كيف تحقّق الإمارات التوازن بين القوانين والابتكار؟
في مقالٍ نُشر عام 2013، أدلى محلّل قطاع الإنترنت لاري داونز تصريحاً قوياً قال فيه: الابتكار والقوانين، ببساطة، لا يختلطان.
وقال إنّ القطاعات المنظَّمة تعمل خارج النظم القائمة على السوق، مذعِنةً للتحكّم بالقوانين الذي تفرضه مصالح متعارضة والرقابة على الأسعار والموافقات المسبقة والتراخيص الصارمة.
وتبعاً لتصريح داونز، فإنّ ردّ فعل الحكومات في جميع أنحاء العالم توجّه نحو احتواء، بدلاً من احتضان، التغيير الثوريّ الذي تُحدثه شركات تبادل المعرفة والتي وضعت قدرة البيروقراطية على الابتكار موضع شكّ.
رمزي إسماعيل، مدير برنامج في "فلات6لابرز" Flat6Labs، يصوغ التعديل الكبير على الوضع التنظيميّ الراهن مع "القانون 2.0" (regulation 2.0)، ويقول لـ"ومضة" إنّ "القانون لطالما كان يقتصر على البيروقراطية والأذونات، أمّا القانون 2.0 فهة يتمحور حول الشفافية والمساءلة".
يوافقه في هذا الِشأن روهيت ماهحي، المدير في "ديلويت مونيتور" الشرق الأوسط Deloitte Monitor Middle East، ويشير إلى أنّ القوانين "ينبغي أن تعمل مرّةً ثانيةً لكي تضمن أنّ سكّان البلاد يحصلون على أفضل صفقةٍ من خلال الابتكار، وأيضاً لضمان فرص متكافئةٍ للبيئات الحاضنة لكلّ قطاع".
مكانٌ صعبٌ
في مواجهة مجموعة من شركات مرنة تعمل في الاقتصاد التشاركي والمنتَجات غبّ الطلب، تلقّى عمالقة القطاعَين الخاصّ والعام في العالم صدمةً قويةً من خلال "أوبرة" Uberizing (أي مثل شركة "أوبر" Uber) الاقتصاد بسرعة.
وسواء أديرَت هذه الصدمة بشكلٍ سيء أم ببطء، فإنّ أصداءها يمكن أن يكون لها أيضاً آثار سلبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أظهرَت دراسةٌ نشرتها "آي بي أم" IBM في عام 2015 أنّه في الوقت الحالي، يرى 54% من المدراء التنفيذيين، بمَن فيهم مدراء من المنطقة، أنّ "الأوبرة" هي التهديد الأكبر لأعمالهم.
من جهتها، فإنّ الإمارات التي رسّخت نفسها كمركزٍ للمال والأعمال والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تلعب دوراً محورياً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ فيها المنطقة نحو اقتصاد تبادل المعرفة. ولكنّها مع ذلك، ردّت على النفوذ المتزايد لشركة "أوبر" Uber و"كريم"Careem و"إر بي أن بي" Airbnb من خلال نشر القوانين ومن ثمّ سحبها.
على الرغم من التقارير المثيرة للجدل والتي أشارت إلى تخفيض "أوبر" لأسعارها في أبوظبي بنسبة 17% مقابل منافستها "كريم"، فإنّ شركتَي طلب السيارات هاتَين تعملان في دبي وفق نظامَي تسعيرٍ مؤقّتين وضعتهما "هيئة الطرق والمواصلات بدبي" RTA: بحيث أنّ الأسعار أغلى من أسعار التاكسي العادية بنسبة 30%.
وعن هذه الأنظمة التي يُستهان بها في بعض الأحيان، يقول المدير العالم لشركة "كريم" في الإمارات، كريستيان عيد، إنّه "في المبدأ، نحن منتَجٌ ممتازٌ هنا، ولسنا كذلك في الأسواق خارج الإمارات. أمّا الحلّ فيكمن في التكيّف والعمل مع الأنظمةٍ والقوانين مع مرور الوقت".
في حين تعمل شركات "كريم" و"أوبر" في منطقةٍ قانونية رمادية، يبدو أنّ المدّ إلى يتغيّر. فوفقاً لتصريحٍ أدلى به مدير "إدارة أنظمة المواصلات" في "هيئة الطرق والمواصلات بدبي"، عادل شاكري، سوف توضع أنظمةٌ تؤطّر عمل تطبيقات طلب السيارات مثل "أوبر" و"كريم" وسيتوجّب عليهم الحصول على ترخيصٍ للعمل بشكلٍ قانونيٍّ في دبي، بحلول نهاية تموز/يوليو 2016. وبحسب ماهجي، تعود هذه التحرّكات إلى حدٍّ كبير إلى الجهود التي تبذلها "مؤسسة دبي للتسويق السياحي والتجاري" DTCM و"هيئة الطرق والمواصلات بدبي" للتخفيف من الإساءة إلى سمعة الإمارات خصوصاً بين السيّاح الذين يستخدِمون المنصّات الإلكترونية بكثرة.
أهداف تسير بخطى بطيئة
مع ذلك، يرسل خليط الثغرات التنظيمية في الإمارات إشاراتٍ متضاربة، وخاصّة على مدى سيطرة الحكومة على الشركات في السوق الحرة.
في شهر آذار/مارس الماضي، تمّ حظر تطبيق "يو درايف" UDrive لتأجير السيارات بالدقيقة، "بسبب مسائل لوجستية وتنظيمية وإدارية" وذلك بعد تأمين عملية إطلاقٍ مختلقة في الشهر نفسه. أمّا الشركة فتقول إنّها كانت تعمل بشكلٍ وثيقٍ مع "هيئة الطرق والمواصلات" لإيجاد حلٍّ يتماشى مع قوانين تأجير السيارات في دبي.
وفي شهر أيار/مايو، وقّعَت "مؤسسة دبي للتسويق السياحي والتجاري" مذكّرة تفاهم مع "إر بي أن بي" لضمان امتثال المنصّة للقوانين التي وضعتها في منتصف عام 2015. وتنصّ هذه الأخيرة على لائحةٍ طويلةٍ وشاقة من المتطلّبات، بما في ذلك التقدّم للحصول على ترخيص، ووجوب التعامل مع الشركات المرخّصة سياحياً في دبي - والتي يتوجّب عليها بدورها أن تتقدّم بطلب ترخيصٍ آخر.
يرى ماهجي، بحكم التجربة، أنّ المساحات التي تتطلّب عادةً استثماراتٍ وأصولاً قليلة يمكن أن تتحوّل بوتيرةٍ سريعة. ففي دبي، أظهرَ مجالا التعليم والرعاية الصحّية عن قدرةٍ في التحرّك بسرعة في إطار طموح الإمارات نحو المدينة الذكية - والتي بموجبها رُشِّحت دبي وأبوظبي من أجل الاختبار التجريبي لنظام "هايبرلوب" Hyperloop الذي يتألّف من سيارة تندفع بسرعاتٍ عاليةٍ على وسادةٍ هوائيةٍ مضغوطة ولا تحتك بجدران الأنبوب بفعل حقل مغناطيسي يولده موتور كهربائي يستمد قوته من الطاقة الشمسية. من ناحيةٍ أخرى، فإنّ قطاع الطاقة هو هدفٌ يسير ببطءٍ كونه يتطلّب إعداد شبكةٍ ذكية غير موجودة بعد.
كن ذكياُ
على الرغم من الضباب التنظيمي الحالي، فإنّ "دبي الذكية" Smart Dubai، المكتب الحكوميّ المكلفة قيادة التحوّل إلى مدينةٍ ذكية، يتحرّك بسرعة.
وهذا المكتب الذي يضمّ 11 شريكاً استراتيجياً من القطاع العام - بمن فيهم "هيئة الطرق والمواصلات" RTA، و"هيئة كهرباء ومياه دبي" DEWA، و"سياحة دبي"، و"شرطة دبي" - قد أبرم شراكةً أيضاً مع شركة "دو" Du لإطلاق "منصّة دبي الذكية" Smart Dubai Platform في شهر آذار، والتي سوف تكون بمثابة نظام تشغيلٍ مركزيّ للمدينة ومركزاً للخدمات والبيانات.
وفي الشهر نفسه، أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قانوناً لإنشاء "مؤسسة بيانات دبي" DDE، لإتاحة البيانات وتنمية قدرات تبادل المعرفة للقطاعَين العام والخاص.
شهدت دبي أول مؤتمر حول تكنولوجيا التعاملات الرقمية blockchain، في يوم 30 أيار/مايو، وذلك بعد إطلاق "المجلس العالمي للتعاملات الرقمية" Global Blockchain Council من قبل "مؤسسة دبي لمتحف المستقبل" Museum of the Future Foundation Dubai، في شهر شباط/فبراير 2016. ووفقاً للبيان الذي تلا حفل الإطلاق، فإنّ المجلس قد تمّ تأسيسه "لمساعدة السلطات الإماراتية والشركات على فهم هذه التكنولوجيا بشكلٍ أفضل ومراعاة الآثار التنظيمية".
أوّل مشروعٍ تجريبيّ لهذه الغاية، "بت أويسيس" BitOasis، سيتم تنفيذه من قبل "مركز دبي للسلع المتعددة" DMCC لتصميم عقود مرنة flexidesk contract وعمليات تسجيل باستخدام سجل حسابات "بلوك تشين". أمّا المشروع الثاني، "كراكن لتبادل البيتكون" Kraken Bitcoin Exchang، فهو سيساعد "مركز دبي للسلع المتعددة" على دمج عمليات البلوك تشين (التعاملات الرقمية) في عمليات تمويل إسلاميّ مختارة - وهذا بعيدٌ كلّ البعد من عام 2013، عندما تمّ إغلاق أوّل جهاز صرف آليّ لعملة "بيتكوين" في الإمارات بسبب غموضٍ قانوني.
إذا ما وضعنا سلبيات القوانين والعقبات جانباً، فإنّ سعي دولة الإمارات نحو الابتكار يُظهر آفاقاً كبيرة. ولكن إن كان هذا لقيادة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن طريق تشكيل قدوةٍ لها ولإثبات أنّ داونز على خطأ، عندها يجب على الإمارات أن تركّز على الابتكار والحوار سوياً مع الفاعلين في البيئات الحاضنة العامة والخاصة - من لاعبين رئيسيين ومنافسين ومشكّكين وحفزين، على حدٍّ سواء.