درس في القيادة: زيارة فادي غندور وتوني فرنانديز إلى طيران آسيا
دخل ليحيينا وبدأ يطلق النكات. الرجل مفعم بالشغف والكاريزما، ومعرفته بكل تفصيل صغير في شركته واضح جداً. قضاء بعض الوقت مع توني فرنانديز، مؤسس طيران آسيا هو درس فريد في القيادة والإدارة.
أسأله عن ما يجعل شركته مختلفة للغاية وناجحة جداً ولماذا هو متحمس لكل شيء يفعله، خالقاً ثقافة تظهر على وجوه الجميع في الشركة، فيجيب: "إنها ثقافة الشركة لدينا، هي التي تميّزنا". وهذا ما يجعل تلك التجربة ناجحة إلى هذا الحد، فتوني فرنانديز ليس رئيساً تنفيذياً عادياً وطيران آسيا ليست شركة عادية. فالسير معه إلى الطبقة الأولى حيث الشركة هو مثل السير مع نجم يستعد للصعود إلى المسرح، باستثناء أن كل شخص يحييه ليس من "المعجبين" بل جزء من "الفرقة" (أو العلامة التجارية في هذه الحالة).
تقع إدارة الشركة على منصة كبيرة في مكتب مفتوح حيث للقائد الطيار زاوية يراقب فيها فريق العمليات الموجود إلى جانب فريق الرحلات، الملاصق لمساحة الاستقبال حيث لا يوجد مركز للاتصالات الهاتفية بل فريق لخدمة الزبائن عبر الدردشة على الإنترنت.
(يقول توني إنه أغلق مركز الاتصالات لأن لا حاجة إليه ولم يكن يقوم بما كان يفترض به. لذلك فإن موقعه الإلكتروني حيث يأتي الزبائن ويحجزون ويدفعون ويشتكون أو يسعدون هو أرضية كبيرة وسعيدة ـ كل شيء مترابط وكل شيء واضح وكل شيء يديره توني).
ولو لم تكن تعلم أن هذه شركة طيران لظننت أنك في شركة تدير أعمالها على الانترنت (شركة دوت كوم) يديرها مبشر يعيش في كوالالمبور وليس في سيليكون فالي (وادي السيليكون).
إذا ما هي هذه ثقافة الشركة التي تغيّر حياة الناس وتجعل من هذه الشركة إحدى أنجح شركات الطيران في العالم؟ وهنا يفرض سؤال آخر نفسه "التسلسل الهرمي، أي تسلسل هرمي؟!". فتوني هو قائد ومدير، ولكنه واحد من الفريق أيضاً. ومكتبه موجود في قلب الشركة، بدون جدران او أبواب بحيث يمكنه رؤية الجميع. الكل هنا ينادونه توني وهو يرتدي قميص بولو ويضع قبعة البيسبول الشهيرة. "رذيلته" الوحيدة هي أنه يحصل على موقف خاص لسيارته البيجو البيضاء ذات البابين الى جانب باب المبنى.
ولدى خروجه من السيارة إلى مكتبه الموجود إلى جانب محطة الركاب، يستوقفه الزبائن للحصول على توقيعه والتقاط صور معه. يتحدث توني إليهم ويحمل معهم الحقائب وأحياناً يسجل لهم الدخول ويدخل معهم إلى الطائرة.
فهل يمكن لثقافة الشركة أن تكون الميزة التنافسية الوحيدة للشركة؟ يمكنك أن تراهن أنها كذلك، ولكن في الشركات التي تتعامل مع الناس يمكن للناس أن يصنعوا الشركة أو يكسروها، وسعادتهم أولوية. في هذا المجال، يمكنك شراء أفضل شركات الطيران في العالم، وستكلّفك ملايين الدولارات، ولكن إذا لم يكن لديك الناس الذين يجعلون الاستثمار في الطائرات يستحق الجهد، فأنت تسير في طريق الزوال.
قطاع الطيران مليء بالعلامات التجارية التي لم يفكر أحد منا أنها ستندحر اليوم. ولكن توني، بفكرته البسيطة بأن الناس عنصر أساسي، وقدرته على تنفيذ ما يقوله، أنشأ في نهاية المطاف شركة للناس، محققاً عائدات بمليارات الدولارات ومئات الملايين من الأرباح التشغيلية. كم من الشركات يمكنها تحقيق هذه الهوامش التي لا تصدق، وكم من الشركات بإمكانها تشغيل 100 طائرة، مع ما يزيد عن 300 عملية إقلاع وهبوط يومياً، وتتمكن في الوقت نفسه من جني هذه المبالغ من المال؟ إنها سلعة نادرة بكل المقاييس.
يدحض توني فرنانديز نظريات مايكل بورتر حول قطاع الطيران، فهو يتحدى نظريات إدارة الأعمال والجاذبية فقط لأن قيادته للشركة وإدارته تجعلان العمل في شركة طيران ممتع كالعمل مع جوجل أو زينغا أو فايسبوك.
بعد أربع ساعات أمضيتها مع توني، حيث تناولنا من وجبات الرحلات في الكافتيريا المفتوحة مع كل متدرّب وربّان وموظف في الخدمات الأرضية، خرجت وأنا أفكر بأني كنت في كلية للقيادة وتعلمت ما عرفته طوال عمري: أن تحويل الأقوال إلى أفعال ليس نظرية، إنها حياة بحد ذاتها في عالم الشركات وعالم القيادة وعالم المستهلكين حيث يحكم الزبائن من خلال التقييم المباشر على فايبسوك وتويتر وكل ما بينهما.
إذاً بينما نواصل النظر إلى الغرب كي نتعلّم، قد يكون الدرس الحقيقي أحياناً حيث الشرق يتقاطع مع الجنوب ويمتزج مع الواقعية ويستمد طاقته من اللمسة السحرية لقائد يحوّل العمل إلى متعة ويرسم بسمة على كل وجه.