رواق السعودية تبني منصة برامج تعليمية للشرق الأوسط
لا نشهد دائماً مبادرة تعليمية رائدة تنطلق من السعودية. ولكن هذه شركة التي مقرها الرياض تستعد لتقدم للمنطقة خدمة جديدة، وهي منصة دروس جماعية إلكترونية مفتوحة المصادر أصلية بالكامل وباللغة العربية تستمد محتواها من مدرسين وأساتذة محليين.
تقدم "رواق" التي انطلقت قبل شهرين دروساً حول الإعلام الاجتماعي والفن وعلم النفس والطب والهندسة والدين وغيرها وذلك في بوابة جذابة تعكس فلسفتها التقدمية ومبادئها العالمية. ومع 14 مادة ومئات آلاف المستخدمين الذين انضموا منذ إطلاقها في أيلول/ سبتمبر، تتجه "رواق" لتصبح مركزاً إقليمياً للتعليم الإلكتروني في الشرق الأوسط.
وشرح نافز دكّاك من "ومضة"، أن الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر لمن لم يجربها أبداً، غالباً ما تكون مجانية وتقدم لعدد كبير من الطلاب في الوقت ذاته وتجري على شكل محاضرات بالفيديو وفروض على الإنترنت.
وشهد عام 2013، نمواً كبيراً للدروس الجماعية، "إيدكس" EdX وكورسيرا Coursera، وأوداسيتي Udacity من جامعة ستانفورد وقد يكون عام 2014، عام الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر بامتياز في الشرق الأوسط.
وفي الأردن، أعلنت مؤسسة الملكة رانيا شراكة مع "إيدكس" لإطلاق "إدراك" وهي منصة ستقدم دورات "إيدكس" باللغة العربية ومحتوى أصلياً. وفي مصر، يقدّم موقع تجميع الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر "سكيل أكاديمي" SkillAcademy، (إديودل Eduudle سابقاً) حوالي 10 آلاف درس على الإنترنت وسيقدم قريباً Skillcamps مصممة لمجموعات معينة من المهارات. وفي لبنان، جمعت الشركة الناشئة الجديدة "مينا فرسيتي" MenaVersity، خبراء في الإبداع الاجتماعي لتقديم دروس أصلية حول مجموعة من المواضيع التي تتراوح بين الإعلام الاجتماعي والطبخ اللبناني.
أما سبب الشعبية العالمية للدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر فهو أنها تعد بتسهيل الوصول إلى التعليم الجيد. وفي الشرق الأوسط، يأمل المؤسس الشريك لـ"رواق" فؤاد الفرحان أيضاً بأن تتمكن الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر من إصلاح أنظمة التعليم الموجودة ووضع قواعد جديدة لبرامج التدريب.
أما في السعودية، فيشرح الفرحان أن دورات التدريب ذات المستوى المتدني تحظى بشعبية كبيرة والعديد من المشاركين فيها يريدون مجرد الحصول على شهادات، مشيراً إلى أن "هذا قطاع يساء استعماله بشكل كبير". وتحاول "رواق" حالياً إحداث انقلاب في الوضع الراهن من خلال "تقديم محتوى أكاديمياً ذو نوعية جيدة من مدرسين منفتحين وخبراء لديهم خبرة عملية".
ويقول إن الفجوة التي يأملون في ملئها، هي في مجال الخبرة المحلية. والمهارات الضرورية للريادة، مثل التسويق الرقمي مثلاً، "مختلفة تماماً هنا من الناحية القانونية والعلامات التجارية وعناصر النجاح. ونحتاج محتوى مرتبطاً بهذا السوق".
ومن أجل بناء "المنصة الأولى للتعليم الإلكتروني في الشرق الأوسط"، ضم الفرحان والحسين خبرتهما وشغفهما وتصميمهما. وقد أمضى الفرحان عشر سنوات في تطوير البرامج وبناء أنظمة إدارة محتوى باللغة العربية لصحف ومجلات سعودية رائدة، بينما يعمل حسين منذ عام 2006 في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أحد أكبر المؤسسات التعليمية في المملكة حيث يتبوأ منصب مدير المعلومات. ويتشارك الإثنان الرغبة في المراهنة بكل شيء على فكرة جديدة.
ووصل الفرحان إلى مرحلة في حياته حيث يرغب في المخاطرة من أجل إحداث تأثير. وبعد بيع شركته المختصة بالبرامج، "سمارت إنفو" Smartinfo، لشركة الاستشارات الإدارية "كواليتي هورايزونز" Quality Horizons، عام 2010، قرر أن الوقت حان لتغيير ما. ويقول إنه "بعد عشر سنوات من تطوير البرامج حسب الطلب، تتوسّع خبرتك ودرايتك بشكل كبير ولكن متطلبات السوق محدودة جداً. وكان هذا وقتاً جيداً لتقييم الأفكار المناسبة".
وبعد تواصله من جديد مع الحسين الذي عرفه منذ 20 عاماً، قرر الإثنان رغم صعوبة المشروع أنهما يريدان الالتزام ببنائه. وقال الفرحان "فكرنا أننا إذا كنا مؤمنين به فعلاً فعلينا وضع مالنا حيث تكمن مصلحتنا وأن نكون أول من يخاطر". ومع العلم أن المؤسسات التعليمية القائمة قد تشعر بالقلق من الشراكة مع شركة ناشئة غير معروفة، بدآ يبحثان ـ كما تفعل العديد من الشركات الناشئة ـ عن من يناسب أن يكون أول من يعتمدها ويفهم مهمتهما ويدعمها.
وبفضل القانون الذي يسمح للمدرسين بأن يقوموا بعمل اجتماعي مجاناً من دون إذن من الجامعة، استطاع الفرحان والحسين أن يجدا المدرسين الموهوبين القادرين على وهب وقتهم، في الوقت الذي تحمّلت "رواق" كلفة إنتاج الفيديو ونشره على موقعها.
ومن بين هؤلاء الأساتذة، الدكتورة مهى بنت عبد الله السنان التي حصلت رسالة الدكتوراه التي أعدتها على إحدى جوائز وهبات الأمير سلمان لدراسات وأبحاث شبه الجزيرة العربية. وقد علمّت مادة حول الحداثة في الفنون البصرية التي وصفها الفرحان بأنها "فريدة" وقال "لا يوجد كليات فنون هنا وهي لا تشكل جزءاً كبيراً من التعليم في السعودية".
ويقول الفرحان إن وجود معلمة في هذه المنصة أمر طبيعي فعلى الرغم من تاريخ هذا البلد والتقليد المستمر في الفصل بين الجنسين، فإن تقديم دروس يعلمها رجال فقط يتعارض مع الثقافة التقدمية للمنصة. ويقول "لا يوجد تمييز بين الرجل والمرأة كمعلّم".
ولدى سؤاله عن الخصوصية على الإنترنت، يشرح الفرحان بأن أي طالب يرغب في احترام تقليد الفصل بين الجنسين أو عدم الإفصاح عن هويته على الإنترنت " له الحق في الحفاظ على خصوصيته من خلال نشر (أو عدم نشر) هويته".
التحديات التي تواجه هذا النموذج
يعتمد الفرحان والحسين مقاربة واقعية. فهما مدركان جيداً للتحديات العالمية التي تواجه نموذج الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر، فقد صبت الانتقادات على هذه الدروس بسبب تدنّي نسبة من يكملونها وتؤكد معظم المنصات التي تقدم هذه الدروس أن أقل من 10% من الطلاب يكملون الدرس. ولكن إكمال الدرس ليس أفضل مقياس للنجاح للدروس المصممة لجذب من يقدّرون التعليم خارج البنى التقليدية. ولكن مؤسسي "رواق" يؤكدون أن الأهم هو أن النموذج التجاري الأفضل للدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر لم يظهر بعد على الساحة العالمية.
وفي حين أن دروس "رواق" مجانية حتى الآن، فإن تقديم محتوى ممتاز مجاناً قد لا يكون نموذجاً مستداماً، إذا أخذت منصات رائدة في المجال كنماذج. فـ"إيدكس" تتوسع الآن إلى أسواق جديدة بينما بدأت "أوداستيتي" فرض رسوم على من يرغبون في الحصول على شهادة أهم.
ويقول الفرحان "لا أعتقد أن أياً من منصات الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر لديها النموذج الناجح الذي يضمن عودة المستخدمين. فأنت يمكنك ألاّ تفعل شيئاً وتنتظر أن تقلّد شخصاً سينجح أو يمكنك أن تقفز بنفسك وتحاول".
ولتحقيق ذلك، لدى مؤسسي "رواق" الاستعداد لفعل كل ما يتطلبه ذلك بما فيه اتباع مبادرة تعاونية من أجل بناء منصة تناسب السوق العربي. ويقول الفرحان "ألهمتنا حركة الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر ولكننا لسنا متشبثين بنموذجها التجاري. وسنحاول أن نجد نموذجاً تجارياً مناسباً ينجح في العالم العربي" ربما من خلال "مساعدة الآخرين في خلق مبادراتهم الخاصة المصغرة". ويضيف "رواق هنا لتثبت قدراتها وصحة رؤيتها".