أين أصبحت المنظمة غير الحكومية السورية التي استقدمَت التعلّم مفتوح المصدر إلى دمشق؟
فيما تقترب الحرب في سوريا من عامها السادس، لم يتوقّف مئاتٌ من عشاق التكنولوجيا ورواد الأعمال عن الازدهار، وذلك بقيادة "ويكيلوجيا" Wikilogia، المنظمة غير الحكومية للتعلّم مفتوح المصدر والتعليم التعاوني.
هذه المنظّمة التي تأسّست في عام 2011 وتضمّ حوالي 50 متطوّعاً، ساهمَت في تعليم قرابة ألفَي طالبٍ وشابٍّ حول مواضيع تتراوح بين كتابة الرموز البرمجية وعلم الروبوتات.
وبحسب الأمجد سطيف، أحد الشركاء المؤسسين الثلاثة لـ"ويكيلوجيا"، تقدّم المنظمة "دروساً في جميع مواضيع المصادر المفتوحة: ’ويب2.0‘ (المحتوى الذي ينتجه المستخدم)، ومحتوى ’ويكي‘ Wiki Wiki content (المساهمة في المواقع التي تسمح للمستخدمين بتحرير محتواها وهيكليتها)، والروبوتات، والترميز، والأجهزة... الناس في سوريا لم يكونوا يمتلكون أدنى معرفة بمثل هذه الأشياء في ذلك الوقت".
تقدّم هذه المنظّمة كلّ ورش العمل والمحاضرات باللغة العربية، ما يساعد بعض الشركات الناشئة الرئيسية في سوريا مثل "رماز" Remmaz و"بت كود" BitCode وعتاديات"Atadiat و"دارتي" Daraty، خصوصاً وأنّ كلّ مؤسّسي هذه المجموعات كانوا من المدرّبين المتطوّعين في "ويكيلوجيا".
"كنا جميعنا جزءاً من هذه المجتمع في ’ويكيلوجيا‘ نعلّم بعضنا بعضاً مختلف المعارف الخاصّة بالمصادر المفتوحة،" كما تقول لينا درويش، مؤسِّسة "رماز"، منصّة تعليم الترميز التفاعلية باللغة العربية.
ففي حين كانت درويش تعلّم الترميز باللغة العربية، كانت سناء حواصلي ويحيى الطويل، مؤسّسا "دارتي" و"عتاديات" على التوالي، يقدّمان ورش عمل حول الأجهزة مفتوحة المصدر.
وتذكر حواصلي عن هذا الأمر أنّه "نحن [في ’ويكيلوجيا‘] كنّا أوّل مَن استورد جهاز أردوينو Arduino إلى سوريا من الصين في عام 2011".
كيف بدأ كلّ شيء؟
كان سطيف وزميلاه ندى البنّي وصديق حسنى طلّاب علوم حاسوب في "جامعة دمشق" University of Damascus من المتحمّسين "لثقافة الهاكر" كما يسمّونها.
ويذكر أنّه "كنا دائماً نقرأ ونبحث عن الترميز مفتوح المصدر ومنصّات المحتوى مثل ’جيت هاب‘ GitHub و’ويب2.30‘ وحتى ’ويكيبيديا‘، وبالتالي عرفنا هذه الأمور لأنّها كانت في متناولنا كطلّاب تكنولوجيا معلومات وأردنا مشاركتها مع أقراننا ودفعهم إلى التفكير في مشاريع تكنولوجية من تلقاء أنفسهم".
قبل تنظيم اللقاءات احتاج المؤسّسون إلى مكانٍ آمن، لذلك تواصلوا مع "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية" Syrian Computer Society التي تعتبر أقدم وأبرز مؤسّسةٍ لتكنولوجيا المعلومات في سوريا.
وفي البداية "قدّموا لنا ’حديقة تكنولوجيا المعلومات‘ IT plaza التي كانت أحد أكبر أماكن تكنولوجيا المعلومات في دمشق في ذلك الوقت، فأمضينا السنوات الخمس الأولى لنا فيها،" وفقاً لسطيف.
أمّا التدريبات وورش العمل التي انطلقت في مطلع عام 2011 فقد نُظِّمَت في بداية الأمر على طريقة فعاليات "تيد إكس" TEDx بعنوان "أفكار تستحقّ النشر" Ideas Worth Spreading، فكان أن حقّقت ورش العمل نجاحاً سريعاً تمثّل في حضور ما بين 80 و100 شخصٍ لكلّ محاضرة.
بعد الحصول على الكثير من الطلبات على المحاضرات وورش العمل، بدأ الزملاء في دراسة الهندسة بالتطوّع لتقديم المحاضرات بأنفسهم، "فبدأنا مع محاضرةٍ واحدةٍ أسبوعياً في عام 2011 ثمّ وصلنا إلى أربع محاضراتٍ أسبوعياً في عام 2012 بالإضافة إلى ورش العمل،" بحسب سطيف.
إلى جانب الزيادة على الطلب انصبّ الاهتمام على المزيد من المحتوى المتخصّص، حيث بدأ الحضور بتشكيل مجموعاتٍ على "فايسبوك" Facebook بمسمّيات مختلقة مثل "ويكيلوجيا الطب" Wikilogia medicine و"ويكيلوجيا الريادة"Wikilogia entrepreneurship و"ويكيلوجيا إيد" Wikilogia ED.
ماذا عن الحرب في البلاد؟
ما يثير الدهشة أنّ الحرب المستعرة في سوريا لم تستطع الحدّ من حماس الاجتماعات، فيما استمرّت "ويكيلوجيا" في البناء على هذا الزخم المتزايد.
وفي حين عمل الحضور بجِدٍّ على مشاريعهم الخاصّة، برز من بين هؤلاء طالبة الهندسة شيراز شوباصي التي صنعَت وصمّمت طابعة ثلاثية الأبعاد، والتي يقول عنها سطيف إنّه "لم يسبق أن سمعنا أنّ أحداً صمّم طابعةً ثلاثية الأبعاد في سوريا، لذلك حصل ضجّة حول هذا الأمر".
ويجدر بالذكر أنّ شوباصي كانت مؤخراً مرشدةً للفريق الفائز بالمرتبة الأولى في مسابقة "أولمبياد الروبوت العالمي" WRO 2016 في سوريا، والذي أقيم قبل أيام في 31 تموز/يوليو الماضي.
بالعودة إلى عام 2014، بناءً على النجاح الذي حقّقته شوباصي وغيرها في "ويكيلوجيا"، قرّر سطيف وفريقه تنظيم أول فعاليات "ستارتب ويك أند" Startup Weekend Damascus في دمشق في عام 2014، فاحتاجت هذه الفعالية على الأقلّ إلى تمويلٍ بـ10 آلاف دولار أميركيّ حصلوا على معظمه من شركة "إم تي إن سوريا" MTN Syria، كما استحصلوا على ترخيصٍ من المنظّمة العالمية التي تقف وراء فعاليات أسبوع الشركات الناشئة "ستارتب ويك أند".
في المحصّلة، نجحت فعالية "ستارتب ويك أند" دمشق، وبرزَت في مختلف وسائل الإعلام العالمية مثل "هافينغتون بوست" Huffington Post وجريدة "وول ستريت" The Wall Street Journal و"ماشابل" Mashable، وسواها.
أين هي "ويكيلوجيا" الآن؟
بعد الضجة الكبيرة التي أثارتها هذه الفعالية الأولى من نوعها في دمشق، راح أعضاء هذه المنظّمة يكافحون من أجل استمرار ورش العمل والدروس. فمع عدم وجود بيئةٍ حاضنةٍ داعمة ومحدودية الوصول إلى السوق العالمية وعدم توافر الأموال، لم يكنّ حظّ البيئة الريادية في سوريا بالنموّ كبيراً.
في عام 2014 خسرت "ويكيلوجيا" المكان الذي كان يحتضن نشاطاتها، لأنّ "حديقة تكنولوجيا المعلومات" لن تبقى متاحةً بحلول نهاية عام 2015. ومع ارتفاع الإيجارات في دمشق - أكثر من ألف دولار شهرياً وهو ما يعتبر مكلفاً جداً مقارنةً بسعر صرف الليرة السورية - لم يكن باستطاعة الفريق إيجاد مكانٍ بديل.
يوضح سطيف أنّ "هؤلاء المئات من الشغوفين بالتكنولوجيا الذين كانوا معنا، تخرّج الكثير وسافر الكثير منهم في إطار السعي لاستكمال الحياة بالتزامن مع هذه الحرب".
بعد ذلك قرّر الانتقال لفترةٍ قصيرةٍ إلى "جامعة دمشق"، لكنّ الأخيرة تطبّق تدابير أمنية مشدّدة وتمنع غير الطلّاب من الدخول إلى حرمها، وبحكم موقعها بقرب مطار دمشق الدولي لا تُعتبَر مكاناً استراتيجياً لهذه الفعالية بحكم الحرب.
سطيف الذي أصبح الشريك المؤسّس الوحيد المتبقّي في دمشق مع سفر البني وحسنى إلى الخارج لاستكمال الدراسة، يأمل أن يتمّ تأمين مكانٍ آخر لـ"ويكيلوجيا" والحصول على التمويل اللازم لشراء المعدات والأجهزة والحواسيب المحمولة والأدوات: "نُجري محادثاتٍ مع عددٍ من المنظّمات ونأمل خيراً".