باص يجوب تونس في خمسة أيام ويصل بأفكار ريادية
بعدما جاب باص "آمبيون فنتشر" Ampion Venture Bus أنحاء القارّة السمراء، دُعي ماراتون الأفكار التنقّل هذا إلى أوّل جولةٍ له في شمال أفريقيا، وتحديداً في تونس.
بتنظيمٍ من جمعية "آمبيون" Ampion وبالشراكة مع جمعية "ستارتب سيستم تونس" Startup Système Tunisie التي سبق لها أن نظّمت عدّة فعالياتٍ خاصّةٍ بالشركات الناشئة في تونس، جمعت "آمبيون فنتشر باص" على متن حافلتها 40 رائد أعمالٍ. هؤلاء الروّاد الذين يشكّل التونسيون نصفهم، ويتوزّع النصف الآخر بين فلسطين والجزائر والمغرب والمملكة المتّحدة والولايات المتّحدة وألمانيا.
وكما تنوّعت جنسيات هؤلاء الروّاد، فإنّ خلفيّاتهم التي جاؤوا منها متنوّعةٌ هي الأخرى. فتخلّلهم طلبةٌ تونسيون ودوليون بالإضافة إلى روّاد أعمالٍ مبتدئين وآخرين من ذوي الخبرة، وأشخاصٌ يملكون أكثر من عشرة أعوامٍ من الخبرة وأيضاً جهاتٌ فاعلةٌ في المجال الإنساني.
كان الهدف من هذه الفعالية جمعَ رواد أعمالٍ من خلفيّاتٍ مختلفةٍ، لبعث الحياة في شركاتٍ ناشئةٍ قادرةٍ على معالجة المشاكل التي تواجهها المنطقة. لهذا توزّع المشاركون في مجموعاتٍ صغيرة، وطوّروا مشروعاً مبتَكراً على متن الحافلة وخلال محطّات الاستراحة. واستفاد المشاركون من توقّف الباص في محطاتٍ متعدّدة، في تونس العاصمة والقيروان وقابس وصفاقس وتوزر، للعمل في الجامعات والمدارس المحلّية.
المحطة الأولى في تونس العاصمة لإعداد الفرق
أُعطِيَت إشارة الانطلاق في "كوجيت" Cogite، مساحة العمل المشتركة الشهيرة في تونس والكائنة على ضفّة البحيرة. وبعد عرضٍ موجزٍ عن "آمبيون"، ترك الفريق المنظِّم الكلام لجهاتٍ فاعلةٍ محلّيةٍ جاءت لتقدّم بعض النصائح المفيدة للرحلة.
بدورها، المسؤولة عن مسرّعة النموّ "يونس للأعمال الاجتماعية" Yunus Social Business، ليلى الشرفي، حثّت المشاركين على التركيز على التنمية الاقتصادية في تونس، في وقتٍ يشهد فيه التطوّر الديمقراطيّ تقدّماً مستمرّاً.
وبالنسبة إلى مؤسِّس "فيا موبايل" Viamobile، جازم حليوي، فإنّه ينبغي التحلّي بالصبر والتعلّم أثناء العمل أو من خلال اكتساب الوثائق اللازمة عبر متابعة مواقع تقدّم دروساً إلكترونيةً جماعيةً مفتوحة المصادر، MOOCs على سبيل المثال.
وفي اليوم التالي تمكّن المشاركون من عرض مشاريعهم على متن الحافلة، بحيث ركّزت هذه المشاريع على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكان بعضها مشبعاً بلمسةٍ من الابتكار.
ومن جهته، أشار الشريك المؤسِّس لـ "آمبيون"، فابيان كارلوس غول، إلى أنّ المشاريع التي وُضعت في السنوات السابقة رَمَتْ إلى تحسين الحياة اليومية، لكنّ مشاريع هذه النسخة تميّزت ببعدٍ أخلاقيٍّ وملتزم.
ريادة الأعمال في الصحراء
توزر، مدينة الشاعر أبو القاسم الشابي، مذهلةٌ بحقّ. ففي هذه الواحة وسط الصحراء التونسية، تختبئ مجموعةٌ من روّاد أعمال الذين يملكون إمكاناتٍ هائلة. وكان أن التقينا ببعضٍ منهم ممّن يتلقّون دعمَ حاضنات "وكالة النهوض بالصناعة والتجديد" API، الذين يعملون في مجالات علم الأحياء والتدوير والسلامة المنزلية والألواح الكهروضوئية وتكنولوجيا المعلومات بشكلٍ خاص.
كما التقى المشاركون بالشابّة حياة قاسمي، وهي خرّيجةٌ من جامعة توزر، سبق لها أن شاركت في مسابقةٍ وطنيةٍ بمشروعٍ لتطبيقٍ هاتفيٍّ يضع الهاتف تلقائياً في وضع "صامت" عند دخول مكانٍ يتطلّب ذلك، مثل قاعات الاجتماعات وغرف النوم والمساجد... هذه الفكرة المبدعة والمبتكرة التي تمّ تطويرها في قلب الصحراء، تعطي لمحةً عن إمكاناتٍ واعدةٍ جدّاً لا تحتاج إلّا لمَن يكتشفها، تماماً كما هو الحال في بلدانٍ أخرى في أفريقيا.
وكان المخيّم المؤقت الذي أقامه فريق "فنتشر باص" وسط كثبان دوز الرملية، فرصةً للتلذّذ بعشاءٍ تقليديٍّ على وقع موسيقى شعبيةٍ محلّيةٍ، وللعمل على عروض مشاريع المشاركين تحت ضوء النجوم المتلألئة. لقد كان الجوّ مثالياً للتحضّر للنهائيّ!
بما أنّه ينبغي العمل قبل كلّ شيء، كان المشاركون يعملون باستمرارٍ باستثناء بعض الفواصل المليئة بالأغاني الإيقاعيّة والدربكة. وكانت الفرق تقوم باستمرارٍ بصقل مشاريعها، كما استفادت من نصائح مرشدين تواجدوا طيلة الرحلة.
في غضون ذلك، سمح الوجود على متن الحافلة بتحقيق إنتاجيةٍ أكبر. وفي الواقع، أنشأ هذا القرب روابط قويةً بين أعضاء الفرق، كما ساعد التقارب الذي توطّد طيلة هذه الرحلة على دفع المشاريع قدماً.
العودة إلى تونس العاصمة، المحطّة النهائية المذهلة الأخيرة
أنهت الحافلة رحلتها في تونس العاصمة في "إيسبري" Esprit، كلّية هندسةٍ مشهورةٌ بجودة التدريس فيها.
هناك، قدّم المشاركون عروضهم الترويجية أمام لجنةٍ مؤلّفة من جهاتٍ فاعلةٍ في قطاع ريادة الأعمال في تونس، روّاد أعمالٍ ومستثمرين وقادة منظّمات غير حكومية... ولقد كان باهراً التقدّم الذي تمّ إحرازه منذ بداية المغامرة، حيث أبدى المشاركون مزيداً من النضج والتفكير وإمكانية إيصال الأفكار إلى نتيجة، بالإضافة إلى سهولةٍ أكبر في تقديم العرض.
وعلى الرغم من مستوى الفرق المتقارب، تميّز فريق "تراش كاش" TrashCash الذي فاز بالمرتبة الأولى بفضل أبعاد مشروعه الاجتماعية والمربحة في آنٍ معاً. وتمثّل المشروع الذي طوّره كلٌّ من حمزة برقاوي وأسماء عايد وعمر طرابلسي، بسلّة قمامة تحوّل العلب القابلة لإعادة التدوير إلى رصيدٍ هاتفيٍّ للمستهلكين. واحتلّ المرتبة الثانية تطبيق "إكسترايل" Extrail، وهو تطبيقٌ سياحيٌّ يوفّر برنامج أنشطةٍ شخصيٍّ وفقاً لخلفيّة المستخدم. أمّا في المرتبة الثالثة، فلقد أتى مشروع "سيتيزن بلاس" Citizen+ الذي يوفّر منصّةً تحسّن التعاون بين المواطن والبلدية.
هذا وقد اجتذبت بعض المشاريع اهتمام المستثمرين المحليين والإقليميين، الذين تواجدوا في العرض النهائي.