إلامَ يفتقر قطاع الألعاب في السعودية وكيف ينهض؟
في وقتٍ يدخل إلى السوق كثيرٌ من المطوِّرين، لم تصل صناعة الألعاب الرقمية في المنطقة العربية إلى أعلى مستوياتها بعد. من جهةٍ أخرى، إنّ الفكرة الجيّدة لا تكفي لإطلاق لعبةٍ ما؛ فهذه الأخيرة تحتاج إلى تواجد جميع العناصر الضرورية لكي تكون ناجحةً ومنافِسة، مثل جودة التصميم، وخطّة جيّدة لجني المال، وتقديم الدعم للعملاء.
في دول مجلس التعاون الخليجيّ التي يقطنها أكثر من 40 مليون ناطقٍ باللغة العربية، وفي السعودية خصوصاً، يبقى إنتاج الألعاب أمراً صعباً ومعقّداً. فبالإضافة إلى العناصر التي تمّ ذكرها سابقاً، يجب أن تكون الألعاب محلّيةً وهادفةً وتراعي الحساسيات الثقافية.
ومن الأمثلة الممتازة عن لعبةٍ سعوديةٍ ناجحة، نذكر "هرول يا وحش" التي طوّرَتها الشركة الأردنية "نعم للألعاب" Na3m Games. وهذه اللعبة التي تمّ إطلاقها عن طريق الصدفة، وصلَت إلى أعلى المراتب حيث بقيَت من 16 إلى 19 يوماً ضمن الألعاب العشر الأكثر تحميلاً في المملكة، و13 يوماً ضمن الخمس الأوائل. وفي حين لم تصرف الشركة كثيراً من المال على الإعلانات - ما يوازي 30 دولاراً أميركياً - ما هو سرّ نجاح لعبتها هذه؟ تقرّ الشركة الناشئة أنّ التركيز على نوعية مطوِّري البرامج والفنّانين الذين شاركوا في تطويرها، كان العامل الأساسيّ لنجاحها. إنّه الجودة والتصميم إذاً.
خلال مؤتمر ومعرض "مينا جايمز" MENA Games الذي عُقد في بيروت في 26 و27 آذار/مارس (في حال فاتكم حضوره، اطّلعوا على هذه الخلاصة لمعرفة كيف يتطوّر القطاع)، كانت لي فرصةٌ في لقاء مطوّرَي ألعاب سعوديَّين اثنَين، هما عبد الله حامد من "لمبة" Lumba Inc وعبدالله كونش من "هاكو جايمز" Hako Games، اللذَين أكّدا أنّ الجودة عنصرٌ أساسيٌّ. في هذا اللقاء، تحدّث المطوِّران عن المكوّنات الأساسية للّعبة الجيّدة، عن أشياءٍ أهملاها، وعن العقبات التي تعيق السعوديين في طريقهم إلى الاستعانة بموارد دولية، كما وعن نظرتهما إلى مجال الألعاب الرقمية في المملكة.
يحتاج السعوديّون إلى مطوِّرين أكثر نضجاً
يجب أن يكون لدى مطوّري الألعاب شبكةٌ تواصل جيّدةٌ تمكّنهم من الحصول على معرفةٍ أوسع في مجال صناعة الألعاب الرقمية، على حدّ قول حامد في مقابلةٍ مع "ومضة". والقيام بذلك يساهم في "نضج اللاعبين [المطوِّرين] أنفسهم."
من جهةٍ ثانية، ينبغي أن تكون اللعبة محلّيةً، لأنّ هذا من المكوّنات الهامّة الأخرى للّعبة الجيّدة.
"يجب أن يكون اللعب مجّانيّ، وأن تكون اللعبة متوافقةً جدّاً مع السكّان المحلّيين وثقافتهم، ما يدفعهم بالتالي لإنفاق آلاف الدولارات ضمن لعبتك،" وفق ما يجيب حامد لدى سؤاله عن الأنواع الأكثر شعبيةً من الألعاب في السعودية. ولكنّ هذا النوع من الألعاب لا يعود على مطوّريها بالإشادة اللازمة بهم "لأنّها تُعتبَر فنّاً أقل مرتبةً [...] خصوصاً ضمن الدوائر المغلقة لمطوِّري الألعاب، ورغم ذلك لا يمكننا أن ننكر الإمكانات المالية التي تتمتّع بها."
في الصورة أعلاه: عبد الله حامد من شركة "لمبة".
بدوره، يعتبر كونش أنّ تصميم اللعبة نفسها أمرٌ بالغ الأهمّية أيضاً، فيقول إنّ "اللعبة سيّئة التصميم لن تنجح سواء في السعودية أو أيّ مكانٍ آخر."
يرغب السعوديون بألعابٍ تمكّنهم من نشر نتائجها على مواقع التواصل الاجتماعيّ
لا يبدو مفاجئاً أنّ الألعاب المجّانية هي أكثر ما يرغب فيه المستخدِمون، ويصف حامد هذا الأمر بقوله إنّ "نموذج اللعب المجّاني هو ملك بين أقرانه." وفي هذا السياق، يميل السعوديون إلى ألعابٍ تتيح لهم مشاركة منشوراتٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، مثل النتائج الجيّدة التي يحقّقونها ومن ثمّ ينشرونها ويتباهون بها. ويضيف حامد "أنّ هذا الأمر يشكّل سِمَةً مشترَكةً بين العرب مثل أمورٍ أخرى كثيرة، كالسيارات والملابس."
لا تزال ألعاب الكمبيوتر وأجهزة التحكّم الأخرى تلقى رواجاً
في وقتٍ أصبحَت فيه الهواتف الذكية الأجهزة الأكثر شيوعاً في تشغيل الألعاب، بحيث ينال نظام "أندرويد" Android حصّةً تساوي 63% من السوق ويحظى نظام "أبل" Apple بالباقي وفقاً لحامد، لا تزال ألعاب الفيديو على أجهزة التحكّم تلقى رواجاً مثل "كول أوف ديوتي" Call of Duty وألعاب كرة القدم الأخرى، وهذا ما يوافق عليه كونش.
إنّ سوق الألعاب على الهواتف الذكية متنوّعةٌ أكثر، "ولكن إذا أردتَ النظر إلى السوق بشكلٍ عام، سرعان ما ستجد أنّ جهاز ‘بلايستايشن‘ PS4 يحظى بالحصّة الأكبر. أمّا ألعاب الكمبيوتر التي ما زالت موجودة، تحظى بحصةٍ صغيرةٍ جدّاً،" كما يقول حامد.
ما المطلوب لإنتاج لعبةٍ مثل "أنجري بيردز" في السعودية
يشير حامد إلى أنّ السوق لا تفتقر إلى مطوِّرين جيّدين لإنتاج لعبةٍ ذات شعبيةٍ كبيرةٍ مثل "أنجري بيردز" Angry Birds، ولكنّها تفتقر إلى المهارات اللازمة في تصميم الألعاب والفنّ. وهذه حلقةٌ مفرغة، لأنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بهذه المهارات يتمّ توظيفهم من قبَل الشركات والمصانع الكبيرة، مثل شركات الاتّصالات والنفط. ويقول هذا الرياديّ إنّ "المرءَ يحتاج أن يعثر على أشخاصٍ مجانين على استعدادٍ لترك الوظيفة المستقّرة والعمل على تطوير الألعاب." العثور على المواهب إذاً هو تحدٍّ يواجهه معظم روّاد الأعمال؛ وعن هذه القضية، كان "مختبر ومضة للأبحاث" قد قام بدراسةٍ أظهرَت أن 63% من الروّاد المستطلَعين يعتبرون إيجاد المواهب كعائقٍ أمام إنشاء شركاتهم الناشئة.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد كونش أنّ النقص في الموظّفين المؤهّلين ومَيل المطوِّرين للعمل منفردين، هي أمورٌ تؤخّر هذا القطاع، ويشرح ذلك بقوله، إنّ "أكثر المطوّرين يعملون على ألعابهم الخاصّة من دون التعاون سويّاً." من جهةٍ أخرى، إنّ جني المال من اللعبة بعد إنتاجها هو تحدٍّ بالنسبة للكثيرين. وعن هذا الأمر يقول، إنّ "المطوّرين يركّزون على اللعبة نفسها دون أن يكون بإمكانهم بيعها. وإذا أرادوا جني المال منها، يجب أن يعيدوا التفكير في كثيرٍ من الأشياء داخل اللعبة."
في الصورة أعلاه، عبد الله كونش من "هاكو جامز".
الحاجة إلى مساحات عملٍ مشتركة أكثر إبداعاً
بما أنّ الإنتاجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببيئة العمل، فمن المهمّ أن يتمّ إنشاء مساحاتٍ تجذب المطوّرين وتشجّعهم على التعاون والعصف الذهنيّ للمجيء بأفكار جديدة. ويقول حامد إنّه "في بلدانٍ أخرى يمكنك أن ترى مطوِّرين يعيشون في منزلٍ واحد،" ذاكراً على سبيل المثال "إندي هاوس" Indie House في فانكوفر و"هاوس أو جايمز" HouseOGames في سياتل. "لا نرى هذا كثيرًا في السعودية. كما لا يوجد الكثير من الأماكن العامّة التي استئجارها بمبلغٍ معقول أو التي تكون متاحة للاستخدام العام، حيث يمكن للمطوِّرين أن يجتمعوا معاً ويتحدّثوا عن ألعابهم."
بعدما يقول ما سبق، يشير حامد أيضاً إلى قضية المساواة بين الجنسَين التي تحدّ من التعاون بين المطوِّرين، حيث قال إنّ "الرجال والنساء لا يمكنهم الاختلاط، وهذا ما يجعل من الصعب توسيع دائرة المطورين."
ما يجب القيام به قبل دخول السوق السعودية
إنّ اللعبة التي تتوجّه إلى 40 مليون شخصٍ عربيّ، يجب أن تتحدّث لغتهم بكلّ ما للكلمة من معنى. وهذا لا يعني أنّ اللغة في اللعبة يجب أن تكون عربيةً وحسب، بل يجب أن يعمل كلٌّ من التصميم والقصّة والصوَر والشخصيات على عكس الثقافة المحلّية. بالإضافة إلى كلّ ذلك، يجب أن يكون الفريق الذي يعمل على اللعبة فريقاً محلّياً أيضاً. في هذا السياق، يقول حامد، "ينبغي عليهم أن يأخذوا توظيف أشخاصٍ من ذات السوق بعين الاعتبار، وذلك لمساعدتهم في مراعاة حساسية المحتوى وكذلك تقديم الدعم للعملاء." ويضيف أنّ "اللاعبين يستجيبون بشكلٍ جنونيٍّ مع الوكلاء الذين يتواصلون معهم باللهجة نفسها والصيغة نفسها."
حسّن لعبتك وكذلك لغتك الإنجليزية
"إذا لم تكن تعرف الإنجليزية، فتعلّم الإنجليزية. هذه نصيحتي الكبرى،" كما يقول حامد. فبالرغم من الاعتماد على اللغة العربية بشكلٍ كبيرٍ في السعودية، لا يوجد الكثير من الموارد العربية على الإنترنت التي تساعد مطوّري الألعاب. ويشرح حامد الأمر قائلاً، إنّ "بعض المطوِّرين السعوديين الموهوبين لا يتقنون اللغة الإنجليزية، ولذا يعلقون في الموارد العربية التي غالباً ما تكون قديمة. إذا لم تكن لغتك الإنجليزية جيّدةً إذاً، سارع إلى تحسينها."
ولا ينسى أيضاً أن ينصح مطوِّري الألعاب بالتواصل وحضور الفعاليات التي تختصّ بهذا القطاع قدر الإمكان، من أجل الحصول على تعليقاتٍ وتوصياتٍ قيّمة ومقابلة مطوِّرين آخرين ومختِبري الألعاب في طَور "بيتّا" beta testers.
بدوره، ينصح كونش إلى جانب التعلّم والقراءة بكثرة، أن يركّز المطوِّرون على لعبةٍ واحدةٍ للحفاظ على جودتها. "الثبات؛ إذا حاول كلّ مطوِّرٍ العملَ على لعبةٍ ما ثمّ انتقل إلى لعبةٍ أخرى [قبل الانتهاء من الأولى]، لن يكون بمقدورهم العمل على صقل اللعبة من جديد."
في ختام حديثنا الذي انتهى في الجانب الإيجابيّ، ناقشنا كيف حسّنَت المنافسةُ نوعيةَ الألعاب التي تنتَج في المملكة. وخلص حامد إلى القول، إنّ "المنافسة جيّدة. فعندما يبدأ الناس يعرفون بعضهم بعضاً في السعودية، سوف تتحسّن النوعية. وذلك لأنّهم يريدون أن يُظهِروا ما يقومون به لأصدقائهم، ولأنّ كلّ شخصٍ يرغب في الحصول على التقدير. المنافسة تدفع لإنتاج ألعابٍ أفضل دائماً."