قد تبدو أفكار أفضل الشركات الناشئة سيئة. لماذا؟
كريس ديكسون هو مستثمر في "أندريسين هوروفيتز" Andreessen Horowitz، أسس سابقاً موقع "سايت أدفايزر" SiteAdvisor (وهي شركة ناشئة لأمن الويب اشترتها "ماكافي" McAfee) و"هانش" Hunch (موقع للتوصيات الشخصية استحوذت عليه "إي باي" eBay عام 2011)، توجه إلى "غيت هاب" GitHub قبل يومين للكتابة عمّا يجعل فكرة شركة ناشئة جيدة.
وقال ديكسون إن أفكار الشركات الناشئة الجيدة تبدو في البداية أفكارًا سيئة.
لماذا؟
أشار إلى أن "الأفكار الجيدة التي تبدو أفكارا جيدة تكون أفكاراً عملت عليها شركات كبرى. فرواد الأعمال يعملون على ما أهملته هذه الشركات"، وأعطى الفضل في هذه الفكرة لقائلها الأول مؤسس "باي بال" و"بالنتير" Palantir، بيتر ثيل. فالأفكار الجيدة التي تبدو رهانات صعبة تتحوّل إلى نجاحات مبتكرة".
ويقول ديكسون إنه للعثور على فكرة جيدة تحتاج إلى سر، بالمعنى الذي يقصده بيتر ثيل، شيء لا يصدقه الكثير من الناس أو من المرجح أن يتجاهلوه.
المثل الذي أعطاه ديكسون: جوجل، الذي كان يمكن صرف النظر عنه لقدرته على توجيه الناس مباشرة إلى النتائج الجيدة، في وقت كان التعقيد الذي يميّز محركات البحث مقدراً جيداً في زمن الإعلانات المصورة.
ليس "ديكسون" أول شخص يطرح مبدأ ثيل، ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، كتب بول غراهام، المؤسس الشريك في "واي كومبينايتور" Y Combinator في مدونته عن فكرة أن "معظم المؤسسين الناجحين يميلون إلى العمل على أفكار يدرك قليلون من حولهم أنها جيدة".
مثال غراهام: فايسبوك الذي بدا له في البداية مثل "موقع لطلاب الجامعة لتضييع الوقت" يتوجه إلى سوق محدودة من دون نموذج للعائدات من أجل القيام بأمور غير مهمة (مثل التفاعل اجتماعياً: المبالغ في تقديره).
ويقول غراهام، إن الجزء الأصعب هو حين تختار رابحاً، حيث أنك لن تعرفه خلال سنتين. فقياس نجاح الاستثمار بعد يوم عروض هو مقياس سيئ في أحسن الأحوال ومضلل في أسوأها.
إذاً كيف تعرف أنك في طور العمل على "فكرة سيئة" جيدة؟
الأفكار الجيدة التي تبدو أفكاراً سيئة لديها أربع خصائص بحسب ديكسون:
1 ـ يصرف أشخاص نافذون النظر عنها باعتبارها ألعاباً (هاتف، سكايب) لكنّ الحاجة إلى التكنولوجيا غالباً ما تسبق الطلب وتخلقه.
2 ـ تفكك وظائف حددها آخرون. فالصحيفة هي حزمة من الوظائف: العلامة التجارية، التنظيم والإدارة، الإعلانات المبوبة، التوزيع والتسويق وغيرها. ومع الوقت، كل واحدة من هذه الوظائف تنفصل عن الأخرى: تصبح العلامة التجارية على الإنترنت والإعلانات المبوبة على "كرايغز ليست" Craigslist، والتسويق على تويتر، فايسبوك، والبريد الإلكتروني، والمراسلون الأفراد يحشدون اليوم جماهيرهم الخاصة. والأمر نفسه يحصل مع الجامعات حيث يتراجع التعليم في وجه الدروس الإلكترونية المفتوحة المصادر مثل، "أوداسيتي" Udacity و"كورسيرا" Coursera. فالنظام التعليمي يتغيّر شيئاً فشيئاً.
3 ـ غالباً ما تبدأ كهوايات. يصوّت رجال الأعمال من خلال تقديم مال في عمل، أما المهندسون فيصوتون بوقتهم من خلال العمل على ما يعتقدون أنها أروع الأشياء والتي تحصل في نهاية الأسبوع وفي الليل. الأمر الذي يجعل الأشخاص يكتشفون طاقاتهم: فانظر إلى نادي الحواسيب المصنوعة منزليا مع ستيف جوبز وستيف وزنياك، المدونات، الويب، والكثير من الأمور التي غالباً ما تكون ذات مصادر مفتوحة. الآن إنها العملة الرقمية "بتكوين" Bitcoin، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والبيانات الكبيرة.
"غيت هاب" على سبيل المثال بدأت بالعمل مع هواة لا يزالوا يحاولون تنظيم أنفسهم. ويتبيّن أنّه هناك إجراءات عمل مشابهة جداً في منظمات كبرى.
4 ـ غالبا ما تتحدى الأعراف الاجتماعية. شعور بالانزعاج من "إير أن بي" Airbnb و"إيباي" eBay. "فليكر" Flickr جعل الصور في متناول الجمهور كخاصية تلقائية. "فايسبوك" أطلق صفحة أخبار مثيرة للجدل أصبحت الآن العرف السائد.
وهو يقول إنّ أفضل الأفكار هي نتاج التجربة المباشرة مع التقنيات والمشاكل المحلية. وثمة طريقة أخرى هي النظر إلى الاتجاهات السائدة أو تطوير نظريات مثل بناء "إير أن بي" لأشخاص و"أوبير" Uber لأشخاص آخرين.
وغالبًا ما نجد في المنطقة العربية الكثير من الشركات الناشئة المحلية التي تشبه شركات ناشئة عالمية، فالفكرة الجيدة التي تنجح في مكان آخر يمكن أن تبدو فكرة سيئة فقط لأنها انوجدت في سوق صعبة حيث لم يجرؤ الآخرون على الدخول. فالأقلمة يمكن أن تكون عنصراً لا يراه عمالقة التقنية كأمر يستحق أن يصرفوا وقتهم عليه.
أمثلة: "أمازون" المنطقة، "فانت" بريفيه Vente Privee، "وان كينغ لاين" One Kings Lane، ومستنسخات "فاب" Fab. "جونابت" GoNabit، "كوبون" Cobone، ومجموعة مواقع العروض اليومية. "شوبيفاي" Shopify للشرق الأوسط. "سبوتيفاي" Spotify أو "هولو" Hulu للمنطقة. أحد أبسط النجاحات الكبيرة: نسخة أفضل من "تاماجوتشي" Tamagochi. من ظنّ أن العالم بحاجة إلى كل ذلك؟ ولكن بول سلامة يحقق النجاح الباهر في Pou.
ولكن الكثير من الأفكار الجيدة في هذه المنطقة هي ببساطة أفكار جيدة. جهاز يرصد دقات قلبك وأنت تسبح؟ تطبيق بديهي جداً لرصد الأخطاء البرمجية؟ تطبيق للصور البانورامية؟ كلها أفكار عظيمة. غير أن معظم الشركات في السوق لا تسطيع تحمّل انتظار عامين لرؤية ما إذا كانت الفكرة لديها زبائن. فالمستثمرون الذين يخشون المخاطرة كثيرون.
وأيضاً، للذين يريدون التنقيب في البنية التحتية العملية مثل حلول الدفع على الويب والمحمول، فإن الفرص كبيرة. وبشكل عام، الأفكار المتروكة التي لم تستغلها الشركات الموجودة والحكومة خصوصاً، كثيرة جداً.
غير أنه في هذه السوق، قد تكون الإخفاقات نتيجة خلل في نموذج العائدات والأعمال لا فشل المنتج نفسه. لماذا أغلقت "وايلد بيتا" متجرها وغيرت فكرتها؟ ولماذا يستعد "جست فلافل" للاكتتاب العام؟ وصحيح أن العرض التلفزيوني الجديد لـ"وايلد بيتا" قد يلقى رواجاً أكثر من محل لبيع السندويشات، ولكن الفرق بين الشركتين لم يبد يوماً أنه يتعلق بسندويشاتهما. وكما أشار ريد هوفمان مؤخراً، الاستراتيجية الأساسية للشركة لا علاقة لها بالمنتج بل بالتمويل.
إذاً ما من وصفة واحدة ناجحة لفكرة جيدة. ولكن ثمة طريق واحدة للانطلاق.