زحمة السير والنقل الذكي: كيف تتغيّر طريقة تنقّلنا في المنطقة؟ [2]
هذه المقالة هي الأولى من بين مقالاتٍ تتحدّث عن النجاح والفشل وأبرز اللاعبين في قطاع النقل الذكيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن المثير للاهتمام أنّ التكنولوجيات المتقدّمة المكلِفة التي تُستخدَم للحدّ من حوادث السير، من المرجّح أن يستفيد الفقراء نسبياً منها أيضاً.
فوفقاً لتقريرٍ نشره البنك الدولي في عام 2012 حول النقل الحضري في المغرب، "تؤثّر حوادث المرور بشكلٍ نسبيّ على الفقراء المشاة، وراكبي الدراجات الهوائية، وراكبي الدراجات النارية، ومستخدِمي الطرق الأكثر ضعفاً، بحيث يشكّل هؤلاء الغالبية العظمى من الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث السير". هذا القول ينطبق في جميع أنحاء المنطقة، سواء كان ذلك على أولئك الذين يعتمدون على الميكروباص غير المؤهّلة للسير على الطرقات في لبنان، أو الذين يستقلّون وسائل النقل العام المعرضة للحوادث للتنقّل بين المدن في مصر.
يتوفّر في المنطقة تكنولوجياتٍ متقدّمة للسيارات مثل الكبح شبه التلقائيّ والكاميرات العاكسة والرادارات، ولكنّ تكنولوجيا التواصل بين المركبات V2V ليست متوافرةً بعد (وهي تقنية تسمح للمركبات بالتواصل فيما بينها تلقائياً لتسير تاركةً مسافةً فيما بينها). كما أنّ تكنولوجيا تواصُل المركبات مع البنى التحتية V2I يتمّ العمل عليها في دبي للاستفادة منها بشكلٍ أكبر في سبيل تأمين مواقف ذكية للسيارات.
في الوقت الحاليّ، يتمّ تغطية جانب السلامة المرورية من قبل عدّة تطبيقاتٍ ذكية وتكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT (انقر هنا لمعرفة المزيد عن تكنولوجيا إنترنت الأشياء)، وهذا يعني عملياً دراسة أقساط التأمين للسائقين الجيدين ومراقبة سلوك سائقي المركبات التجارية.
في هذا الإطار تعمل الشركة الناشئة الإماراتية "دا رود" Dashroad، وتسوّق لنفسها على أنّها ناشطة في المجالَين معاً. فهذه الشركة توفّر ’صندوقاً أسوداً‘ يتّصل بالتطبيق الخاصّ بها ويراقب سلوك السائق وأداء المركبة. وكان مؤسّسها، فهيم غيل، قد قال لـ"ومضة" في شهر آذار/مارس الفائت إنّه كان يسوّق لـ"داشرود" على أنّها نظامٌ لإدارة أسطول السيارات (وقد عقدوا اتّفاقية شراكةٍ مع "كريم" Careem)، وكوسيلةٍ لتخفيض أقساط التأمين للأفراد من خلال تمكين الشركات من تقديم تخفيضاتٍ على الأقساط مقابل القيادة بشكلٍ سليم.
من جهةٍ أخرى، تقدّم بعض الشركات خدمات ما بعد تحطّم السيارات، مثل "سيكيور درايف كومباني" Secure Drive Company التونسية، والتي تستخدم جهازاً مدمجاً في السيارات يقوم بإعلام خدمات الطوارئ وأفراد العائلة في حال حصول أيّ حادثٍ مروريّ.
هاتان الشركتان ليستا إلّا عيّنةً عن الشركات الناشئة التي تٌعنى بالبرمجيات والأجهزة في المنطقة العربية، والتي ستنطلق في هذه السوق المرتقبة. وهنا يجدر بالذكر أنّ شركة "بوز أند كومباني" Booz & Company (التي أصبحَت الآن "ستراتيجي أند" Strategy&)، قد رأت أنّ قطاع خدمات السلامة على صعيد العالم سيبلغ 41 مليار دولار بحلول عام 2020.
وفي شهر آذار/مارس الماضي، ورد في تقريرٍ نشرته "سويس ري" وشركة "هير" Here، أنّه بحلول عام 2020 يمكن تقليص أقساط التأمين السنوية بقيمة 20 مليار دولار كنتيجةٍ لزيادة السلامة على الطرقات من خلال تكنولوجيا السيارات الآلية أو التيليماتية telematics.
ينطبق مصطلح التيليماتية على أيّ جهازٍ يدمج تكنولوجيا الاتّصالات مع معالجة المعلومات، بحيث يأتي الاتّصال من الأجهزة المدمَجة في السيارات والمركبات والمتّصلة بالهواتف الذكية. ومن الأمثلة على هذه الأجهزة، ما تقدّمه شركة "فينلي" Vinli التي تتّخذ من تكساس مقرّاً لها من ناقل بيانات ("يو إس بي" USB) يسمح للسيارات بإرسال المعلومات إلى سحابةٍ حاسوبية.
وبالعودة إلى تقرير "هير"، فإنّه "على المدى البعيد ستتّصل السيارات بالإنترنت وتتواصل مع غيرها من المركبات والبنى التحتية المحيطة بها. وبحلول عام 2020، نتوقّع أنّ أكثر من ثلثي السيارات المُباعة في جميع أنحاء العالم ستحظى بشكلٍ من أشكال الاتصال."
البيئة
الأثر البيئيّ الأوضَح لأنظمة النقل والمركبات الذكية هو الكفاءة: أشخاصٌ أكثر يستخدمون مركباتٍ أقلّ تخضع للصيانة وفقاً لمعايير أعلى وبوتيرةٍ أكبر.
في حين تقوم شركاتٌ ناشئةٌ، مثل "بلية" Beliaa و"صلحني"Salla7ny و"مساعد"Mosa3ed (كلّها من مصر) بالمساعدة في إدارة عملية صيانة السيارات، فإنّ شركاتٍ ناشئةً أخرى مثل "كاربول أرابيا" Carpool Arabia في الإمارات و"كاربولو"Carpolo في لبنان و"كار تاج"Kartag في مصر، تسمح للناس بتبادل وتشارك الموارد الخاصّة بالسيارات.
من المثير للاهتمام أنّ هذه التقنيات قد تؤثّر على الطريقة التي تُبنى فيها المدن.
يقول مؤسّس "كريم"، ماغنوس أولسون، لـ"ومضة"، إنّه في حين كان من المبكر قليلاً لشركته تقديم المشورة حول التخطيط الحضري، إلّا أّنهم يقدّمون النصائح للحكومات حول أنماط حركة المرور باستخدام بيانات الشركة. وبالإضافة إلى ذلك، يشير إلى أنّ شركات رسم الخرائط والتخطيط الحضري كانت تحاور "كريم" أيضاً للحصول على بياناتها.
من جهته، يقول المدير الإقليمي لشركة "أوبر" Uber، جامبيو بالانيابان، إنّه في حين يتمّ بناء المزيد من الضواحي حول المدن مثل القاهرة، كان يمكن الاعتماد على خيار النقل الذكيّ. وفي حديثه مع "ومضة"، يذكر أنّه كانوا يعملون مع السلطات على تحسين حركة المرور وتقييم أفضل الأماكن التي يكون فيها استخدام وسائل النقل العام الخيار الأفضل.
في ظلّ هذا الكمّ الهائل من البيانات التي يتمّ توليدها من التطبيقات والأجهزة الحالية في قطاع النقل، فإنّ الباب مفتوحٌ على فرص أخرى، مثل شركات الخرائط أو شركات البيانات الكبيرة، للمساعدة على إنشاء تطبيقاتٍ أخرى تستخدم البيانات لتقييم سلوك السائق. وفي حين استقلّت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قطار النقل الذكيّ من دون تراجُع، لا شكّ أنّه يوجد مجالٌ كبيرٌ أمام مزيدٍ من الابتكارات.