كيف تحسّن نتائج محرك البحث بشكل أخلاقي؟ ولماذا يجب أن نهتم بهذه المسألة؟
كنت أقرأ كتاباً لكريستوفر إيليوت يحمل عنوان
Scammed (احتيال) الذي يتطرق إلى مدى التضليل والتشويش اللذين
تمارسهما الشركات تجاه المستهلكين من أجل فصلهم عن المال الذي جهدوا
ليكسبونه. ولكن ما فاجأني، كان تخصيص فصل كامل لتحسين نتائج محركات
البحث.
وتحسين نتائج محركات البحث، لمن لا
يعرفون جيداً، هو مجال واسع وغامض وسريع التغيّر ويمكن أن يصنّف بثلاث
طرق كقاعدة عامة:
ـ "الدور الأبيض" قد
يكون أي نوع من التقنيات الشرعية التي تستخدم لضمان أن يكون موقعك
الإلكتروني، ودوداً مع محرك بحث أو تنافسياً. وهذا يتضمن التأكد،
مثلاً، من أنك تستعمل التوصيفات والسمات والكلمات المفتاح المناسبة
لأهداف شركتك.
ـ "الدور الأسود" يتضمن تقنيات أقل وتستخدمها بعض الشركات من أجل
"خداع" محركات البحث لكي تمنحها موقعاً في نتائج البحث أفضل مما
تستحق. وكما قد تتخيّل، لا يوجد حدود لأنواع الخدع التي قد تستخدم في
هذا الإطار. إلاّ أن جوجل لديه الحكم الفاصل في هذه المعركة، إذ يتوقع
البعض أن جميع تقنيات تحسين نتائج البحث ستصبح غير ذات صلة في غضون
عشر سنوات إذ تصبح محركات البحث أكثر تمرّساً في تحديد المعاني الأعمق
للمحتوى على الإنترنت.
ـ "الدور الرمادي" هو الأكثر إثارة
للاهتمام أخلاقياً في هذه الفترة. وككل ما هو رمادي، فإن التقنية التي
تندرج في هذه الفئة موضع شك من الناحية الأخلاقية، أو غامضة في أحسن
الأحوال.
والخلاصة بحسب تعريف إيليوت، أن
دفع المال للآخرين أو الطلب منهم إدراج رابط لموقعك الإلكتروني هو
بالتأكيد "دور رمادي" ـ أو برأي إيليوت، خاطئ قليلاً من الناحية
الأخلاقية! لكن معظم الشركات المتنافسة لا يمكنها تبرير عدم استخدام
مزيج من تقنيات الدور الأبيض والرمادي للحصول على أفضلية في
التنافس.
البعض يفعل ذلك عبر القوة الخالصة
لميزانيات التسويق الضخمة. حتى أن هناك وكالات متخصصة في حملات واسعة
لحمل الناس على الارتباط بالموقع الإلكتروني للزبون. كلفة هذا الأمر
ليست قليلة، مما يعني أنه يمكنك ان تراهن بأن كبرى الشركات وأكثرها
غنى تستغل تلك التكتيكات إلى أقصى درجة. وفي المقابل فإن
الاستراتيجيات "المكتسبة" و"العضوية" لبناء الرابط الإلكتروني، هي أي
شيء تفعله الشركة لحمل الناس على ذكر أو الارتباط بأي موقع من تلقاء
أنفسهم.
Overstock.com هو مثال على الشركة
التي، بحسب إيليوت، لم تكسب بشكل عادل إمكانية الارتباط بموقعها.
وبدلاً من ذلك قدمت حسماً بنسبة 10% لأي موقع إلكتروني خاص بمؤسسة
تعليمية (.edu) يعرض رابطاً لـ Overstock.com. وهذه الاسراتيجية كان
لديها تأثير إيجابي على موقع الصفحة في نتائج محرك البحث لأن جوجل
يعطي ثقلاً أكبر للروابط التي تأتي من مؤسسات حكومية أو تعليمية. وكما
يعتبر إيليوت فإن العمل بمثل هذه الاستراتيجية هو بمثابة غزل "شبكة من
الأكاذيب"، وأقل ما يؤدي إليه ذلك هو تلويث ما كان يمكن، برأيه، أن
يشكّل تجربة متفوقة في البحث على الإنترنت.
ولكن هل يستحق التلاعب بنتائج محرك
البحث بهذه الطريقة أن يتاح له موقع متقدم ومركزي في كتاب يحمل عنوان
Scammed؟ ما الذي يجعل حملة تسويق مشاكسة في محرك البحث غير أخلاقية
أصلاً؟ هل حين نستعمل المال (أو الموارد) لتعزيز نشر رسالتنا أو حين
نستعمل القوة (قوة المال) لدفع عملنا قدماً (أي بشكل مصطنع)، ننتهك
مفهومنا للعدالة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستعتمد على
ما نتوقعه من محرك البحث. فمحرك البحث بالنسبة لـ"لأصوليين" في هذا
النطاق، ليس أكثر من تكنولوجيا موجهة لتعكس حقائقنا الاجتماعية، مهما
كانت. وإذا كانت هذه فلسفتك، فقد تعتبر إشكالية إذا استخدمت الشركات
محركات البحث كأداة للتحكم بالإدراك العام.
ولكن هنا تكمن المشكلة، ففي الواقع
أو العالم غير المتصل بالإنترنت، تتلاعب الشركات بعالمنا لصالحها حيث
تخصص ميزانيات هائلة لإدخال اللوغو الخاص بها في صلب وعينا من خلال
اللوحات الإعلانية التي تتفوق أو تتخذ مواقعاً أفضل من
منافساتها.
وإذا كان دفع الجامعات لإدراج رابط
لموقع الويب الخاص بك للحصول على خصم، هو عملية احتيال، فمن المحتمل
أيضاً أن يشكك إيليوت بالاستراتيجيات التالية:
ـ دفع المال لقاء العلاقات العامة
(ففي النهاية أنت تدفع لشركة علاقات عامة كي تجعل إسمك معروفاً في
الصحف)
ـ إنفاق أموال طائلة على حملة
الدفع بالنقرة على الإعلان (Google PPC). ففي النهاية، كلما أنفقت
المزيد من المال على جوجل، كلما تحسن موقعك في نتائج البحث (بشكل غير
مباشر طبعاً).
ـ الوصول إلى أكبر شريحة من
الناس من أجل التأثير فيها، الوصول من خلال بريد إلكتروني جماعي (بعث
مئات آلاف الرسائل التي تهدف للتأثير والمنشورات بنقرة واحدة، إلى
الموقع ذاته بغض النظر عن خلفيته).
ـ إطلاق مسابقات هدية للآيفون
تحفّزالمستخدمين على التشارك مع الآخرين من أجل تحسين فرصهم للربح.
ـ إرسال دعوات بيتا Tweet to
unlock.
في عالم الإنترنت، إذا دفعت المال،
ستلعب وتحصل على 15 دقيقة من الشهرة، سواء كانت لحظات عادية أم ذات
نوعية عالية. وإذا لم تدفع، فستخسر حصتك في السوق لصالح منافسيك ما لم
تكن أنت من يبيع أجهزة الإنترنت اللوحية الأدهى في العالم والتي هي
على الدوام سابقة لزمنها بجيل واحد على الأقل، وفي هذه الحالة فإن
الشركة ليست في حاجة إلى أن تُكتشف على صفحة نتائج البحث على أي
حال.
لم يكن الأمر على هذا النحو
دائماً. ففي الزمن الذي لم يكن فيه الإنترنت مساحة شديدة التنفاسية
كما هي الحال اليوم، كان أي شخص يتمتع بمهارات HTML الأساسية قادر أن
يُفهرَس بالمستوى ذاته للشركات الكبرى. ولكن اليوم، نحن نعيش في عالم
يحتاج فيه المستهلكون أن يروا علامتك التجارية على الأقل سبع مرات قبل أن يعرفوا حتى أنها
موجودة وتبذل الشركات قصارى جهدها للحصول على إشارة في هذا الاقتصاد
العالمي الذي يعاني من نقص في الاهتمام وحيث العديد من المستخدمين لا
يقرأون سوى ثلاثة نتائج في البحث.
والنتيجة هي ببساطة تنافسية
متنامية في نطاق الإنترنت. هل أعجبك حملة Old Spice على يوتيوب؟ توقع
المزيد من ذلك لأن كل شركة بدءاً بالتي تبيع الصابون وصولاً إلى مصانع
الأنابيب تأمل بأن تحظى بإعجابكم.
وكلما ازدادت قابلية عالم الإنترنت
للحياة تجارياً، كلما كان من الأهم ألاّ نعيش في حالة إنكار لما
تشكّله فعلاً صفحات البحث على جوجل. فهي لا تمثل السوق، بل هي السوق
بحد ذاته. وفي السوق، عليك أن تقاتل بأسنانك وأظافرك لإطعام عائلتك.
فتيقّظ أيها الشاري.