هكذا يتمّ تجهيز الجيل المقبل من الفتيات في لبنان بطرق التعليم الحديثة
صورة تذكارية للمشاركين في ختام الفعالية. (الصورة من "جيلز جوت إت")
"كنتُ أعتقد أنّ التكنولوجيا ليست سوى أداة لقتل الوقت، ولكن تعلّمتُ [في هذه الفعالية] أنّ هناك الكثير من الأشياء التي يمكن الاستفادة منها، وأنا بالتأكيد سأشارك في العام المقبل."
هذا ما قالته مريم زعترية التي شاركت إلى جانب 400 فتاةٍ أخرى في فعالية "جيرلز جوت إي تي" Girls Got IT، جئنَ من مدارس خاصّة ورسمية من مختلف أنحاء لبنان للمشاركة في يومٍ كاملٍ من الإرشاد المهنيّ والمشاركة في أنشطةٍ تدور حول مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM.
في المدارس الثانوية في لبنان يُنظَر إلى التوجيه المهني كما لو أنّه موضوع عاديّ وجانبيّ، في حين يسير الكثير من الطلّاب وفق الأنماط الاجتماعية السائدة ويخطّطون لوظائفهم وفقاً لذلك.
وتصبح هذه المشكلة أكبر إذا كان الطلّاب من الإناث، ففي لبنان تتأثّر الخيارات المهنية للإناث كثيراً بالثقافة السائدة والتصوّرات التي يضعها المجتمع فتصبح نمطيةً للغاية. ومن الأمثلة على ذلك، أنّه يمكنك في بعض الأوساط والاجتماعية والأسرية أن تسمع أقوالاً مثل "الهندسة ليست وظيفةً ملائمةً للمرأة".
لا تنحصر هذه المشكلة بلبنان أو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد أظهرَت بعض الدراسات التي أجريَت في الولايات المتحدة الأميركية أنّه بدءاً من سنّ الثانية عشرة يقلّ اهتمام الفتيات بالعلوم والرياضيات، لأنّهنّ لا يتوقّعنَ العمل في هذه المجالات ويعزين سبب الفشل إلى عدم القدرة على ذلك.
كما أنّ هناك فيديو إعلاني صدر مؤخّراً عن "فيريزون" Verizon يسلّط الضوء على الأقوال التي تسمعها الفتيات طوال الوقت أثناء الطفولة، والتي تثنيهنّ عن مواصلة الدراسات في منحَى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
"في المدارس، يتعلّم الطلّاب الكثير من النظرّيات، وعندما يتعلّق الأمر بالتطبيق، فإنّ الأساتذة غالباً ما يطلبون من التلاميذ تنفيذ الأفكار التي تدور في رأس الأستاذ. وبالتالي، ليس التلميذ هو مَن يصمّم أو يجد حلولاً لتحدّياته الشخصية، ما يحطّ مِن عزيمته على ابتكار حلول جديدة،"،" بحسب سابين قاعي من "كيدز جينيوس" Kids Genius، وهي منظَّمة تهدف إلى مساعدة الصغار على اكتشاف وتعلّم التكنولوجيا.
بشكلٍ عام، مع ارتفاع الطلب العالمي على منحى ’العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات‘ STEM، ومع استمرار النقص المتزايد للعنصر الأنثوي وريادته في هذا المجال، فإنّه بالتأكيد يتعيّن القيام بخطوةٍ ما.
في هذا الإطار، قامَت خمس جمعياتٍ تركّز على الإناث في لبنان، وهي "الرابطة اللبنانية لسيدات الأعمال" Lebanese League for Women in Business ، و"النساء العرب في مجال الحوسبة" في لبنان ArabWIC Lebanon، و"جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات - النساء في الهندسة"IEEE Women in Engineering - قسم لبنان، و" التجمع النسائي لتكنولوجيا المعلومات" (Women in IT (WIT، و"جمعية الفرص الرقمية" في لبنان Digital opportunity Trust، بتنظيم فعالية "جيلز جوت إت" Girls Got IT لحثّ الفتيات على الدخول في مجال تكنولوجيا المعلومات.
تأسيس للتواصل
كان لافتاً على مدار اليوم ردود الأفعال والتعليقات الإيجابية التي أبداها المشاركون طوال الفعالية.
وتمثّل أحدى عناصر هذا النجاح في تعريف تلميذات المدارس الثانوية إلى نساءٍ يعتبرنَ قدوةً في منحى ’العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات‘ STEM، مثل ديزيريه شبير، مديرة المشاريع لدى "أمازون" Amazon، وسيلفيا يمين، المهندسة وملكة جمال الكرة الأرضية لعام 2016، اللتين اعتلتا المنصّة للحديث عن تجاربهمها.
بالإضافة إلى ذلك، تم عقد عدّة ورش عمل أدارتها نساء مثل سابين قاعي من "كيدز جينيوس"، ورنا الشميطلي من "المهندس الصغير" The Little Engineer التي ساهمَت في كسر الكثير من الأفكار الجاهزة والنمطية لدى الطالبات.
ستيفاني نور من "ومضة" تدير ندوةً عن التفكير التصميمي لتحويل المشاكل إلى حلول على شكل منتَجات. (الصورة لـ أيمن فرحات)
مشاركة عملية في منحى ’العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات‘ STEM
العنصر الثاني الذي أصاب هدفه في هذه الفعالية، كان التركيز على النشاطات العملية والتقنية في الوقت نفسه الذي تمّ فيه تعريف الطالبات بمختلف اختصاصات هذا المنحَى التعليمي، وذلك في جوٍّ ممتعٍ وإيجابيّ.
شهدَ ذاك اليوم نحو 20 جلسة تمكّنت فيها الطالبات من المشاركة في أنشطةٍ مختلفةٍ والحصول على تدريبٍ عمليّ على المهارات التقنية العملية في مختلف المجالات.
وبينما قامَت عدّة شركات ناشئة لبنانية بإدارة ورش العمل على مدار اليوم، تراوحَت المواضيع بين تطوير البرمجيات وبناء الأجهزة وتطوير المنتَجات. وفي هذا الإطار، قدّمَت "إيدوتك" EDUTEK ورشة عمل عن تطوير تطبيقات "أندرويد"، وقامَت "لو واجون" Le Wagon بإدارة ورشة أخرى بعنوان ’مدخل إلى تطوير الويب‘، كما قدّمت "يورباكرافت" Urbacraft ورشة عمل ٍعن تخطيط وبناء المدن، و"سكريبتر" Scriptr ورشةً عن إنترنت الأشياء.
ورشة عمل حول تطوير الألعاب الرقمية بإدارة "ويكسل ستوديوز" Wixel Studios. (الصورة من "ويكسل ستوديوز")
أشار محمد دوغان، مدير العمليات لدى "المهندس الصغير"، إلى أنّ التطبيق العملي يشكّل العنصر الأساسيّ في كلّ ورش العمل التي ينظّمونها.
وقال لـ"ومضة" إنّهم قبل بدء أيّ ورشة عملٍ يسألون التلاميذ عمّا يتوقّعونه حيال مستقبل حياتهم المهنية.
فخلال ورش العمل " يحصل هؤلاء على الطعم والشعور الحقيقيين للهندسة، ما يساعدهم على تقييم خططهم الأولية ومعرفة ما إذا كانوا يستمتعون بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أم أيّ شيءٍ آخر. وبالتالي، من خلال هذا العمل الفعلي نحن نساعدهم على اكتشاف أنفسهم،" على حدّ قول دوغان.
فريق من الفتيات اللواتي شاركنَ في ورشة عمل "المهندس الصغير" حيث قمنَ بتجميع نموذجٍ حيّ حقيقي لطائرة "إيرباص إيه 380" Airbus A380. (الصورة من "جيرلز جوت إت")
هذا النهج الذي يقوم على التطبيق العملي سيكون مفيداً جدّاً للطلّاب في استكشاف تخصّصهم الجامعي الذي يريدون اختياره.
فريق آخر من الطالبات خلال ورشة عمل قدّمتها "كيدز جينيوس" عن النجارة والتعامل مع الأخشاب. (الصورة من "كيدز جينيوس")
من جهتها، لفتَت الطالبة كريستي زيدة في حديثٍ مع "ومضة"، إلى إنّ تعلّم الترميز والبرمجة ونشر موقعها الإلكتروني الخاصّ جعلها ترى الأمور من منظورٍ مختلف. وشرحَت ذلك قائلةً: "أستطيع الآن التعبير عن نفسي للعالم وبالاعتماد على مجهودي الشخصيّ، وذلك عن طريق تصميم وبناء ما أريد والانتقال من كوني مجرّد مستخدِمةٍ للتكنولوجيا إلى صانعةٍ لها."
في نهاية اليوم تمّ توزيع 20 جائزةً لأفضل المشاركات، تلَتْها جلسةٌ مفتوحةٌ للحديث عبر الميكروفون، حيث اعتلَت عدّة طالباتٍ المنصّة للتعبير عن آرائهنّ بالفعالية.
وقالت الطالبة مايا موسى، إنّ "هذه الفعالية تندرج بالفعل ضمن وجهة نظري القائمة على دعم المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM. لقد أصبحتُ الآن أكثر حماساً وثقةً في مسيرتي المستقبلية في هذا المجال. كما أتشوّق للعام المقبل ولفعاليات توجيهٍ مهنيّ مشابهة تستهدف الجنسَين بالتساوي في المدارس الثانوية."
شاركَت الطالبات خلال تلك الفعالية في حلّ مشاكل مختلفةٍ من الواقع، في الوقت الذي كنّ يكتسبنَ فيه مهاراتٍ جديدةً في برمجة الحاسوب، وعلم الروبوتات، والتفكير التصميمي، وتطوير الألعاب، والهندسة. وذلك لأنّ العارضين كانوا يقدّمون محاكاة لتكنولوجيا العالم الحقيقي والبيئات العلمية، من أجل تصوّر حلولٍ لمشاكل مختلفة والتفكير فيها ومن ثمّ تطبيقها.
في حين يواجه العالم عجزاً مستمرّاً على صعيد المواهب القوية في مجالات التكنولوجيا والعلوم، فإنّ مستقبل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات المشرق في لبنان يمكن الآن أن يكون في أيدي طالبات المدارس الثانوية.