انتخابات كينيا تشهد فشلاً تكنولوجياً: الأخطاء ودور المواطنين في الإبلاغ عن المخالفات
خلال الأسبوع الماضي، بدأت في كينيا عملية انتخاب رئيس الجمهورية الرابع للبلاد منذ استقلالها قبل خمسين عاماً.
وكان الإقبال على الاقتراع مذهلاً، إذ تهافتت نسبة غير مسبوقة ناهزت 86% من أصل الـ 14.3 مليون ناخب مسجّل، وانتظر الناخبون في الصفوف لساعات، وأحيانًا لتسع أو عشر ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، للإدلاء بأصواتهم.
عندما خيّم الهدوء من جديد على المنطقة بعد أسبوعٍ تقريباً من فرز الأصوات اليدوي، فاز أوهورو كينييتا بفارق ضئيل بلغت نسبته 0.07 % فقط، أي ما يعادل 8000 صوتٍ تقريباً فوق نسبة الحد الأدنى وهو الرقم الذي يجب بلوغه للفوز من الدورة الأولى. كينييتا هو من أغنى رجال أعمال كينيا وابن الرئيس الكيني المؤسس، ورجلٌ يُحاكم في المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه "جرائم ضد الإنسانية" ارتُكبت كما يُقال في انتخابات كينيا الماضية.
إذا وضعنا السياسة جانباً، كانت العقبة الكبرى الأخرى التكنولوجيا، إذ تُعد كينيا اليوم نجمة أفريقيا الصاعدة تكنولوجياً، وجزء من الفضل يعزى إلى إطلاق منصة المساهمة الجماعية في الخرائط، "أوشاهيدي" Ushahidi عام 2007 التي ساعدت المواطنين على تتبّع أعمال العنف التي تلت الانتخابات. غير أنّ التكنولوجيا هذه المرة كادت تفسد الأمر برمّته.
شبكة الانتخاب الإلكترونية
خلال انتخابات عام 2007 في كينيا تمّ تزوير الأصوات بما يقدَّر بمليوني "صوت لشخص متوفي"، وتميّزت بغياب تامّ للشفافية، ما أدّى إلى انتشار العنف القبلي، وأسفر عن وفاة أكثر من ألف شخصٍ وتهجير حوالي نصف مليون نسمةٍ.
وقد تمّ اللجوء إلى التكنولوجيا هذا العام لتفادي هذا الفساد. فاستخدمت وسائل تسجيل الناخبين عبر لوحات التعرّف الإلكتروني على البصمات لتسجيل 14 مليون ناخب، وكان من المفترض استخدام الحواسيب المحمولة في كافة مركز الاقتراع في الرابع من آذار/ مارس للتعرّف على هوية الناخبين.
كما زُوّدت مراكز الاقتراع، التي بلغ عددها 33 ألف مركزاً في البلاد، بهواتف ذكية عليها تطبيقات مصممة لإرسال نتائج مؤقتة مباشرةً وفورية إلى مركز فرز الأصوات الوطني في نيروبي. والهدف من ذلك هو أن تبثّ النتائج فيما بعد اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود IEBC عبر واجهة برمجة تطبيقات على الإنترنت، ما يخوّل المحطات التلفزيونية بعرض نتائج محدّثة فور ورودها.
هذا أمر رائع، أليس كذلك؟ فالشفافية والمسائلة هما المكونان اللازمان لانتخابات ممتازة. ومع ذلك، كان غريغوري وارنر من الإذاعة الوطنية العامة أفضل من وصف الوضع، قائلاً: "طموح عالٍ؟ بالطبع. فالكهرباء لا تصل سوى لنسبة 23 بالمئة من البلاد".
عندما بدأت الانتخابات الفعلية، نفدت بطاريات الحواسيب المحمولة، فتعطلت آلات تسجيل الناخبين بالبصمات واستُبدلت بأوراق الاقتراع وقوائم تسجيل الناخبين لدعم البيانات.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ.
فمع توافد الأصوات بكثرة مساء الاثنين، أصبح موقع بيانات اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود محمّلاً فوق طاقته. إذ لم تُقسّم مساحة الأقراص بالشكل الملائم قبل الانتخابات وفقاً لكبار مسؤولي اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود، ما أدى إلى عدم ظهور كافة الأصوات على الموقع. وسرعان ما توقفت التحديثات المباشرة، ما أسفر عن انتشار القلق والارتباك في أوساط الجمهور.
وبعد ذلك، طرأ خلل غريب أيضاً في الحواسيب بدأ في مضاعفة أعداد "أصوات الأشخاص المتوفين" بثمانية. وكانت هذه الأصوات إمّا غير مقروءة أو موضوعة في الصناديق الخاطئة أو مدوّن عليها أكثر من اسم مرشّحٍ واحد فجُرّدت من الأهلية. وفجأةً، اعتقد الناخبون أنّه سيتم التخلّص ممّا يقارب ربع الأصوات.
وما كانت النتيجة النهائية لهذا الفشل التكنولوجي؟ تمّ إعادة فرز كافة الأصوات يدوياً، من دون استخدام الوسائل التكنولوجية ومن دون الاعتماد على الأصوات المفرزة النهائية.
والمثير للإعجاب أنّ كينيا صمدت لأسبوع كامل وحافظت على
وضعٍ سلمي.
تكنولوجيا يدعمها المواطنون
في حين فشلت تكنولوجيا الحكومة واللجنة المستقلة للانتخابات والحدود في مهمتها، نجحت "أوشاجوزي" Uchaguzi.
"أوشاجوزي" هي منصة مساهمة جماعية للخرائط ترتكز على تقارير المواطنين وتدعمها "أوشاهيدي". كانت "أوشاغوزي" قد نشرت فِرقها في كافة أنحاء العالم لتعمل على مدار الساعة على التتبّع والتأكّد من صحة التقارير المرسلة عبر الرسائل القصيرة و"تويتر" والبريد الإلكتروني بشأن الانتخابات، سواء تعلّقت بأعمال العنف ومشاكل في الاقتراع أم كانت تقارير بسيطة عن الوضع السلمي.
وكانت النتائج ملفتة للانتباه.
- أكثر من أربعة آلاف تقرير ورد من المواطنين.
- 469 تقريراً بلّغ عن مشاكل في الاقتراع، من مخالفات ومشاكل في التسجيل إلى شراء بطاقات الانتخاب وغيرها.
- 452 تقريراً بلّغ عن مشاكل أمنية، تهديدات باستخدام العنف، إحداث أعمال شغب وغيرها.
والأمر الإيجابي الوحيد الذي ذكر هو ورود 751 تقريراً يتحدث عن دور الشرطة في تعزيز السلام.
في ما يلي بعضٌ من التقارير المذكورة:
مشاكل في وسائل تسجيل الناخبين عبر البصمات:
الأحداث المفاجئة:
التهديدات الأمنية:
تعزيز السلم:
القرار بيد كينيا
أخيراً، عبّر الكينيون عن آرائهم على "تويتر" عبر وسم #KOT.
تضمّ كينيا ثاني أكبر مجتمع أفريقي ناشط على "تويتر"، إضافة إلى مغتربين ناشطين بشكل استثنائي. ومع تزايد القلق عالميًّا بسبب الفرز البطيء للأصوات، استخدِم الوسمان #IEBC و#Kenyadecides بتزايد على "تويتر" في العالم أجمع، وربّما كانت هذه المرّة الأولى التي تلقى فيها لجنة انتخابات هذا القدر من الرواج. ويقدّم الرابط التالي تحليلاً ممتازاً لما جرى:
http://www.slideshare.net/SamerCostello/twittelection
ستجد أدناه بعض التعليقات الطريفة:
حتى شبكة الإرهاب الصومالية، حركة الشباب، قررت المشاركة
في اللعبة.
حدث رد فعل عنيف ضد الصحفيين الأجانب حيث اتّهمهم مجتمع "تويتر" بـ "الباحثين عن المتاعب".
ومنهم من شعر بالفخر، حتى وإن كان مغترباً.
لم تنتهِ انتخابات كينيا بعد، إذ إنّ منافس أوهورو كينييتا الرئيسي، رئيس الوزراء رايلا أودينغا، قدّم طعناً بنتائج اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود أمام المحاكم الكينية، وإن تم تأكيد المخالفات المذكورة، يُمكن أن تُعاد الانتخابات أو أن يتواجه المنافسين إلى مرحلة حاسمة أخيرة.
ما العبرة التي نستخلصها؟ بالرغم من أنّ التكنولوجيا فشلت فشلاً ذريعاً في الانتخابات الكينية، إلاّ أنّها أدّت دوراً بارزاً على أصعدة أخرى، منها المحافظة على السلام وتهدئة أجواء المحادثات وإبقاء ملايين المواطنين على اطلاع فوري عما حدث أثناء "تعتيم عملية فرز الأصوات". ولعلّ كينيا صادفت عقبةً في طريقها، لكنّها لم تضلّ مسارها بتاتاً.