قطاع السفر في المنطقة مربح جدّاً لكنّ النجاح فيه صعب
إنّ الإمكانات التي يمتلكها قطاع السياحة والسفر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي إمكاناتٌ مذهلة، حيث قام نحو 352 مليون مسافرٍ عبر الطائرات في العالم العربي بتوليد ما يقارب 480 مليار دولارٍ أميركيٍّ من العائدات عام 2014، ونحو 50 ملياراً من إجمالي مبيع التذاكر عبير الإنترنت، وفقاً لبوّابة الدفع الإلكترونيّ "بايفورت" Payfort.
ليسَت خطوط الطيران وحدها من يستفيد، فالفنادق تكسب 117 دولاراً عن كلّ غرفةٍ يتمّ حجزها في وقتٍ يبلغ معدّل الإشغال 64.4% عالمياً، وفقاً لـ"بايفورت" أيضاً. وبالنسبة للعالم العربيّ، تذكر الأرقام أنّه يتصدّر هذه المعدّلات مع 167 دولاراً للغرفة ومعدّل إشغالٍ يقارب 76%، ومن المتوقّع أن تنمو هذه الأرقام أكثر.
يمكن أن يفترض البعض أنّ بوّابات السفر والحجز عبر الإنترنت المحلّية تضغط على السوق، لكنّ الأمر ليس كذلك تماماً. فهذه بوّابة صفقات السفر عبر الإنترنت "سفرنا" Safarna.com، بالرغم من كلّ الحماس والتفاؤل الكبيرَين، أغلقَت أبوابها في شهر كانون الثاني/يناير الفائت بعد 15 شهراً من انطلاقتها فقط.
وهذه بوّابة السفر "جووبس" Joobs، التي أطلقتها "مجموعة جبّار للإنترنت" Jabbar Internet Group، تغلق بعد عامٍ واحدٍ على إغلاقها وحسب. ونذكر أيضاً "ترافيلِر في آي بي" TravelerVIP، موقع الإنترنت للحجز في الفنادق الفخمة، كيف أُطلِق عام 2012 وجمع تمويلاً من صناديق الاستثمار المخاطر بقيمة مليون دولارٍ تقريباً، ولكنّه أغلق منذ ذلك الحين.
ما الذي نتعلّمه إذاً؟
سوقٌ صعبةٌ ومتقلّبة
"السفر قطاعٌ مذهل،" بحسب أمير فرحة، الشريك المؤسِّس والشريك الإداريّ في "بيكو كابيتال" BECO Capital التي كانت تستثمر في "ترافيلِر في آي بي". ويقول إنّه "لا تتقيّد بمخزونٍ معيّن، هذا واضح، ففي هذا القطاع لا تخزين ولا عمليات لوجستية ولا بنى تحتية. ولكنّ الجانب الأكثر سلبيةً فيه، أنّه تنافسيٌّ للغاية."
عوامل كثيرة ساهمَت في تأخير الشركات الناشئة عن موعد رحلتها إلى قطاع السفر عبر الطائرات، منها أنّ هذا الأخير هو في الأساس سوقٌ للسلع يوجد فيها بعض الولاء للعلامة التجارية والتسوّق بحسب السعر.
"إذا أردتَ الشروع في أعمال السفر في المنطقة، من الصعب أن تحدّد عرضاً واضحاً للقيمة يساعدك على تحديد عرض البيع الأمثل USP في وجه الفاعلين الدوليين في قطاع السفر،" على حدّ تعبير فرحة الذي يضيف أنّ "الطريقة الوحيدة لكي تميّز نفسك تمرّ عبر المنتَج الذي تقدّمه، أو العملية التي تسير بها شركتك، أو تجربة العملاء. وهذه الأمور الصعبة أصلاً، تزداد صعوبةً مع وجود منافسين مثل ‘إكسبيديا‘ Expedia و‘بوكينج.كوم‘ Booking.com و‘هوتيلز.كوم‘ Hotels.com."
من بين الصعوبات أيضاً تبرز الهوامش الضئيلة والتكاليف العالية لاكتساب العملاء، وهي التي تجعل الأمور أكثر صعوبةً بالنسبة للشركات الناشئة المحلّية التي ليس لا تملك إلّا عدداً قليلً نسبياً من الموارد.
يشير فرحة إلى أنّه من ناحية الوحدة الاقتصادية والموارد الاقتصادية، يصبح التوسّع صعباً للغاية. فالشركات الناشئة تعمد إلى تقليل اهتمامها بالمال الذي تحتاجه للاستثمار في جذب الزبائن وحملهم على العودة مراراً وتكراراً.
"ومع الوقت، سوف يستغرق الأمر سنواتٍ قبل أن يصبح مربحاً اعتماداً على الزبائن، بسبب قلّة المواظبة على شراء منتَجات السفر،" يقولها فرحة مشدّداً على أنّ "متطلبات رأس المال أعلى بكثير ممّا يعتقد المرء."
سوقٌ مجّزأة
يعمل موقع "هوتيلز كومبايند" HotelsCombined، الذي يتّخذ من سيدني مقرّاً له، في منطقة الشرق الأوسط منذ عدّة سنوات. ويقول المدير التنفيذيّ للعمليات، هشام عاصي، "إنّنا نحتاج إلى وقتٍ طويلٍ قبل أن تصبح السوق مريحةً لنا."
ويضيف عاصي أنّ "بناء علامةٍ تجاريةٍ في الشرق الأوسط أمرٌ صعب؛ فالسعودية تختلف عن الإمارات كلّياً وكذلك تفعل مصر والمغرب، ولكلّ بلدٍ في هذه المنطقة درجاتها الخاصّة من النضج."
يقول هذا الأخير إنّ "الناس ربّما لا يقدّرون مدى صعوبة بيع المخزون.
فبيانات الرحلة تشكّل أمراً معقّداً، إلّا أنّها موحّدة وتخضع لمعايير معيّنة، كما توجد أنظمةٌ لمساعدة شركات السفر في عملية معالجة توفّر المقاعد. ومن ناحيةٍ أخرى، يبرز التعاقد مع الفنادق كأمرٍ معقّدٍ إضافيّ، حيث تحتاج شركات السفر إلى وضع معايير معيّنة وقوّةٍ في والمساومة، وهذا ما تفتقده معظم الشركات الناشئة.
هل هناك بصيص أمل؟
من الشركات القليلة في قطاع السفر التي يبدو أنّها تعمل بشكلٍ جيّدٍ، هي "يا مسافر" Yamsafer التي تتّخذ من رام الله مقرّاً لها. وبحسب مؤسِّسها، فارس زاهر، فإنّ هذه الشركة "شهدَت نموّاً على أساسٍ شهريٍّ يقارب 65% - نحن رائدون في مجال حجز الفنادق من حيث القيمة الإجمالية للحجز."
يأتي معظم المسافرين عبر هذه الشركة من داخل المنطقة (رحلات الطيران التي تنطلق من المنطقة وتحطّ فيها)، مع أقل من خمسة في المئة من المعاملات الواردة.
يقول زاهر إنّ السفر في الخليج عموماً، وفي السعودية خصوصاً، يشهد معدّلاتٍ مرتفعة. فالسعودية لا تزال قويةً كوجهةٍ للمسافرين وكسوقٍ أساسية. أمّا دبي، فهي الوجهة الكبر للمعاملات الواردة، "لكنّها ليست الأكثر جاذبيةً من حيث سوق الفنادق. إنّ دبي متطوّرة للغاية من حيث استخدام التكنولوجيا وقنوات التوزيع في الفنادق، إنّها ناضجةٌ مثل لندن." ويشرح زاهر مشيراً إلى أنّ "هدفنا يكمن في الأسواق التي تواجه فنادقها تحدّيات التسويق لأنفسها."
لكنّ هذا الأمر لم يكن سهلاً.
تفاصيل، تفاصيل، تفاصيل
"يجب على كلّ شركةٍ ناشئةٍ تُعنى بالتجارة عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تفكّر بالمدفوعات في المقام الأوّل، وأن تأتي بشيءٍ عمليٍّ للمستخدِمين،" وفقاً لزاهر الذي يضيف أنّه "إذا لم تسِر عمليات الدفع لديك بشكلٍ صحيحٍ، سيؤثّر كلّ ما يليها على عملك. لقد تعلّمنا هذا الدرس بطريقةٍ صعبة."
إنّ انخفاض معدّل انتشار بطاقات الائتمان، هو ما أفسد الكثير من عمليات التجارة الإلكترونية. ولهذا تسمح "يا مسافر" لعملائها بحجز غرفةٍ في فندق، في عدّة مناطق من الشرق الأوسط، باستخدام الأسماء الكاملة وأرقام الهواتف المحمولة وعناوين البريد الإلكتروني فقط.
"نحن الأسرع نموّاً حتّى الآن، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى صغر حجمنا وإلى وضعنا للكثير من الأمور في نصابها في العام الماضي،" بحسب زاهر. ومن بين هذه الأمور تأتي "عملية اكتساب العملاء الرخيصة التي تعتبَر من بين أدنى المعدّلات في المنطقة،" ومتوسّط المبلغ المدفوع عن كلّ صفقةٍ يبلغ 550 دولاراً وهو الأعلى في المنطقة، وعملية الحجز التي تتميّز بها الشركة بدون الحاجة إلى بطاقات الائتمان.
وهذا العام، تركّز الشركة على الهواتف الذكية المحمولة. فمن يحمّل تطبيق "يا مسافر إكسبريس"، يمكنه الحصول على عروضٍ على صفقات السفر على هاتفه. وهذا ما يعني أنّ الشركة تعمل على تنمية سوقها، فالصفقات المغرية توجد حاجةً إلى السفر.
كيف تخطّط "يا مسافر" للتوسّع؟
" في نهاية المطاف، نسعى للتوسّع خارج المنطقة، لكن لا نستطيع القول كيف ومتى. نحن نركّز كثيراً على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وأعتقد أنّ العائد على الاستثمار الأكثر إيجابيةً بالنسبة لنا موجودٌ هنا في المنطقة."
كيف تنجح
في حين تميل دفّة النجاح الكبير لصالح الشركات العملاقة القائمة، كيف يمكن لشركةٍ ناشئةٍ محلّيةٍ أن تأمل بالمنافسة؟ يجيب فرحة عن هذه التساؤلات مع بعض الأفكار.
يقول هذا الرائد إنّ شركات السفر التي بدأت لتوّها، تحتاج في الوقت الراهن إلى أن يكون لديها مكتب مبيعاتٍ في دبي، ومكتبٌ خلفيٌّ في أماكن أقلّ تكلفة مثل الأردن ومصر ولبنان والأراضي الفلسطينية. وبسبب المنافسة مع لاعبين دوليين كبار، يجب أن يمتلك فريقك شخصاً يفهم جيّداً في السوق والتكنولوجيا.
"إنّ مواقع مثل "هوتيلز.كوم" Hotels.com و"بوكينج.كوم"booking.com تعمل بشكلٍ آليٍّ تماماً. لقد عملوا عليها لتكون فعّالةً جدّاً. إنّها تركّز على توفير أكبر عددٍ ممكنٍ من الفنادق والحصول على أكبر عددٍ ممكنٍ من الناس،" وفقاً لما يقول فرحة الذي يضيف أنّ "هذه المواقع باتت لا تحتاج إلى مصدر بعد الآن، فالفنادق تستميت في سبيل وضع أساميها على منصّاتهم."
"لكي تنجح في مجال السفر، ينبغي أن تكون متمرّساً في التسويق وأن تكون فعّالاً للغاية في عملية اكتساب المستخدِمين والمحافظة على العملاء. بناء العلامة التجارية أمرٌ ضروريٌّ لبناء المصداقية ولبناء الثقة."
يبدو أنّ الخوض في غمار قطاع السفر أمرٌ صعبٌ لكنّه ليس مستحيلاً. مَن سيُقدِم مِن روّاد الأعمال الشجعان في المنطقة على تأسيس شركةٍ تضاهي "هوتيلز.كوم." أو "بوكينج.كوم" إذاً؟