كيف تغيّر الكوميديا معالم الترفيه في السعودية
تترأس مشاريع الكوميديا مجال الترفيه المتنامي بسرعة في المملكة العربية السعودية. وخلال السنوات القليلة الأخيرة، تحوّلت الكوميديا الارتجالية أو stand-up comedy ، من مجرد هواية تقتصر على فئة معينة ويُنظمها ممثلون محليون غير معروفين في معظم الأحيان، الى صناعة مربحة لها مسؤولية اجتماعية وتضم شركات انتاج بارعة على غرار "تلفاز ١١" Tekfaz11 و"يوتيرن" Uturn Entertainment. ونجحت الكوميديا، بفضل ملايين الزيارات شهرياً وآلاف الاشتراكات الشهرية، بكسب شعبية كبيرة في السعودية، على الصعيدين الاجتماعي والتجاري.
ومن أجل فهم سرّ النجاح الواسع للمشاريع الكوميدية، لا بد أن نفهم البيئة الغريبة التي يعيش فيها الشباب السعودي.
تضمّ مملكتنا المحافِظة جداً والغنية بالنفط على أكثر الفئات شباباً في المنطقة. ونجد أن أكثر منسبعين في المئة من السكان البالغ عددهم أكثر من ١٨ مليون هم تحت سن الثلاثين فيما أكثر من ٣٠٪ هم دون الرابعة عشرة من العمر. وقد يشكل السكان الشباب نعمة أم نقمة على الاقتصاد السعودي. ففي حال تم توفير فرص تدريب وعمل مناسبة، قد يقود الشباب السعودي المملكة الى تحقيق نمو وازدهار اقتصادي لا مثيل لهما. أما إذا غابت فرص التعليم وارتفعت معدلات البطالة، فقد تتجه البلاد نحو الفوضى لا سيما أن وقت الفراغ يُشكل تحدياً حقيقياً للشباب السعودي.
في السعودية، نجد أن صالات السينما محظورة. مع ذلك، يستطيع الشباب التجوّل في متاجر تسوق عملاقة والمشاركة في فعاليات رياضية محلية (محدودة) أو مشاهدة قنوات تلفزيونية سخيفة تبث محتوى مستورداً. وساهمت هذه البيئة في توفير فرصة أساسية للممثلين والفنانين السعوديين للتشويش على بيئة الترفيه الحاضنة.
بالاضافة الى ذلك، إنّ ارتفاع نسبة استخدام التكنولوجيا في مجالي إنتاج المحتوى والاستهلاك في السعودية، يسمح لهؤلاء الكوميديين بالوصول الى أرقام قياسية من المشاهدين بين ليلة وضحاها. ويعتبر معدل استعمال الهواتف الذكية في السعودية الذي يصل الى ٦٠٪ من بين أعلى المعدلات في المنطقة. ومع ٢٤ مليون هاتف ذكي في المملكة، نجد أن عدد الهواتف الذكية أكبر من عدد المواطنين.
بفضل استخدام كاميرات رقمية ذات عدسة أحادية عاكسة DSLR ومواقع البث المباشر للفيديوهات مثل " يوتيوب"، نجح الكوميديون الرائدون في بناء شبكات محتوى موثوقة وواسعة النطاق. ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد المشاهدات على يوتيوب لكل فرد: ١٩٠ مليون مشاهدة على يوتيوب يومياً أو ٧ مشاهدات لكل مواطن يومياً، وهذه أرقام مهمة جداً لا سيما أن النسخة المحلية لـ "يوتيوب" لم يتم اطلاقها في السعودية الا عام ٢٠١١. إذًا ما الذي يشاهده معظم زوار "يوتيوب"؟ العروض الكوميدية.
واستفاد أيضاً الممثلون الهزليون السعوديون من شعبية وسائل الاعلام الاجتماعية لدى الشباب السعودي. تعتبر السعودية إحدى أكبر الأسواق لـ "تويتر" و"فايسبوك" في المنطقة حيث تجذب الأولى ٣ ملايين والثانية ٦ ملايين مستخدم ناشط في حين أنها شكلت، عام ٢٠١٢، أسرع الأسواق نموا لـ تويتر في العالم ، مع توسّع الاستخدام عشر مرات أكثر من المعدل العالمي (هذا العام، احتلتالمرتبة الثانية). وتسمح هذه الوقائع لشركات الانتاج السعودية بالتسويق لمنتجاتها من دون أي جهد وكلفة وبفعالية قصوى.
التوقيت المثالي
ولا شك أن توقيت ثورة الترفيه الرقمي في السعودية ممتاز. ففي حين يستمر "عصر التلفزيون الذهبي" في التراجع، تناضل شركات الاعلام التي توفر خدمات إلكترونية على الطلب لخلق محتوى لا يكون فورياً فحسب، لا بل يتمتع بنفس نوعية المحتوى على التلفزيون.
بدأت تظهر نماذج جديدة لابتكار المحتوى عند الطلب عالمياً. العام الماضي، استثمر موقع "نت فليكس" Netflix بمبلغ ١٠٠ مليون دولار لانتاج برنامج تلقى انتقادات لاذعة، "هاوس أوف كاردز" House of Cards فيما استثمرت "جوجل" أكثر من ٢٠٠ مليون دولار لتوسيع قنوات "يوتيوب" الأصلية الى أكثر من ١٦٠ قناة. قد تبدو هذه الأرقام ضخمة جداً الا أنها مبررة بسهولة. فقد استعادت "نت فليكس" استثماراتها بينما تتراجعت الاشتراكات في القنوات الفضائية "كايبل" cable التي كانت قد وصلت إلى ذروتها الىنحو ١٠١ مليون عام ٢٠١١ ليتوقع أن تتراجع الى أقل من ٩٥ مليون بحلول ٢٠١٧
الا أن مستهلكي المحتوى عند الطلب يواجهون تحدياً جديداً يتعلق بالولاء للماركة وعائدات الاعلانات المستمرة. فمن أجل أن تحّل وسائل الاعلام الالكترونية مكان "الكايبل"، فعليها أن تضمن أن يعود المشاهدون من جديد لمشاهدتها كل أسبوع وعليها أن تخوّل شركات الإنترنت من توليد عائدات من الأعلانات. ويبدو أن شركتَي "تلفاز ١١" و"يوتيرن" اللتان تتخذان من السعودية مقراً لها تتبعان هذه المنهجية.
ويبقى عامل النجاح بالنسبة لمشاريع الترفيه السعودية على الانترنت هو المحافظة على نسبة المشاهدين العالية. وتأتي معظم الانتاجات على شكل مسلسلات متواصلة قصيرة تتضمن حلقات يتراوح طولها بين ٤ الى ١٥ دقيقة. وعلى الرغم من أن عدد المشاهدين يختلف من برنامج الى آخر، الا أن عددهم بالإجمال يبقى مرتفعاً. فيحظى موقع "يوتيرن" بمعدل ٢٠ الى ٣٠ مليون زيارة شهرياً.
وبالفعل، ضمنت هذه الشركات عدد مشاهدين مستقر لبرامجها الأساسية مثل "لايكثر" و "ايشاللي" و"علىالطاير"، ووسّعت شبكة برامجها لتطال جمهورًا محددًا مثل البرنامج الثقافي الهذلي " نون النسوة" الذي يستهدف السعوديات، أو حتى برامج تتخطى حدود الكوميديا الى فئات أخرى من الترفيه على غرار مسلسلات "يوتيرن" الدرامية، "تكي" ومجموعة البرامج الوثائقية التي تنتجها "تلفاز ١١" .
وذهبت بعض البرامج الى أبعد من الضحك للتطرق الى مواضيع مثيرة للجدل في المملكة. في إحدى آخر الحلقات، تناول برنامج "لا يكثر" موضوع سوء معاملة العمّال اعتماداً على تجربة العمال من آسيا الجنوبية، الذين عملوا في البلاد لمدة طويلة مقابل راتب متدني. أما برنامج "على الطاير"، فتناول موضوعاً أكثر إثارة للجدل في آخر حلقاته ألا وهو تدمير المواقع الإسلامية التاريخية في مكّة المكرمة. وعالج البرنامج الذي يتخذ جدة مقراً له عدداً من المواضيع الحساسة في مكة متناولاً كل الأوجه، من الاصابات المدنية خلال مشاريع البناء الى التسويق المفرط للمنطقة المحيطة بالمسجد الكبير. ويُقال أن الكوميديا هي حجر الأساس للتطور البشري لأنها الطريقة "الأسلم" لنقل الأيديولوجيات أو وجهات النظر المثيرة للجدل، وخير دليل على ذلك البرامج الهزلية على الانترنت في السعودية.
تطور مجال الترفيه السعودي الالكتروني بشكل ملحوظ وسريع. خلال السنوات الثلاثة أو الأربعة الماضية، شاهدنا التطوّر السريع، من برامج الكوميديا الارتجالية الى عروض كوميدية اجتماعية وأخيراً الى تأسيس شركات انتاج مميزة تواصل نموها، إن من حيث الحجم أو من حيث عدد المشاهدين. هل سيحمل المستقبل هذه الشركات الى ما أبعد الحدود السعودية أو ربما الى خارج شاشة الكمبيوتر؟ وحده الوقت كفيل بالإجابة الا أن المستقبل يبدو مشرقاً.
ملاحظة: ترقبوا المزيد عن فورة المحتوى العربي في فيديو قادم على "ومضة".