ابتكار سعودي يعالج مشكلة المياه اللازمة لإنضاج الإسمنت
مؤسّسو "كونكيور" Concure، محمد خليل، الدكتور فراس كافيه، وحسام ولويل. (الصورة من "كونكيور")
تتطلّب عملية معالجة الإسمنت الشاقة وقتاً طويلاً والكثير من الماء، ولكنّ ثلاثة باحثين من السعودية قاموا بابتكار طريقةٍ مجرّبةٍ وحقيقيةٍ لمعالجة هذه المسألة - وقد توصّلوا إلى هذه الفكرة خلال اجتماعهم حول وجبة فطورٍ من الحمّص.
في عام 2010، سافر فراس كافيه وحسام ولويل ومحمد خليل من الأردن وفلسطين إلى السعودية للدراسة في "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" (KFUPM)، حيث بدأوا يبحثون عن مشاكل لحلّها.
وفي عام 2014، توصّلوا إلى "كونكيور" Concure التي تقدّم منتَجاً لترطيب الخرسانة بواسطة ’بطانيات المعالجة‘ المستعمَلة في الغرب.
المدير التقني في "كونكيور"، كافيه، سبق له أن عمل كاستشاريٍّ أساسيّ في أحد المشاريع الضخمة في حرم "جامعة الملك فيصل" خلال إعداده لشهادة الدكتوراه. وبالتالي رأى فرصةً كبيرةً لمعالجة مشكلةٍ حقيقيةٍ في هذا القطاع: عملية إنضاج الإسمنت (الخرسانة).
في شهر شباط/فبراير من عام 2015، قدّم وفريقه على براءة اختراع في الولايات المتحدة من أجل مسحوق قادر على امتصاص المياه يُستخدَم في الطبقة الثانية من البطانية، كما تسجلوا في برنامج حضانة الأعمال في "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن".
هذه البطّانيات التي تُستخدَم منذ فترة في الولايات المتّحدة، تأمل "كونكيور" إحضارها إلى السعودية. (الصورة من "إيجل إندستريز" Eagle Industries)
مشاكل الطقس الحار
تكمن أهمّية التكنولوجيا التي ابتكرتها "كونكيور" في أنّها فريدة من نوعها وتخفّض الحاجة إلى المياه بنسبة 80%، وهذا مهمٌّ للغاية في بلدٍ حارٍّ وجافّ مثل السعودية.
"عملية إنضاج الإسمنت بالترطيب هي العملية التي يتمّ فيها حماية الإسمنت من فقدان الرطوبة وإبقائه في درجة حرارةٍ معقولة،" وفقاً لـ"جمعية إسمنت بورتلاند" Portland Cement Association، التي تضيف أنّ "هذه العملية تؤدّي إلى الحصول على إسمنتٍ أقوى، وبالتالي التخفيف من الشقوق التي يمكن أن تؤثّر على متانة الخرسانة.
وبحسب الجمعية أيضاً، فإنّه "وبحكم التجربة، كلّ زيادةٍ بنسبة 20 درجة فهرنهايت [حوالي 6.7 درجات مئوية] ستقوم بتقليل وقت إعداد مزيج الخرسانة بنسبةٍ تصل إلى 50%".
في الوقت الحاليّ، يتمّ معالجة خرسانات الإسمنت في السعودية عبر ريّ الأسطح بالماء مرّتين إلى ثلاث مرّات في اليوم، خلال الأيام السبعة التي تلي عملية الصبّ. وهذا لا يتطلب كميةً هائلةً من الماء وحسب، بل يتطلّب أيضاً قوى عاملة لريّ الإسمنت على أساسٍ يوميّ.
وفقاً لمخطّطٍ بيانيّ [إنفوجرافيك] نشره الثلاثيّ في عام 2015، فإنّهم سوف يستهدفون متعهّدي البناء إلى حدٍّ كبير، بالإضافة إلى صنّاع خرسانات الإسمنت الجاهزة والأفراد.
تأثير مدّة ريّ الخرسانات بالماء على عملّية إنضاج الإسمنت. (الصورة من "إن بي أم ميديا" NBM Media)
عملية إنضاج الإسمنت
ابتكر فريق "كونكيور" بطانيةً لإنضاج الإسمنت مصنوعة من ثلاث طبقات، توضع فوق الخرسانات بعد صبّها، وهي تتطلّب الريّ مرّةً واحدةً وحسب.
تتألّف الطبقة الأولى أو السفلى من مادّةٍ ليفية مثل نسيج الخيش الذي يسمح للماء أن ترتفع إلى الطبقة الثانية.
أمّا الطبقة الثانية فهي مصنوعةٌ من القماش المحشوّ بمسحوقٍ فائق الامتصاص، وهي حالياً في انتظار براءة الاختراع، ويقول عنها الفريق إنّها يمكن أن تمتص الماء ضمن أعشارٍ من الثانية، وكلّ مترٍ مربّع واحد منها يمكن أن يحمل ما يصل إلى 40 لتراً من المياه.
وبالنسبة إلى الطبقة العليا، فهي عبارة عن ورقةٍ بلاستيكية شفافة تسمح للأشعة الشمسية فوق البنفسجية بـ"تحلّل" سلاسل البوليمر في المسحوق ببطءٍ مع الوقت (البوليمرات هي سلاسل كبيرة من الجزيئات التي بسبب بنيتها المرنة يمكن أن تكون أيّ نوع من المواد، سواء كانت مواد لزجة، أو قوية، أو مرنة، أو كما في هذه الحالة ممتصّة للمياه).
تقوم الورقة الشفّافة بحرف الحرارة العالية وتوفير الأشعّة فوق البنفسجية لكسر سلاسل البوليمر. (حقوق الصورة لـ "رافين إنداستريز" Raven Industries)
بعدما تتكسّر البوليمرات، فإنّ البنية الكيميائية للمسحوق تتغيّر ما يؤدّي إلى إطلاق الماء الذي جرى امتصاصه إلى الخرسانة أدناه، وبالتالي تقوم الطبقة السفلية بإيقاف تسرّب السائل بعيداً.
يمكن لـ"كونكيور" أن تتحكّم بمعدّل تكسّر البوليمر - وبالتالي معدّل إطلاق الماء من جديد إلى الخرسانة - عن طريق تغيير شفافية البلاستيك، وفقاً لبيانٍ صحفيّ من "جامعة الملك فهد" على إثر مسابقة "من الفكرة إلى النموذج" C2P ومسابقة "خطّة العمل" Venture Concept Competition 2VCC الثانية اللتين ينظّمهما "معهد ريادة الأعمال" في الجامعة واللتين فازَت بهما شركة "كونكيور".
أمّا النموذج النهائي للبطانية التي طوّرها الفريق، فبلغ عرضها متراً واحداً وطولها 3 أمتار.
وعن هذا الأمر يقول كافيه إنّ "البطانية الحقيقية سيكون عرضها متراً ونصف المتر وطولها 50 متراً. ستكون بطاّنيةً ضخمةً ملفوفة". وبالنسبة إلى سعر البطانية، فبعد تسويقها يُقدّر أن تكون تكلفة كلّ مترٍ مربّع 2.5 ريال سعودي (0.67 دولار أميركي)، فيما يتوقّع أن يصل المنتَج إلى السوق في نهاية العام الحاليّ.
ما الذي تخبّئه الأيام؟
الخطوات التالية ستكون وفقاً للعروض التي سيتلقّاها الفريق. وكون الفريق يتّخذ من "وادي الظهران للتقنية" Dhahran Techno Valley مقرّاً له، فهذا يمنح المؤسِّسين قدرةً على الوصول إلى التمويل وشبكةٍ واسعةٍ من المستثمرين المخاطرين وأحدث وسائل الدعم التكنولوجي.
"لدينا ثلاثة خيارات في هذه المرحلة،" يقول كافيه، مضيفاً أنّه "يمكننا إمّا تسجيل هذه التكنولوجيا، أو تامين الاستثمارات الكبيرة لبناء منشأة تصنيعٍ خاصّةٍ بنا، أو تأسيس شركةٍ ناشئةٍ وعقد اتفاقياتٍ مع المصانع القائمة لتهتمّ بعملية التصنيع في الوقت الذي نتولّى فيه التسويق والبيع".
في حين تمتلك هذه الفكرة إمكاناتٍ كبيرةً في دول الخليج التي يبلغ قطاع البناء فيها 126 مليار دولار، غير أنّها ذاهبةٌ إلى قطاعٍ راسخٍ في جميع أنحاء العالم: شركاتٌ هندسيةٌ متعدّدة الجنسيات مثل "مجموعة سيلكا" Silka Group و"رافين إنداستريز" Raven Industries لديها منتَجاتٌ في مجال معالجة الإسمنت منذ فترةٍ طويلة.
في عام 2015، حلّت "كونكيور" في المركز الثاني في "مسابقة ’منتدى معهد ماساشوستس للتكنولوجيا’ لريادة الأعمال في العالم العربي"MITEF Arab Startup Competition، وفازَت بمبلغ 10 آلاف دولار، كما أمّنت استثماراً بقيمة 250 ألف ريال سعودي (66.660 ألف دولار أميركي) من صندوق "وادي الظهران للتقنية" DTVC.