لبنان قد يصبح مثل سنغافورة
حين تخرّج أحمد شاتيلا من الثانوية في لبنان في أواسط ثمانينات القرن الماضي، كانت الحرب الأهلية تمزّق بلده. وحين هاجر إلى الولايات المتحدة، درس الهندسة الإلكترونية في جامعة ولاية أريزونا ومن ثم في كورنيل. وعمل بعد ذلك في قطاع أشباه الموصلات في البحث والتطوير، قبل أن يترقّى شيئاً فشيئاً ليشغر منصبًا تنفيذيًّا. ومنذ 2009، يتبوأ شاتيلا منصب الرئيس التنفيذي لـ"صن أديسون" SunEdisson، وهي شركة طاقة شمسية تملك وتشغّل معامل حول العالم لتأمين طاقة شمسية لمستهلكين تجاريين وللحكومات ولشركات خدمات. وحظيت شخصياً بفرصة اللقاء به في مقر شركته في وادي السيليكون.
رغم أن شاتيلا لم يزر بلده الأم طوال السنوات الـ11 الماضية، إلاّ أنه صادف أننا حين التقينا كان يحضّر لأول رحلة عمل له إلى لبنان، للقاء مسؤولين حكوميين من أجل الحديث عن الطاقة الشمسية واستقصاء إمكانيات الاستثمار في قطاع الكهرباء. فشركته سبقت أن قدمت التزامات استثمارية كبيرة في الشرق الأوسط، وهي منطقة لديها وفرة في الطاقة الشمسية خصوصاً في السعودية حيث تضع الشركة اللمسات الأخيرة على صفقة استثمار بقيمة ستة مليارات دولار في معامل طاقة شمسية.
أحمد شاتتيلا
إذاً لماذا يفكر شاتيلا بلبنان في ظل شلل قطاع الكهرباء فيه منذ عقود؟
شاتيلا يكشف القصة كاملة.
بالنسبة لشركة عالمية مثل "صن أديسون" استثمرت ثلاثة مليارات دولار حول العالم هذا العام، فإن الفرص هي المحرّك الأساسي لقراراتها الاستثمارية. ويعتقد شاتيلا أن هناك بالفعل فرصاً في لبنان. ويقول: "الطلب على الكهرباء في لبنان مرتفع جداً والكلفة أيضاً ولكن بإمكاننا أن نقدم الكهرباء بثلث السعر". وشدد على أن شركته لا تقدم الطاقة بسعر أقل فحسب، بل تقدم طاقة أنظف وفي وقت قياسي. ويوضح قائلاً "بإمكاننا أن نحوّل كهرباء لبنان خلال ثلاث سنوات. ويمكننا الحصول على نتيجة مباشرة خلال عام". وهذه ليست فترة انتظار طويلة لبلد يعاني من تقنين يومي للكهرباء منذ عقود. واقتراحه لمشكلة الطاقة في لبنان، شمسي بشكل أساسي ولكنه مزيج من معامل الغاز والمعامل الكهرومائية ومعامل غاز مصغرة. ويشرح أن الجميل في الطاقة الشمسية أنها ملائمة للزبون، لذلك هي أخف وزناً حين يتعلق الأمر بالنقل والتوزيع. ولكن كي تنجح خطتهم في لبنان، يجب أن يكون بالإمكان تبديد الخطر والغموض من جانب المستثمرين. وشرح أنه "من أجل إقامة بنية تحتية في لبنان، نحن بحاجة لتمويل من مصارف دولية ولكن نظراً إلى أن الوضع السياسي غير مستقر، لا يرغب كُثر في المخاطرة".
ويعتقد أن الشروط الثلاثة الرئيسية للاستثمارات القابلة للحياة في البنى التحتية، هي أولاً: الاستقرار السياسي، ثانياً: إطار عمل تنظيمي واضح للعمليات من دون فساد، وقواعد واضحة من دون أي التباس بخصوص القوانين والتنظيمات، ثالثاً: "التزام من الحكومة بأن تدفع الفواتير المترتبة عليها". وهذا يطمئن البنوك بأنها في نهاية المطاف ستحصل على مالها أو تتخذ إجراءات قانونية إذا لم تسر الأمور على ما يرام. وبالفعل، هناك شكوك في أن يتمكن لبنان من تنفيذ أي من هذه الشروط الثلاثة.
ولتوضيح الشرط الثالث بخصوص التزام الحكومة، أخبرني قصة عن زيارة رئيس مجلس التنمية الاقتصادية في سنغافورة في مكتبه في سانت لويس بخصوص فرص استثمار في بلاده. وهذا المجلس يبحث عن شركاء دوليين للاستثمار في سنغافورة ويساعدهم في التعرّف على إطار العمل القانوني ويقدم لهم إعفاءات ضريبية. ويعتقد شاتيلا أن "لبنان قد يصبح بسهولة مثل سنغافورة"، إذا طبّق هذه الشروط الأساسية.
بعد أن أنهينا الحديث الذي يرفع المعنويات ويحبطها في الوقت نفسه، مشى معي شاتيلا إلى مكتبه لإعطائي بطاقة عمله. ومررنا بالحجرات المفتوحة حيث يعمل الموظفون باجتهاد وراء شاشاتهم المسطحة إلى أن وصلنا إلى مكتب يشبه المكاتب الأخرى. ولم يكن هناك جدران عليها شهادات معلّقة ولا اسم محفور على لوحة نحاسية، بل مجرد مكتب عليه كومبيوتر. وحين سألته "هل هذا حقاً مكتبك؟"، أكّد بلا مبالاة "نعم بالطبع"، كما لو كان الأمر عاديًّا لرئيس لتنفيذي في إحدى أكبر شركات الطاقة الشمسية في العالم أن يعمل في حجرة منفردة.
تقليل البذخ وزيادة الاهداف هو درس جيد لرواد الأعمال والمدراء التنفيذيين على حد سواء، في لبنان وخارجه.
هذه المقالة واحدة من سلسلة مقابلات مع مغتربين لبنانيين ناجحين جداً، وهي جزء من مشروع أبحاث حول المغتربين يجريه البنك الدولي. فإن كنت لبنانياً أو تونسياً درست أو عملت في الخارج وعدت إلى بلدك الأم، يرجى تخصيص بعض الوقت لملء هذا الاستبيان.