شركة ناشئة تسعى لإبعاد السحابة السوداء عن سماء مصر
في وقت تتجه أنظار العالم نحو المشروعات المعنية بمشكلات البيئة، ثمّة مشروعات ريادية في مصر تسعى لتوفير حلول مستدامة، لصناعة قطع أثاث وديكورات خشبية محليًا من المخلفات الزراعية والمواد الصديقة للبيئة.
ومن الشركات العاملة في هذه السوق، "دواير" Dawayer، كاستديو تصميم متخصّص في إنتاج ألواح خشبية صديقة للبيئة باستخدام المخلفات الزراعية وجميع المواد المعاد تدويرها أو القابلة لإعادة التدوير، بهدف الاستخدام في صناعة الأثاث الخفيف. وهي تعمل على توفير ديكورات منزلية وقطع أثاث مستدام صديق للبيئة، كوحدات الإضاءة والطاولات والكراسي الصغيرة.
كذلك هناك "جريد" Jereed المعنية بإعادة تدوير جريد النخل (قضبان النخل المجرّدة من أوراقها) لتصنيع قطع أثاث من أخشابها، وشركة "جذور" Jozour المصرية المتخصّصة في إعادة تدوير المخلفات الزراعية بشكل عام، لاستخادمها في صناعة الأثاث.
تأسّست "دواير" في آذار/مارس 2014 على يد سلمى شريف وخديجة رضوان وحبيبة شوكت، عقب تخرجهنّ من كلية الفنون التطبيقية في "الجامعة الألمانية" في مصر، وتحديدًا في يوليو /تموز من العام نفسه.
"كان المشروع جزءًا من مشروع التخرّج، فقرّرنا تطويره واستمرار العمل عليه وتحويله إلى مشروع ربحيّ يخدم البيئة، واعتمد التشغيل في البداية على قش الأرز"، كما تقول شريف، إحدى المؤسِّسات الثلاثة، في حديثها مع "ومضة".
السحابة السوداء
في هذا الوقت، تشهد مصر سنويًا ظاهرة تعرف باسم السحابة السوداء تنجم عن حرق قشّ الأرز خلال موسم حصاد الأرز في شهر سبتمبر/أيلول من كلّ عام، ويستمرّ تأثيرها لعدّة متتسبّبةً بحالات اختناق وأمراض تنفسية خطيرة لملايين المصريين.
أما على صعيد الاقتصاد، فقد أنفقت مصر 1.8 مليار دولار في عام 2014 لاستيراد الأخشاب ومنتجاتها، بزيادة 28% عن عام 2013. ومع تداعيات أزمة ارتفاع سعر الدولار في السوق المصرية، تجد الدولة نفسها مجبرةً على قصر الاستيراد على السلع الاستهلاكية الضرورية، وبالأخص السلع الغذائية.
لذلك، تهدف "دواير" إلى التصدي لتلك المشكلة وتداعيتها عبر تقديم حلول تصنيع قطع أثاث وديكورات خشبية من مواد صديقة للبيئة، موفّرةً بذلك حلًا لأزمة استيراد الأخشاب من جهة وأزمة التلوث البيئي من جهة أخرى.
المسابقات أساسية لكنّها لا تكفي لتأمين التمويل
لتحقيق أهداف المشروع، اعتاد التصنيع في "دواير" أن يمرّ بثلاث مراحل: "التجفيف، وتحضير المادة اللاصقة، ثم اللصق لتحويل القشّ إلى مادة خام صديقة للبيئة بديلة للخشب"، بحسب شريف.
ولكن منذ حوالي عام، قرّرت المؤسِّسات الثلاث، إضافة مواد خام صديقة للبيئة بخلاف قش الأرز كجريد النخل والمواد القابلة لإعادة التدوير إلى عمليات التشغيل، على سبيل إجراء التحسينات على نموذج العمل، "لأنّ قشّ الأرز يعتبر مادة خام موسمية"، وفقاً للشريف.
بعد الاعتماد خلال العامين الماضيين على التمويل الذاتي، تسعى المؤسِّسات إلى إجراء بعض التحسينات بهدف تحقيق التوازن الماليّ بما يكفي لجذب استثمار.
وتشرح الشريف أنّ "المشروع يحتاج الآن إلى دفعة مالية لنتمكّن من إطلاق أول خط إنتاج باسم ’دواير‘، ولكننا ندرك أنّ الاستثمارات لا تأتي إلا لمشروعاتٍ حققت إنجازات حقيقية على الأرض، لذا علينا مضاعفة مجهودنا في المرحلة القادمة لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة لنا، حتى نكون صالحين للمخاطرة بنظر المستثمرين".
تعتمد "دواير" حاليًا على موارد الشريكات الثلاث، بالإضافة إلى جوائز مالية بسيطة فازت بها من المسابقات الريادية التي خاضها خلال مشواره القصير نسبيًا. وبحسب الشريف، "لم نكن لنتمكّن من الوصول إلى فكر واضح عن توجهاتنا بالمشروع لولا تلك المسابقات".
وتضيف أنّه من "خلال ورش العمل التدريبية التي تُجرى على هامش تلك المسابقات، تعلّمنا تحديد أساليب التسويق المثلى والشريحة المستهدفة وتكاليفنا المتوقعة وعوائدنا المحتملة، ووفّرت لنا الأدوات اللازمة والإرشاد الريادي. لم نكن نمتلك إلا فكرة، أما الجزء الخاص بالأعمال وتطوير المهارات الفنية ندين فيه بالفضل تمامًا للبيئة الريادية المحلية".
ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، فازت "دواير" بمسابقة شركة "إنجاز مصر" Injaz Egypt السنوية لريادة الأعمال ضمن 8 شركات ناشئة أخرى، فحصلت على تمويل تأسيسي يبلغ 8 آلاف دولار، بالإضافة إلى مساحة عمل للفريق، وورش عمل مختلفة عن التسويق والماليات وإدارة المشروعات.
كما تأهّلت الشركة الناشئة للمشاركة في مسابقة "إنجاز العرب" Injaz AlArab الإقليمية السنوية، ففاز فريقها كأفضل فريق لديه وعي بالمنتج ومتطلباته التسويقية والمالية. لم يحصل على جائزة مالية لكنّ المسابقة حققت للمشروع "انتشارًا إقليميًا مُرضيًا"، بحسب الشريف.
وفي نيسان/إبريل 2015، فازت "دواير" بمسابقة "شغال" Shaghal التي أطلقتها منظمة "نهضة المحروسة" Nahdet ElMahrousa ضمن مسابقات برنامج "جوائز المبتكر الشاب" YIA.
وأتاحت "نهضة المحروسة" لفريق "دواير" حضور معسكرات تدريب لإنشاء نموذج عمل ربحي، وتحديد آليات ومتطلبات التسويق، كما مُنِحَت الشركة ألفي دولار مكنت الفريق من تطوير النموذج الأوليّ.
وفي يونيو 2015، فازت "دواير" بمسابقة "انت الخير" عن فئة البيئة والطاقة، والتي أطلقتها "إم بي سي الأمل" MBC Alamal الخيرية لدعم المشاريع الرائدة التي تخدم المجتمع. فحصلت الشركة بفوزها على تمويلٍ لا تشأ الشريق الكشف عن قيمته.
عثرات في الطريق
على الرغم من وضوح الرؤية الآن، ثمّة تحديات لاتزال تواجه المؤسِّسات الثلاثة، تكمن أبرزها في محاولة التشغيل بموارد مالية بسيطة، ويلي ذلك سدّ الفجوة بين التصميم والتصنيع.
في هذا الصدد، تشرح شريف أنّ برنامج التصميم "رينو" Rhino الذي "احترفنا العمل عليه أثناء التدريب في الجامعة ليس متاحًا في سوق التصنيع المصرية، لذا نضطرّ لأن نُخضع التصاميم لعدّة تعديلات على برامج أخرى قبل التنفيذ، ما يكلفنا الكثير من الوقت والمال".
وتتابع أنّه "لا يوجد آلات تدعم البرنامج أيضاً، ناهيك عن أنّ الآلات التي يمكن اختبار المنتَج عليها ليسَت متاحة بسهولة".
رغم هذه التحديات، أنتجت "دواير" حتى الآن 100 قطعة أثاث منزلي خفيف. وفيما وفّرت أول طلبيةٍ للاستخدام في فعاليات "إنجاز مصر"، يُنتظر أن تطرح أوّل خطّ إنتاجٍ لها في السوق "نهاية العام الجاري"، بحسب الشريف.
تكشف الشريف عن متوسّط تسعير منتجات "دواير"، موضحةً أنّه سيتراوح بين 50 جنيهًا (4 دولارات) للقطع الصغيرة، وألفي جنيه (حوالي 277 دولارًا) لقطع الأثاث، وذلك "بحسب على المادة الخام المستخدمة وحجم القطعة المُصنّعة".
[الصورة الرئيسية من "شرقية" Sharkiya Today]