امسك متحرش!: التكنولوجيا في مواجهة التحرش في مصر
تتعدد الخيارات عند التعامل مع أي مشكلة ما بين تجاهلها، انكارها، مواجهتها، ومحاولة إيجاد حل ما باستخدام الموارد المتاحة. ويعبر الخيار الاخير عن مبادرة امسك متحرش- HarassMap في مصر لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي، ظاهرة تعامل معها الكثيرون في البداية بالتجاهل والانكار.
"امسك متحرش" هي مبادرة تطوعية بالأساس هدفها إنهاء التقبل المجتمعي لظاهرة التحرش الجنسي في المجال العام عن طريق عدد من التدخلات مثل الابلاغ عن حوادث التحرش الذي تحدث في الشارع بصورة يومية عن طريق المتضررات/ين باستخدام عدة وسائل (الرسائل القصيرة او موقع المبادرة او حسابات المبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة) ومحاولة تقديم المساعدة القانونية والنفسية وكذلك الحملات المجتمعية من خلال المتطوعين.
كانت البداية نقلا عن انجي غزلان احدى مؤسسات المبادرة في 2009 بتجميع أربعة من الشابات المصريات اللواتي عملن في منظمات وحملات سابقة ضد التحرش الجنسي.
وتعتبر المبادرة من اولى المبادرات التي عملت بشكل مستقل على الظاهرة سواء كان على الأرض أو أونلاين. وتتعدد اليوم المبادرات التي تواجه الظاهرة باشكال مختلفة مثل تحرير بودي جارد وقوة ضد التحرش الجنسي. فبعد ثورة 25 يناير تزايد بوضوح عدد العاملين على الظاهرة وأغلبهم مبادرات شبابية.
ويكمن تميز مبادرة "امسك متحرش" في تسخيرها للتكنولوجيا من أجل التصدي لظاهرة مجتمعية شديدة الحساسية مثل التحرش الجنسي. فتعتمد المبادرة بالأساس في توثيق الظاهرة على مفهوم الـCrowdmapping أو تشارك الجمهور باضافة المعلومات على خريطة لمصر تعكس تقارير المتضررين/ات التي تم الابلاغ عنها بالوسائل المختلفة تلقائيا على موقع المبادرة. وتساعد الخريطة على تجميع قصص حوادث التحرش وتحتفظ بالتقارير على المدى الطويل.
تطور عمل المبادرة
تطور عمل المبادرة بسرعة وكذلك المجالات التي تعمل فيها. واليوم يقدم الموقع المساعدة للمتضررات/ين عن طريق ارسال رسائل نصية بسبل المساعدة النفسية والقانونية المجانية.
كما ويعمل الفريق على اتاحة امكانية الابلاغ عن حوادث التحرش الجنسي لقطاعات أكبر وجعلها أكثر سهولة، فتتطورت طرق الابلاغ من عبر الموقع الى رقم هاتف موبايل الى رقم ساخن قصير، ويسعى ان يكون الابلاغ عن طريق تسجيل صوتي فقط، وعدم الاحتياج بالتالي لكتابة رسالة نصية أو ان يكون الشخص متعلم أو حتى مستخدم للانترنت.
وتؤكد غزلان أن خريطة التحرش المتاحة على الموقع ليست بالضرورة معبرة عن حقيقة نسبة التحرش في منطقة او محافظة ما، حيث ان نسبة الابلاغ والتقارير المرسلة قد تكون مرتبطة بمعرفة المتضرر/ة بالمبادرة او مدى تعرض اهل المنطقة للتكنولوجيا واستخدامهم لها. ولكنه من الكافي استخدام التقارير كمعلومات موثقة بالمكان والتاريخ والحادثة ونوعية التحرش للرد على حجج مثل أن الظاهرة غير منتشرة وتقتصر على القاهرة فقط وتحدث في أوقات معينة من اليوم ومن قبل خلفيات اجتماعية معينة.
وتعتبر التوعية المجتمعية والتواصل مع المواطنين احدى ركائز عمل المبادرة عن طريق المتطوعين في عدد من المحافظات. والهدف منها هو خلق ثقافة رافضة للتحرش الجنسي لدى سكان المنطقة الواحدة وخلق مساحات أمنة وذلك مرة كل شهر تحت اسم "خلي الشارع أمان".
وحتى بداية عام 2013 لم تأخد المبادرة أي تمويل حيث عمل الفريق على حسن استخدام ما هو متاح من موارد من خلال شبكة علاقتهم، وأضطروا أحيانا للصرف بأنفسهم على أنشطة المبادرة البسيطة. وترى غزلان أنه "في النهاية لا يمكن لأي مبادرة أو مشروع ريادة اجتماعية أن يستمر اعتمادا على منح تمويلية، ويجب ايجاد طرق للتمويل الذاتي والاستدامة المالية". وتحتضن المبادرة حاليا جمعية نهضة المحروسة لمدة ثلاث سنوات.
ومؤخراً تبنت المبادرة خيار التمويل الجماهيري (CrowdFunding) لتطبيق حملة اجتماعية واسعة على المستوى الوطني ضد مرض التحرش من خلال وسائل الاعلام الرئيسية المطبوعة والتلفيزيونية والراديو وكذلك على الانترنت وفي الشارع، ما سيوسع من نطاق عمل المبادرة وتأثيرها.
ونظرا لأهمية التعاون وتبادل الخبرات الذي تؤمن به المبادرة، قامت بالعمل مع عدة مبادرات في بلاد مختلفة لتهيئة فكرة المبادرة لسياقات مجتماعاتهم، والمساعدة من الناحية التقنية أيضا. وهو ما أثمر عن مبادرات مشابهة في سبع بلاد مختلفة مثل فلسطين وبنغلاديش. ومازال العمل مستمر مع مبادرات أخرى من ثلاثة عشر دولة مثل الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا واليابان واندونيسيا.
عام 2013
بالاضافة الى حملتها "بيتحرش ليه؟!" التي اطلقتها المبادرة على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة خلال عام 2013 للرد على الحجج المستخدمة لتبرير التحرش الجنسي، ستقوم الحملة أيضا باجراء أنشطة مدرسية مختلفة تحت شعار "مدارس آمنة" للعمل على التوعية بين طلاب ومدرسي واولياء أمور المدارس ابتداء بالمدارس الحكومية.
مع مرور الوقت اختلف ادراك المجتمع لظاهرة التحرش وأصبح يأخذ حيز أكبر من الاهتمام، وفي النهاية يعود ذلك للكثير من الشابات والشبان الذين بادروا بالتكلم والتحرك باستخدام ما يملكون من موارد بسيطة ورفضهم الرضوخ للواقع.