قمة ريادية من قلب ميدان التحرير تدعو إلى النهوض نحو الأمام
سيبقى ميدان التحرير إلى الأبد رمز الثورة المصرية والتحول المستمر في
مصر. وسيبقى تأثير هذا الميدان محفورا في الذاكرة الجماعية إن لصور
الفرح الغامر لحظة إسقاط النظام أو للحكايات المؤرقة للعنف الذي تلا
ذلك. وصحيح أن المستديرة نفسها ليس فيها شيء فريد إلاّ أنها أصبحت
نقطة محورية لعدسات العالم.
يوم الأحد الماضي، كسب هذا الموقع الرمزي معنى جديدا قد يطبعه لعقود آتية مع إطلاق قمة "رايز أب مصر" Rise Up Egypt (أي نهوض مصر) أول قمة كبرى لريادة الأعمال في هذا البلد ومع التدشين غير الرسمي لمركز ريادة الأعمال الجديد في "ذا جريك كامبس" The GrEEK Campus.
كان ميدان التحرير هادئ بشكل مخيف في ذلك اليوم نظراً إلى وجود المدرعات العسكرية والحواجز المنتشرة لكبح المظاهرات المحتملة في ذكرى مرور مائة يوم على أحداث رابعة. ولكن على مكانة قريبة من الساحة المغبرّة وتحديداً في الحرم القديم للجامعة الأميركية بالقاهرة (الذي عرفًا سابقًا بـ "ذا جريك كامبس")، احتشد المئات ليؤكدوا دعمًا لحركة غير سياسية.
وبقيادة المنظم الذي لا يتعب، عبد الحميد شرارة، وبمساعدة عدد من داعمي الشركات الناشئة (مثل منتدى الشركات لمعهد ماساشوستس للتقنيةEnterprise Forum MIT، "إنديفور مصر" Endeavor Egypt، "كايرو أينجلز" Cairo Angels، برنامج ريادة الأعمال والابتكار في الجامعة الأميركية بالقاهرة، "كالتراك" Cultrak، "فلات6لابز" Flat6Labs، إنجاز مصر، ومضة)، كانت القمة بالرغم من التحديات، لحظة فاصلة.
بالرغم من الحواجز العسكرية المحيطة وحقيقة أن الحرم القديم نفسه في سبات منذ عام 2008، أكّدت الفعالية أنّ ريادة الأعمال التكنولوجية لم تعد طموحاً هامشياً بين الشباب المصري بل تقودها مسرّعات نمو وفعاليات "ستارتب ويك آند"، وهي اليوم قوة لا يمكن الوقوف في وجهها يقودها مؤسسون من كل الأعمار والخلفيات وأصبح لها مقر جديد في قلب ميدان التحرير.
والمقر الجديد ـ الذي يسمّى الآن "ذا جريك كامبس"، سيحتاج إلى تأهيل كبير ولكن هذه فقط بداية ما يمكن أن يكون إنجاز العمر لأحمد ألفي. فالمؤسس الشريك والكريم لمسرعة النمو "فلات6لابز" وشركة الرأسمال المخاطر "سواري فنتشرز" يستأجر الحرم من الجامعة الأميركية في القاهرة للسنوات العشرة المقبلة (وأكثر) من خلال شركة "الحديقة التكنولوجية للتحرير" “Tahrir Alley Technology Park” وهي كيان قد أسسه لدعم موقع جديد مؤلف من خمس طبقات على مساحة 25 ألف متر مربع، يضم مختبرات تكنولوجية وغرف اجتماعات وصالات ندوات ومساحات مكتبية ذات جدران زجاجية. وسينطلق "ذا جريك كامبس" في مطلع 2014 ليستضيف كل رائد أعمال طموح بالإضافة إلى خيارات طعام وحضانة للعائلات.
ويشدد على أنه يأمل بأن تتجاوز هذه المساحة العقبات السياسية. وقد قدم المؤتمر الذي دام يومين لمحة عن ذلك المستقبل المتخيّل حين تبلغ "ذا جريك كامبس" قدرتها الكاملة. ومع مدرستين كاملتين ومكتبة ومساحة ترفيه، يمكن أن يصبح مركز ريادة أعمال لا لمصر فقط بل للعالم العربي بأجمعه.
قد يكون هذا طموح كبير، ولكنه يناسب وقت الحاجة الكبيرة. وإذا أراد رواد الأعمال المصريون النجاح، والتغلب على التحديات في بيئتهم الحاضنة، سيحتاجون إلى التضامن والتعليم الذي لا يمكن سوى لمركز متكامل كهذا أن يقدمه.
جيل مقبل من القادة الاقتصاديين في مصر
أثناء تناول المشاركين الشاورما وجلوسهم على درجات الحرم الجامعي القديم لمشاهدة الأحاديث الملهمة لـ"إنديفر مصر"، بدأت تتبلور روح طلابية بين الحشد. وبدخولهم إلى المكتبة، شاهد المشاركون جلسات النقاش وطرحوا أسئلة على المتحاورين بشأن مواضيع تتراوح بين الاستثمار والتجارة الإلكترونية والنساء في مجال الأعمال ودور حاضنات الأعمال والمسرعات والحكومة في ريادة الأعمال.
غير أن رأس المال، لا يقوده الطموح فقط. فرواد الأعمال أمضوا اليومين وهم يعرضون أمام المستثمرين في فعاليات عدة بينها هاكاثون الأفكار من تنظيم كايرو آينجلز Cairo Angels، مسابقة خطة الأعمال الزراعية من "أم سي" MC مصر.
وفي جلسة النصائح خلال فعالية "ومضة" لإتقان عرض الأفكار Pitch n’ Mentor أثار إعجابنا رؤية الجلسة تمتد إلى ثلاث ساعات مع وقوف رواد الأعمال الواحد تلو الآخر لطرح فكرته والحصول على آراء الحشد في غرفة مكتظة. وبعد ذلك عرض الرواد المسجلون، أفكارهم للمستثمرين أثناء التجول في سيارة الأجرة، وقد سميت هذه الجلسة بـ "اركب واعرض" (Pitch n’ Ride) وهي لمسة فريدة أيضاً من القاهرة.
عموماً، كشفت المزيد من الشركات الناشئة القائمة في مصر نمواً رغم تحديات هذا العام. وفي وقت كان ألمع نجوم التكنولوجيا في "فلات6لابز" بينهم "إنستاباج" Instabug و"إنتجريت" Integreight في الخارج، أظهر آخرون مثل منصة التعليم "نفهم" وشركة التخلص من النفايات الرقمية "ريسيكلوبيكيا" Recyclobekia وشركة التقنية الحيوية "دي كيميا" D-Kimia، تقدمها بالإضافة إلى الشركات المخضرمة "وصّلني" وحل الدفع "باي فورت" PayFort وبرنامج تلفزيون الواقع الذي سينطلق قريباً "المشروع" و"إيفنتوس" التي نظمت بطاقات الفعالية وباعتها، إضافة إلى آخرين.
ضم المبتكرون الجدد "روف توبس مصر" Rooftops Egypt، وهي شركة تبني حدائق ونوادي رياضية وحتى مقاهي على الأسطح المتروكة في مصر، و"الحساب" وهو نظام دفع على المحمول ومنصة "360 دليل" الملفتة للنظر لتحويل الصور العادية إلى بانورامية والتي عرضت صوراً بانورامية تفاعلية خلابة لميدان التحرير في قمة الاحتجاجات.
وفي مقدمة الفعالية كان هناك قسم رائع لموقع الموضة "ناس تراندس" NAS Trends، حيث عرضت قمصان وكنزات عليها نكت ورسوم كرتونية، كما أن الكثير من المشاريع أثارت إعجاب الحشد بينها "الوفيات" وهو موقع للنعَوات قد تكون فكرته مخيفة إلا أن الزبائن الأوائل قد أثبتوا قابلية نموذج العمل على الاستمرار.
أما المسرعة الجديدة "جوس لابز" Juicelabs فقد حققت شهرة لافتة، وآخرون مثل موقع إعداد الفيديوهات "إيكيف" Ekeif الأردني، سعوا إلى تعزيز الروابط مع السوق المصرية أو ربما مع المستثمرين الذين انضموا إلى فعالية "كايرو آينجلز" الصلبة.
الخطوات التالية
أهم ما أنجزته "رايز أب مصر" كان إطلاق "جريك كامبس" بقوة وترسيخ "كايرو آينجلز" كمجتمع استثماري له نفوذ. واليوم الضغط سيكون على قادة البيئة الحاضنة لجعل المساحة نظام دعم حقيقي ومفيد لرواد الأعمال المصريين.
ولكن إن كان بإمكان أي أحد أن يفعل ذلك فهو ألفي، بالإضافة إلى المدير التنفيذي لـ"جريك كامبس" طارق علي طه، وربما روح الاقتصادي المصري الرائد طلعت حرب، الذي صادف ميلاده في اليوم الثاني للفعالية.
والجزء الأخير من الفعالية كان الأهمّ. فبعد جلسة عبر "جوجل هانغ أوت" نظّمها منتدى معهد ماساشوستس مع رواد أعمال من أنحاء العالم العربي ومفكرين رائدين في فرانيسيسكو وبوسطن وكامبردج، أطلقت "رايز أب مصر" فيلماً تكريمياً عن طلعت حرب، تضمن صوراً قديمة وخطاباً أثار تصفيق الحضور لدى إثارته موضوع تعزيز ريادة الأعمال.
لعلّ هذا الجزء الأخير أظهر ما الذي يميز مصر وما الذي سيستمر في تحفيز "جريك كامبس": مثابرة مستمرة وروح فريدة ساحرة.
للمزيد من الصور، ادخل صفحة "رايز أب مصر" على فايسبوك.