لقاء للمبدعين يشجّع على الابتكار الشخصي والمبادرات الفردية: مختبرات لمبة في بيروت
"أرفض أن أفكر بهذه الطريقة" قال لي بلال غالب حين التقيت به لأول مرة، وكنت قد وصلت لتوّي إلى بيروت وأقوم بزيارة "مختبرات لمبة" Lamba Labs في أيامها الأولى. وحين كنت أنظر إلى الأعمال الفنية الليبرالية على الجدران، قلت له إني هنا فقط لأشاهد وأرى ما هو مخططهم، إذ لم أكن واثقاً بأني قادر على المساهمة مباشرة.
ورد غالب عبر الشرح بأن أول لقاء للمبدعين أو "هاكر سبايس" Hackerspace في بيروت لن يكون فقط مكاناً للتقنيين أو المطورين، بل أيضًا مكاناً لأي شخص يريد أن يتعاون في مشاريع تتراوح بين الأجهزة والطبخ إلى البرامج والكتابة الإبداعية والموسيقى والرسوم التوضيحية.
وجعلني تشجيعه ودعم الأعضاء الآخرين في الجمعية أشعر فوراً أني محلّ ترحيب وهو ما دفعني إلى العودة مجدداً.
تأسّست الجمعية أساساً على يد غالب نفسه والمبادرة الدولية لريادة الأعمال ومساحات الابتكار GEMSI، وفريق من المبدعين الناشطين في بيروت، الذين أرادوا إطلاق حركة "لقاء المبدعين" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واحتلت "مختبرات لمبة" بسرعة الطابق الثاني من كاراج بيروت Karaj وهو مساحة إعلامية تجريبية تضم الآن غرفة كبيرة للاختراعات والتصليحات وتجميع الأجهزة وعرض الفيديوهات وقضاء الوقت ببساطة، إضافة إلى مطبخ كبير يعج بالأعضاء والزوار الذين يتشاركون الطعام مع الآخرين، وبعض الغرف المكتبية المفتوحة، وشرفة تطل على منطقة مار مخايل وفناء خلفياً مفتوحاً للأعضاء لكي يمضوا الوقت مع بعضهم ويتعاونوا في مساحة مفتوحة.
وبالطبع يوجد في "مختبرات لمبة" طابعة ثلاثية الأبعاد أيضاً وهو أمر ضروري لأي مساحة ابتكار جدية.
وجميع الفعاليات التي تنظمها "لمبة" أسبوعياً وأحياناً يومياً، تعج بالمشاركين المهتمين الذين يتدفقون إلى "ليالي الإبداع المفتوحة" هذه وجلسات التمارين الموسيقية، وورش أعمال حول الطباعة ونحت بالطين والطبخ والرسم التوضيحي وخصوصية الإنترنت والـ "آردوينو" وهي لوحة تطوير إلكترونية (جميعها مدرجة في نشرتهم الأسبوعية).
من يساهم، يدير
قد تظنّ أنّ "مختبرات لمبة" تدار بكرم مؤسسيها ولكنها في الواقع تملك خطة لتحقيق الإيرادات. فالأعضاء يدفعون 20 دولاراً في الشهر وخلال الفعاليات، التي هي بمعظمها مجانية، يطلبون تبرعات. ويقول أحد الأعضاء المؤسسين بسام جلغا إنه إذا تراجعت إحدى هذه المصادر، فسيقوم الفريق بإطلاق حملة تمويل جماعي للبقاء مستمرين.
وتحظى المبادرات الفردية أيضاً بالتشجيع، فقد أطلق أحد الأعضاء حملة صغيرة للمساعدة في تمويل جهاز الـ "أوسيلوسكوب" الجديد للجمعية (يسمّى أيضاً راسم الاهتزاز المهبطي أو راسم الإشارة) باستخدام منصة التمويل الجماعي اللبنانية الجديدة "يوفرز" Yoofers.
وفي هذه الروح من الانفتاح والتعاون، تدار المساحة وفق ما يقول جلغا أنها قاعدة "من يساهم، يدير" أو ما يعرف بالإنكليزية بـdo-ocracy.
قد يبدو هذا وصفة للفوضى ولكن في الواقع تتميّز هيكلية الإدارة لديهم بالشفافية الشديدة. فأعضاء مجلس الإدارة ينتخبون
من قبل الأعضاء لمدة ستة أشهر لملء مواقع المدير وأمين الخزانة وأمين السر ومدير جمع التبرعات ومسؤول قسم الألعاب. كما أن اجتماعات الأعضاء مفتوحة أمام الجمهور ومحاضر الاجتماعات تنشر على الإنترنت.
ولكن لا يوجد شيء ثابت حتى الآن ويوضح جلغا قائلاً "لا نزال في طور الاختبار. فهذا المشروع هو اختبار كبير لكي نرى كيف يمكن أن تصمد المساحة في بيئة بيروت". وبالفعل فإن هيكلية الإدارة في "لمبة" تشكل تناقضاً كبيراً مع الأجواء الداخلية والسياسية المحيطة التي غالباً ما تخنق الإبداع والتطور في هذا البلد.
ولكن مجرد إنشاء مثل هذه المساحة هو إعلان بأن الطرق القديمة للقيام بمشاريع الأعمال لم تعد ذات صلة بالواقع والمعيار الجديد الآن هو التقدم من خلال التعاون العام. ويأتي أعضاء لمبة من جميع القطاعات ويتبنون مختلف القضايا من التمكين السياسي إلى هندسة الروبوت ومن حقوق المرأة إلى تطوير الألعاب. وهذه الطاقة الشاملة هي التي تبقي "مختبرات لمبة" على علاقة وثيقة بالواقع وفي نمو مستمر.
توسيع النموذج
بنى غالب ومبادرة GEMSI على نجاحهما في بيروت ليبدآ لقاء المبدعين في بغداد يحمل اسم "فكرة"، حيث يجد المبدعون العراقيون والصانعون مساحة لإخراج إبداعهم ويقدمون الأمل لمجتمعهم. وتعتبر هذه المساحة أمرًا إيجابيًّا وسط كومة من التوترات الطائفية، وقد تم تمويلها من خلال حملة تمويل جماعي على موقع "كيكستارتر" Kickstarter لتكون بمثابة ملاذ لمن يتطلعون إلى تحكّم أكبر بمصائرهم.
لعل هذه المساحات هي منتج طبيعي للثورات في المنطقة وخطوة باتجاه تلبية حاجة المنطقة إلى التعبير في وقت تتباطأ الحكومة في تحقيق التغيير. لقد استمتعت بالوقت الذي قضيته في "لمبة" وبالأداة التي بنيتها في النهاية وبالناس الموهوبين الذين تجذبهم هذه المساحة. آمل أن يكون هؤلاء قادرون على الحفاظ على مبادرتهم ولكن من أجل تحقيق الاستدامة، عليهم الاعتماد على أعضاء من المجتمع لكي يستمرّوا.
هذا هي نقطة ضعفهم وقوتهم في الوقت ذاته، فإن أراد المجتمع هذه المساحة فسوف تصمد، وإلاّ فلن يكون لهذا ذلك. ولكن لغاية الآن يبدو أنّ بيروت متعطشة لكي تبقى هذه المساحة الفاتحة الأبواب وتواصل في التوسع. والأكيد أنهم يكتسبون شعبية بشكل سريع.
مصدر الصور: صفحة "مختبرات لمبة" على فايسبوك.