "سارافا" التي تُعدّ الأشهر على ساحة الشركات الناشئة في هذا البلد، فإنّ محفظتها الاستثمارية تتضمّن حتّى تاريخه كلّاً من "ديجيكالا" Digikala (نسخة إيرانية من موقع "أمازون" Amazon)، ومسرّعة الأعمال "آفاتِك" Avatech.
بالإضافة إلى ذلك، شهد الدعم العمليّ ازدياداً أيضاً. فقد حصل الإيرانيون في عامٍ واحدٍ على مسرّعة الأعمال "آفاتِك"، وعلى مَن يسهّل الحصول على الإرشاد والمستثمِرين التأسيسيين مثل "مابس" MAPS ومجموعة "ديموند" DMOND Group. ويُذكَر أنّ "آفاتِك" كانت قد خرّجَت الدفعة الأولى من شركاتها الناشئة في نيسان/أبريل من هذا العام.
مستثمِرون يشاركون في يوم العروض الذي نظّمَته "آفاتِك" في نيسان/أبريل 2015. (الصورة من Avatech)
ووفقاً لـ"رويترز"، فإنّ عملاق الإنترنت الألماني "روكيت إنترنت" Rocket Internet الذي يمتلك مشروعاً مشتركاً مع شركة "أم تي أن" MTN الجنوب أفريقية في الشرق الأوسط باسم "ميدل إيست إنترنت جروب" Middle East Internet Group، يسعى أيضاً للعمل بشكلٍ وثيقٍ معها في إيران.
الحاجة أمّ الاختراع
تشكّل العقوبات على إيران السبب الأكبر لصعوبة إنشاء عملٍ أو شركةٍ ما في هذا البلد. فمنذ عام 2002، بعدما تمّ الإعلان عن برنامجها النووي، فُرض على إيران عقوبات من قبل الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبي ودول أخرى بشكلٍ منفرد. ولقد حظرَت الولايات المتحدة كلّ أشكال التجارة تقريباً مع إيران، بما في ذلك ضمن القطاع المالي.
وعن هذا الأمر يقول باتمانجيلدج إنّه "في وقتٍ بدأ وادي السيلكون بالنموّ [مطلع عام 2000] تمّ تسريع العقوبات، وتمّ عزل إيران أكثر فيما لم يستطِع ما كان يحصل في الوادي أن يدخلها، على الأقلّ بطريقةٍ مربحة."
أمّا الجانب الإيجابي تمثّل في أنّ عدم قدرة الإيرانيين على استخدام مواقع مثل "أمازون" ومتجر "جوجل" Google Play وحتّى "فايسبوك" و"تويتر"، دفعَتهم لتأسيس شركاتٍ ناشئةٍ من الألف إلى الياء، قلّدَت معظمُها تلك المواقع المحجوبة.
من جهته، يقول ناصر غانمزاده، رائد الأعمال الإيراني ومؤسِّس "تِكلي" Techly، المدوّنة الإيرانية التي تي تركّز على الشركات الناشئة وما يهمّ المجتمع، إنّ "إيران كانت بمثابة الصندوق الأسود لسنوات، بحيث لا يعلم الناس في الخارج ما الذي يجري في الداخل ومدى سرعة النموّ فيه."
ويقول لـ"ومضة" إنّ السرعة التي كانت تنمو فيها بيئة الشركات الناشئة جنونية، ويعود ذلك بالطبع إلى انقطاع إيران عن العالم. ويشير إلى أنّ "معظم الشركات الناشئة هي نسخة عن الشركات الناشئة الأميركية، إذ لدينا ما يشبه ‘أمازون‘ و‘يوتيوب‘ YouTube وحتّى ‘أوبر‘ Uber."
أمّا علوي الذي يعدّ لجمع التمويل خلال الجولة الأولى من أجل منصّته لطلب الطعان عبر الإنترنت "ريحون Rayhoon، فيشير إلى أنّ هذه الابتكارات ليسَت بسبب لحاق إيران بالركب ولا لأنّها أصبحَت موهوبةً أكثر من خلال استخدام الإنترنت. ويقول إنّ "المَرافق اللازمة لدعم بيئةٍ حاضنة لم تكن موجودة. فعندما كنتُ في المدرسة، أنشأتُ موقعاً إلكترونياً للموسيقى، ولكنّ المدير أخبرني أنّه يجب أن أغلقه."
الطريق لا تزال طويلةً بعض الشيء
"الآن، إذا ما رُفِعَت القيود المصرفية وتمكّن الناس من تحويل المال إلى الداخل ومن الخارج، فإنّ الاستثمارات ستتدفّق بقوّة،" حسبما يقول ماهوزي من "توركواز". ولكن حتّى لو تمّ تخفيف العقوبات، لا يزال أمام روّاد الأعمال بعض العقبات التي لا يمكن تخطّيها بسهولة، مثل الإنترنت البطيء، والحجب الصارم لبعض مواقع التواصل، وتراخيص التشغيل.
وبالنسبة إلى البطء في الإنترنت، لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على اعتبار إيران واحدةً من البلدان التي لديها أبطأ إنترنت في العالم. فهي احتلَّت، بحسب "نتندكس" Netindex.com، المركز 157 من أصل 198 بلداً مستَطلَعاً.
بالإضافة إلى ذلك، يشير باتمانجيليدج إلى أنّ سوق التكنولوجيا يُقال إنّها تساوي الملايين وليس المليارات، وهذا ما يجعلها غير أساسية بالنسبة للاقتصاد. ويقول إنّ "إيران لا تمتلك تلك الشركة المميّزة unicorn التي تفوق قيمتها المليار دولار، ولكن لديها كلّ المميّزات لذلك."
من ناحيةٍ أخرى، فإنّ رائد الأعمال والكاتب كريستوفر شرودر الذي عاد من رحلةٍ إلى إيران مؤخّراً، يقول لـ"ومضة" إنّه يوجد شكٌّ حول ما سيجذب الشركات الناشئة وروّد الأعمال بشكلٍ تصاعديّ. ويضيف أنّ "الفكرة القائلة إنّه بعد رفع العقوبات سوف تصبح البلاد بمثابة وادي السيلكون، هي فكرة سخيفة. ولكنّ إيران تمتلك قدرات فطرية وإمكانات عامّة كبيرة، لها وللخارج. هناك الكثير من ‘إذا‘ في الوقت الراهن."
في حين يرى بعض المعلّقين والدول أنّ الاتّفاق النوويّ الجديد كوسيلةٍ لخلق اضطراباتٍ في الشرق الأوسط، إلّا أنّه سيكون بمثابة يد العون للشركات الناشئة.
وفي هذه الأثناء، فإنّ علوي الذي يعمل على حزم أمتعته في كندا والتركيز على الجولة الأولى من التمويل، يقول: "لم أكن بعيد النظر كفاية."
لمعرفة المزيد عن حاضنات الأعمال ومسرّعات النموّ في إيران، اطّلع على
هذا الموضوع.