إرشاد من الجالية اللبنانية يفرد جناح روّاد لبنان
يجد مارك مالك، رئيس مجلس إدارة شبكة "لايف" (LIFE Lebanese International Finance Executives)، أنّ نطاق انتشار اللبنانيين في مختلف أنحاء العالم وتأثيرهم ومواردهم، لا سيما في الشؤون المالية، لا تقلّ أهمية عن أيّ من الجاليات الأخرى. وشرح مالك وجهة نظره قائلاً: "يتواجد اللبنانيون في كل مكان. الإمكانات متوافرة، لكنّ التحدي يكمن في تنظيم ومأسسة جهودهم الجماعية." يطمح مالك إلى بناء شبكة محترفين للجالية اللبنانية تشبه الشبكة عالية النفوذ الخاصة بالجالية الهندية في مجال التكنولوجيا العالية "إندوس أنطربرنورز" (Indus Entrepreneurs – TIE).
يرى مالك أنه ثمة جوانب مشتركة تميّز الجالية اللبنانية، فالنقاط المشتركة لا تقتصر برأيه على الموقع الجغرافي للوطن الأم: "يجمعهم تعلّقهم ببعضهم البعض، وطريقتهم في إنجاز الأمور، وحماسهم وقدرتهم على النجاح، وروح المبادرة التي تشحذهم. علينا الاستفادة من هذه المزايا ومحاولة تسخير قوتهم الجماعية." يقول مالك إنّ إنشاء "لايف" كان استجابةً لحاجة مهمة: "ثمة عدد هائل من الأفراد اللبنانيين الناجحين، ولكن، ما من وسيلة أمامنا لتوجيه هذا النجاح لمصلحتنا كشتات لبناني ولمصلحة لبنان." وتعتزم شبكة "لايف" تحقيق هذه المهمة بالضبط.
ولد مالك وترعرع في لبنان، وهاجر منه في الثمانينيات إلى الولايات المتحدة حيث حاز على شهادة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة ريد وشهادة ثانية في الهندسة والعلوم التطبيقية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. أثناء دراسته الجامعية، عمل مالك على مشروع بحثي تموله الحكومة الأميركية يتعلق بتطبيق أداة رياضية جديدة لتحديد أفضل المواقع لوضع الدبابات في المعركة. اعتمد مالك في ذلك نهجاً متعدد التخصصات، ونشر ورقة بحثية عن استخدام النهج الجديد - الذي يُدعى تحليل السيناريو - في الأسواق المالية. ومهّد له هذا النهج الجديد الطريق إلى "وول ستريت"، حيث عمل في "سالومون براذرز" Salomon Brothers ثم في "يو بي أس" UBS، متنقلاً بين مدينة نيويورك ولندن وطوكيو. وهو حالياً مؤسس وشريك إداري لـ"كونكويست كابيتال" Conquest Capital، وهي شركة استشارات في مجال تجارة السلع (CTA) متخصصة في تداول العقود الآجلة وأسواق العملات في العالم.
غير أنّ انخراط مالك مع المجتمع اللبناني لا يقتصر على شبكة "لايف"، بل هو أيضاً عضو في مجلس إدارة التحرك الاجتماعي والاقتصادي من أجل لبنان (SEAL)، وهي مؤسسة غير ربحية تموّل مشاريع التنمية الصغرى في المناطق اللبنانية المحرومة.
"لايف": إقامة الصلات وتقديم الرعاية والتشجيع
أوضح لي مالك القيمة التي تقدمها "لايف" المبنية على ثلاث ركائز: إقامة الصلات والرعاية والتشجيع. تتعلّق ركيزة إقامة الصلات ببناء الشبكة والربط بين الأفراد واستخدام القوة الجماعية لإفادة أعضاء الشبكة في المقام الأول ولبنان في المقام الثاني. على المستوى الأول، "إذا كنت متخصصاً في الاستثمار المصرفي في نيويورك، ورغبت في القيام بأعمال تجارية في دبي أو سنغافورة، يكفي أن تبحث في بوابة "لايف" عن أعضاء في الموقع الذي ترغب فيه وتتواصل معهم." وعلى المستوى الثاني، "يتمّ استخدام قوة تلك الشبكة للمساعدة في الجانب الخيري وممارسة الضغط في لبنان."
تختلف قيمة إقامة الصلات من عضو إلى آخر في شبكة "لايف،" إذ بحسب مالك: "ينضم المهني الذي يبلغ 25 سنة من العمر إلى "لايف" بهدف بناء شبكة معارف والاستفادة منها... أما المهني المخضرم الذي سبق له أن حقّق إنجازات في مهنته، فينضمّ إليها ليفيد غيره، وتكون أسبابه قائمة على الغير."
تعدّ ركيزة إقامة الصلات الأهم لأنّ تأثيرها هو الأقوى بنظر رئيس شبكة "لايف" الذي يضيف: "ما من وجود لجوانب التأثير الأخرى من دون شبكة... تمكّننا الشبكة من القيام بالأعمال الخيرية ومن أن نكون ناشطين ونشكّل قوة ضغط. وفي حين أنّ النتيجة النهائية لجانب الأعمال الخيرية والمنظمات غير الحكومية أهمّ من الشبكة بعينها، إلاّ أنّه لا يمكن أن تتمّ من دونها."
من باب العمل على تحقيق هذه الأهداف، تقوم "لايف" بتوسيع حضورها عالمياً، ويقول مالك: "نحن الآن بصدد التوسّع إلى أميركا اللاتينية، وبخاصة البرازيل والمكسيك، كما لدينا فروع في سنغافورة وهونغ كونغ. لدينا شبكة تمتدّ من سان باولو إلى هونغ كونغ وكلّ مدينة ما بينهما. وللتأكد من أنّ القيمة المقترحة مناسبة للأعضاء الجدد، نقوم بتنظيم الفعاليات ونأتي بالمتحدثين ونشجّع التواصل." تدرس شبكة "لايف" فكرة توسيع العضوية إلى التنفيذيين من خارج المجال المالي. "نحن نفكر في إقامة شق لأصدقاء "لايف" من المهنيين اللبنانيين البارعين للغاية والذين تبوؤا أعلى المناصب في مؤسساتهم."
تشتمل ركيزة الرعاية في "لايف" على الأنشطة الخيرية والإرشاد. توفّر "لايف" المنح الدراسية للطلبة اللبنانيين الذين يرغبون في متابعة دراستهم الجامعية أو العليا في مجال الشؤون المالية. ويقول مالك: لا يقتصر ردّ الجميل إلى المجتمع على المساهمات الخيرية على غرار تقديم المال للمنح الدراسية، بل يضمّ أيضاً جانب الإرشاد: "نقوم بتعريف كل عضو شاب في "لايف" إلى مرشد عالي الشأن."
في ما يتعلق بركيزة التشجشع، تقوم "لايف" بتشحيع إصلاحات تعتزم جعل لبنان مكان أفضل للعيش ومزاولة الأعمال في مجال الشؤون المالية وتكنولوجيا المعلومات. وتنوي "لايف" أيضاً عقد قمة في لبنان في شهر ديسمبر/كانون الأول القادم ليأتي رجال أعمال ومهنيون لبنانيون وشركات للتواصل وإيجاد سبل للعمل معاً.
جودة العيش في لبنان
عندما سألت مالك عن ظروف لبنان السياسية والاقتصادية الهشة وتأثيرها في أنشطة الشبكة، تجاهل الحالة قائلاً: "هناك الكثير لنقوم به [على الرغم من هذا الوضع]... نحن نعيش في حالة حرب منذ خمسين أو ستين عاماً. لم نرَ يوماً بيئة ليس فيها الكثير من المشاكل؛ وما يحصل ليس بحدث له بداية ونهاية. لا نتمتع في لبنان بترف العيش من دون مشاكل، ولن نوقف عملنا ة منتظرين دخول فترة جيدة."
يقرّ مالك بالقيود المفروضة على جهود الإصلاح التي تبذلها "لايف" في لبنان: "ما تستطيع "لايف" تحقيقه في لبنان يتعلّق مباشرة بشلل مؤسساتنا الوطنية. نستمدّ قوّتنا من الأعضاء المقيمين خارج لبنان، لذا فالأمر يعود للبنانيين في لبنان أن يقدموا المساعدة أو ألا يقفوا حجر عثرة في طريقنا. من المعروف أنّ الوضع الأمني لا يساعدنا، ولكن، من المشاكل الأخرى الأصغر التي يمكن معالجتها بسهولة هي الإنترنت. لا يمكن الترويج لأيّ صناعة بدون سرعة انترنت عالية وموثوقة."
وحده الوقت سيكشف مدى تأثير "لايف" في الشتات اللبناني والوطن الأم. لكنّ المؤكد هو أنّ جهودها تتناول حاجة ماسة وملحة: "كان من الضروري إنشاء "لايف" لتسخير نجاح الشتات وتوحيده من أجل تحقيق صالح الجميع – لكي لا يكون انعكاساً للشلل الداخلي." إنّ رؤية مالك لمستقبل الشبكة والتزامه بالحفاظ على طابعها الديمقراطي يبعث فيّ أمل بأنّ النجاحات الفردية بين الشتات اللبناني لن تذهب هدراً، بل سيكون من الممكن توظيفها لبناء مستقبل جماعي أفضل.
هذا المثال واحد من سلسلة من المقابلات مع المتفوقين في مجالهم من الشتات اللبناني، كجزء من مشروع بحثي عن الشتات يجريه البنك الدولي. إذا كنت لبنانياً أو تونسياً قمت بالدراسة أو العمل في الخارج ثمّ عدت إلى بلدك، شارك من فضلك بهذا المسح الذي لن يستغرق سوى بضع دقائق.