موسيقى الهيب هوب تشقّ طريقها إلى المملكة العربية السعودية
يعتقد الكثيرون أن موسيقى الـ "هيب هوب" والمجتمع السعودي المحافظ لا يتجانسان أبداً. إلا أن حسان ضناوي المدوّن في "راديو ريفولت" ReVolt Radio ومقدّم البرامج على إذاعة "ميكس أف أم" Mix FM في جدة، يظنّ العكس تمامًا. فهو يرى أن موسيقى الهيب هوب تملك الكثير لتقدّمه للمملكة العربية السعودية وللمنطقة العربية بشكل عام. ويقول "حان الوقت لتستيقظ المنطقة وتصبح نشيطة. وقد تشكل الموسيقى أداة لذلك."
ينشر حسان ضناوي المعروف بـ "بيج حاس" Big Hass (أي حاس الكبير، وحاس هو اختصار لاسمه) على منصاته الالكترونية، مقتطفات من حفلات موسيقية ومقابلات أجراها مع فناني هيب هوب إقليميين، بما فيهم بعض الفنانين المقيمين في السعودية، في محاولة للتعريف عن هذا النوع من الموسيقى والثقافة وكسر "الصورة النمطية عنها التي تصفها بأنها ثقافة العصابات والعنف والجنس والمخدرات." عوضأ عن ذلك، يشدد على قدرات الهيب هوب في تحقيق العدالة الاجتماعية والتمكين، وعلى كونها شكل من أشكال التعبير لدى الشباب السعودي.
وقد لبّى الشباب السعودي النداء بقوة: إذ يملك ضناوي أكثر من 5 آلاف متابِع على تويتر ويقوم ما بين ٨ الى ١٢ ألف قارئ بالاطلاع على مدوّنته شهرياً، وجمعت المجلة الالكترونية التي أطلقها مؤخراً مع زوجته نحو ٣٠٠٠ قارئ للعدد الواحد. إضافة إلى ذلك، فإنّ مجموعة الفعاليات التي تُعرف بـ "ذي بيت" The Beat والتي تهدف الى منح منصة للفنانين المحليين، تعجّ بالحاضرين ويعتبر برنامجه الإذاعي "ليش هيب هوب؟" أفضل برنامج أسبوعي على الإذاعة.
الا أن طريق إلى النجاح كانت طويلة. ولا شك أن مسيرة أول منظّم هيب هوب في المنطقة العربية ستكون محفوفة بالمعارك الشاقة. عندما أطلق ضناوي مدوّنته عام ٢٠٠٩ بعد أن عرّفه صديق كندي على الهيب هوب العربي السياسي (يذكر الفنانة الفلسطينية البريطانية شاديا منصور وفريق "ذي نارسيسيست" The Narcicyst الكندي العراقي كأشخاص مؤثرين جداً)، كان عدد الزيارات "محرجاً"، ٢٠٠ شهرياً، كما يتذكر. ولكن، مع ازدياد شهرته على الساحة الموسيقية في المنطقة، بفضل إجراء المقابلات المصورة مع الفنانين وتنظيم الفعاليات في المنطقة العربية، بما فيها برنامجًا ناجحًا جدًّا في بيروت في تموز/ يوليو ٢٠١١، بدأ عدد الزوار يتزايد وكذلك شهرته.
وشكّل الوصول الى جمهور أوسع العقبة التالية التي كان عليه تخطيها. فهو قد زار عدداً من المحطات الإذاعية في لبنان وقطر والبحرين والامارات العربية المتحدة للترويج لفكرته ألا وهي تنظيم برنامج إذاعي يبثّ موسيقى الهيب هوب العربية. ويتذكّر أنه، في كل إذاعة، كان يلتقي على ما يبدو الرجل اللبناني نفسه الذي "يقول لي إن إذاعته لا تبثّ الهيب هوب العربي ولكن لا يمانع إن أردت تأدية أغنية لـ جاي زي Jay Z أو 50 Cent." لكنه احتّج وعاد الى جدّة محطّماً بعد أن فضّل أن يبقى وفيّاً لمهمته عوضاً عن أن يؤدي أمام جمهور واسع "موسيقى الشامبانيا" الأميركية كما لقّبها. وفي ما بعد، عندما افتتحت "ميكس أف أم" Mix FM في السعودية، عاود المحاولة. ويضيف "احتجت الى ستة أشهر لاقناعهم". وعندما أطلّ للمرة الأولى على الإذاعة في تموز/ يوليو ٢٠١٢، لم يتقاضى أجراً.
الا أن هذه المعركة لم تكن سوى البداية. وبعد برنامجه الأول، تلّقت الإذاعة رسائل غاضبة من المستمعين نعتت ضناوي بـ "الكافر" وبالجاسوس الأميريكي. على الرغم من أنه كان "محطّماً"، عالج المشكلة بكرامة. وبينما كان يُعّد لبرنامجه الأسبوع التالي، كتب نصاً عرض فيه بالعربية عوضاً عن الانجليزية، "عناصر وثقافة الهيب هوب وكيف انتشرت بالاضافة الى هدف البرنامج بطريقة تحاكي الجمهور."
لا شك أن هذا النهج الذي اتّبعه بناء على الانتقادات قد ساعده على بناء اسم له قد يستمرّ ويجني له الأرباح. وكان التوجه مباشرة الى أشخاص شعروا بالاهانة أو بالتردد حيال الهيب هوب العربي استراتيجية ناجحة لجذب المستمعين والقراء، وللحصول على صفقات الرعاية، التي بدأت بعد ٤ أسابيع من انطلاقه على الراديو. ويضيف "يتقّبل المجتمع السعودي ببطء الفكرة. وكان أول راعٍ للبرنامج شركة شاي "ليبتون" التي استخدم فريق التسويق لديها برنامج ضناوي للترويج لمنتج مخصص للشباب. وسرعان ما تبعتها شركة الملابس الرياضية العملاقة "أديداس" Adidas . وعندما يتوجّه ضناوي الى زبون محتمل، يلتقي به شخصياً لكي "يشرح له هدف البرنامج وعادة، عندما يكتشفون شغفي لهذا النوع من الموسيقى وما أحاول القيام به للساحة المحلية هنا، يتفاجأون" بما يكفي ليبرموا صفقات رعاية مع "ميكس أف أم".
الا أن ضناوي لا يحصل على الكثير من العائدات من صفقات "ميكس أف أم" أو اي من مشاريعه باستثناء القليل من الفعاليات التي يُنظّمها. ويضيف "حتى الآن، لم أجنِ العائدات من مدونتي أو مجلتي." الا أنه يخطط لفرض رسوم مقابل اشتراكات اعلانية على مدونته. غير أن زيادة العائدات لا تُشكل أولوية بالنسبة لضناوي الذي يقول إن جني الأموال "ليس هدفه الرئيسي لأنه يملك وظيفة تقليدية (مدير إعلامي) تشكّل مصدر دخله."
وكان الهيب الهوب بمثابة حركة جديدة ووسيلة يستطيع من خلالها ضناوي بناء اسم له. فهو يؤمن بأن الهيب هوب قادر على مساعدة الشباب العربي على التعبير عن نفسه، والتحدث عن الضغط الذي تسببه الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تطال المنطقة، ودور الهيب الهوب لا يتوقف هنا. فهو أيضًا يساعد المنطقة العربية على تخطي هذه الأوقات العصيبة. ويقول إن الساحة الموسيقية بدأت تتغيّر: فالكثير من الفنانين الشباب السعوديين الذين حلوا ضيوفاً في برنامجه بدأوا "يثقون أكثر بأنفسهم ويطلقون الأغاني والفيديوهات التي ستُحسّن الوضع."
يعتبر أن هذه الحركة ستستمرّ بفضل نسبة الاستخدام العالية للشبكات الاجتماعية التي تدفع بالأمور إلى الأمام. وفقاً لضناوي، "سيؤدي الانترنت دوراً كبيراً في مستقبل الموسيقى المحلية. ولا شك أن الانترنت سيساعدنا على إنشاء "حركتنا الخاصة ومسارحنا الخاصة وعلى إقناع العالم بأن يستمعوا الى ما نريد قوله". كما وسيسمح لبعض الفنانين بأن يكسبوا لقمة العيش من خلال إنشاء المدونات وتنظيم الفعاليات.
يقول ضناوي إن الهيب هوب الذي يقدّمه "ليس منتجاً بل أيديولوجية"؛ تحمل معها خيارات كثيرة وتتيح للجميع حرية التعبير عن آرائهم، على أمل أن يطال التغيير مجالات أخرى خارج عن الموسيقى.