نسبة البطالة الأعلى هي في الشرق الأوسط: ما الحل؟
دايفد سيلفرمان من "جاتي إماجز" Getty Images.
نشٍر هذا المقال أساسًا على "ذا هافنجتن بوست" The Huffington Post.
إنّ التحدي الأكبر الذي تفرضه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتعاني منه في الوقت عينه لا ينبع من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" ولا من التطرّف أو الصراع الديني. ففي حين أنّ كل هذه الأمور تشكل تهديدات خطيرة، إلا أنّها تتجذر من مشكلة البطالة الكبيرة التي تنمو في أوساط الشباب الذين تتزايد أعدادهم.
تعجّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالشباب على نحو خاص، إذ تشكل هذه الفئة أكثر من 40% من إجمالي السكان الراشدين ومن الأمور التي تتسم بها هذه الفئة الشبابية هي أنّها تعاني من أعلى نسبة بطالة في العالم.
وكما بيّن الربيع العربي، تولّد مستويات البطالة العالية، وبخاصة عند الشباب، حلقةً مفرغة من الإحباط والاضطراب الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي. إضف إلى ذلك القليل من التحريض وبعض السلاح ويصبح لديك كارثة فعلية بين يديك.
عندما أجرينا استطلاعاً على الأشخاص العاملين الذين ولدوا بين 1980 و1996 حول أولوياتهم في الحياة في استطلاع "جيل الألفية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" Millennials in the Middle East على موقع bayt.com (فبراير/شباط 2014)، كانت الإجابة الطاغية هي ما يتوقع من الشباب في أي مكان في العالم. فما يريدونه هو الاستقرار المالي والصحة الجيدة والحياة المهنية الناجحة. ولكن، لسوء الحظ أنّ الاستطلاع عينه بيّن الفجوة بين هذه الآمال والواقع: 59% من الشباب يعتمدون على عائلتهم للحصول على دخل إضافي و 28% قالوا إنّهم يجدون صعوبة في توفير احتياجاتهم. إضافة إلى ذلك، 79% قالوا إنّ التحدي الأبرز الذي يعاني منه جيلهم هو إيجاد وظيفة (Bayt.com، "الخريجون الجدد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" Fresh Graduates in the MENA، يوليو/تموز 2014).
والحل هنا لا يكون بالهجمات الاستئصالية ولا بالغزوات والدعاية الخلافية. فكل هذه تزيد الطين بلةً وتحرم الناس من المزيد من فرص العمل وتجرّدهم من الأمل وتدفعهم إلى سلوك مسارات قد تكون مدمرة وغير متعقلة.
إنّما الحل هنا هو خلق فرص العمل. فمع فرص العمل تأتي الكرامة والاستقرار وحرية الاختيار، والاعتدال بالطبع.
غير أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسلك للأسف الطريق السريع نحو تدمير فرص العمل. إذ تدمر الحروب وعدم الاستقرار السياسي والتركيز الحكومي المتزايد على الرقابة المالية والتخطيط المركزي الفرص وتبقي السلطة الاقتصادية بين أيدي صفوة الحكام التقليدية.
ولا يمكن أن تنبع عملية خلق فرص العمل هذه من سياسات دولة الرفاه الاجتماعي التقليدية. فالحاجة تدعو الآن إلى عدد هائل من فرص العمل تفوق وفقاً للتقديرات 100 مليون وظيفة جديدة تلزم لمجرد الحفاظ على معدلات البطالة الحالة غير المقبولة. والحكومات في المنطقة تحمل أصلاً عبئاً ثقيلاً جداً لا يسمح لا بحمل هذا العبء أيضاً، حيث يعاني موظفون حكوميون كثيرون من البطالة المقنعة في القطاع العام المتضخم.
وحتى في الاقتصادات الناضجة (ومنها الاقتصاد الأميركي)، تأتي أغلب الوظائف من المؤسسات اليافعة خلال السنوات الخمسة الأولى من مرحلة نموها. والمعادلة هنا بسيطة: لخلق فرص العمل، يجب التشجيع على ريادة الأعمال! وللتشجيع على ريادة الأعمال، على الحكومات أن تصلح الإطار التنظيمي وأن تتوقف عن التدخل في أصغر التفاصيل. كما يجب خفض الكثير من التكاليف والوقت اللازمين لإنشاء مؤسسة جديدة، والتخفيف من الحواجز التي تعيق عمل هذه المؤسسات، بما فيها القوانين القاسية حول الملكية المحلية والإفلاس وعلاقات العمل وحركة البضائع والخدمات، والأهم من ذلك كله، تجريد اقتصادنا من السياسات الحمائية.
إنّ الرغبة في سلوك درب ريادة الأعمال في المنطقة عارمة. فقد بيّن بحث لـ "بيت.كوم" أنّ 73% من أفراد جيل الألفية يفضلون امتلاك عملهم الخاص بدلاً من التوظف. لم يعد شبابنا يريدون الصدقات. بل يريدون أن يبنوا مستقبلهم الخاص وأن يملكوا فرصة عادلة للتنافس.
فحيث سمحت حكومات المنطقة بحصول ذلك من خلال اعتماد سياسات غير تدخلية، ازدهرت الأعمال وساد الاستقرار. ففي دبي على سبيل المثال، أسفرت السياسات المشجعة للأعمال عن نشوء آلاف الشركات الجديدة في العام المنصرم وحده. وقد عززت دبي موقعها كعاصمة الأعمال في المنطقة. إذ تتضمن الخطوات الداعمة التي أخذتها الإمارات العربية المتحدة مناطق حرة للسماح بالاستثمارات الدولية في هياكل الشركات المتعارف عليها كما والسماح بممارسات تأسيس شركات سريعة وفعالة نسبياً وأنظمة أكثر شفافية وخفض الحواجز المتمثلة أمام حركة رؤوس الأموال والمواهب العالمية.
في هذا الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تغيرات هائلة، يستمر الناس في السعي وراء الأمل من خلال البحث عن فرص أفضل. ولم يعد بإمكان هذه الفرص أن تأتي من برامج التوظيف الحكومية الكبيرة أو سياسات دولة الرفاه الاجتماعي. لا بدّ أن توفر ريادة الأعمال الدفعة القادمة من الوظائف. فيا أيتها الحكومات: حدّي من الإجراءات البيروقراطية وخفضي الحواجز ودعي المنطقة تبدأ بالعمل! فعلينا القيام بالكثير. ويا سائر العالم: إذا أردت المساعدة، أرسل إلينا المزيد من خبراء السوق الحرة والأساتذة الجامعيين في إدارة الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة والمستثمرين التأسيسيين بدلاً من الاستمرار في إرسال الأسلحة. ستخفض بذلك من تكاليفك كثيراً وسترفع عائداتك.
هذا المقال جزءٌ من سلسلة ينشرها موقع "ذا هافنجتن بوست" ومؤسسة "التعليم من أجل التوظيف" Education For Employment وهي منظمة غير ربحية تعمل على خلق فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد هيمنت الصراعات والاضطرابات على الأخبار المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2014 والبعض يرى أنّ المنطقة في دوامة من الفوضى. ولكن، إلى جانب ناقوس الخطر هذا، يراهن بعض رواد التقنيات الرقمية على أنّ لدى جيل المنطقة الطالع فرصة بالحصول على مستقبل أكثر إشراقاً مرتبطاً بالتكنولوجيا والمهارات. لمزيد من المعلومات حول مؤسسة "التعليم من أجل التوظيف"، إقرأ هنا.